ــ[112]ــ
بل وكذا لو شكّ في إدراكه وعدمه (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأصرح منها صحيحة الحلبي المتقدّمة(1) : «و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» فانّها صريحة في فوات الركعة حينئذ وأنّها ملحقة بالعدم فكيف يمكن الاعتداد بها واحتسابها من الصلاة ولو فرادى كما هو مقتضى هذا الاحتمال ؟
وأمّا الاحتمال الثالث: فهو أيضاً مناف لظواهر تلكم النصوص، لتضمّنها إسناد الفوت وعدم الإدراك إلى نفس الركعة، الظاهر - كما عرفت - في كونها بحكم العدم وعدم دخوله في الصلاة بعد، ولم يسند ذلك إلى الجماعة. فلم يقل (عليه السلام): فقد فاتته الجماعة في هذه الركعة، كي يمكن الالتزام بصحّة الجماعة في أصل الصلاة مع عدم احتساب هذه الركعة منها، هذا.
مضافاً إلى أنّ لازم هذا الاحتمال زيادة ركوع في الصلاة، ولا دليل على الاغتفار والعفو عنها حينئذ كما لا يخفى. فاطلاق مادلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركن محكّم، لعدم قصوره عن المقام.
فظهر من جميع ما تقدّم أنّ الاحتمال الأوّل - أعني البطلان - هو المتعيّن، لعدم إمكان تصحيح هذه الصلاة لا جماعة ولا فرادى.
نعم، الأحوط الأولى العدول بها إلى النافلة وإتمامها والرجوع إلى الائتمام كما نبّه عليه سيدنا الاُستاذ (دام ظله) في تعليقته الشريفة رعاية لاحتمال صحّتها فرادى، ويجوز العدول عنها إلى النافلة لإدراك الجماعة كما دلّت عليه النصوص(2).
(1) تحتمل الصحّة في هذا الفرض جماعة، كما يحتمل البطلان. وقد يستدلّ للأوّل بالاستصحاب، بناءً على أنّ موضوع الحكم بالصحّة ركوع المأموم حال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 100.
(2) الآتية في ص 290.
ــ[113]ــ
كون الإمام راكعاً، فإذا أحرزنا ركوع الإمام بالأصل وضممناه إلى الجزء الآخر المحرز بالوجدان - وهو ركوع المأموم - فقد اُحرز موضوع الصحّة وهذا لا مانع منه في جميع الموضوعات المركّبة.
وقد يفصّل بين صورة العلم بتاريخ ركوع المأموم فيجري ما ذكر، وبين العلم بتاريخ ركوع الإمام أو الجهل بالتاريخين فيحكم بالبطلان حينئذ، لكونه مقتضى الأصل في مجهول التاريخ، وللمعارضة - كما في الجهل بالتاريخين - ومعها لا يحرز الموضوع.
ولا يخفى عدم تمامية شيء ممّا ذكر، فانّ كلّ ذلك موقوف على أن يكون موضوع الحكم في لسان الدليل على النحو التالي: إذا ركع المأموم والإمام راكع. أو ما يقرب من ذلك، فحينئذ قد يتّجه البحث عن استظهار تركّب الموضوع من جزأين، أو كونه عنواناً بسيطاً منتزعاً كعنوان المقارنة، ليبحث بعده عمّا يقتضيه الأصل على كلّ من التقديرين.
إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك، فانّ الوارد في الدليل هكذا: «ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» كما في صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة(1) ونحوها صحيحة الحلبي المتقدّمة(2). فيكون موضوع الحكم هو عنوان القبلية الذي ليس له حالة وجودية سابقة بالضرورة.
وواضح: أنّ أصالة بقاء الإمام على ركوعه وعدم رفع رأسه حال ركوع المأموم لا يكاد يثبت عنوان القبلية، لكونه من أظهر أنحاء الأصل المثبت وعليه فالمرجع هو استصحاب عدم تحقّق العنوان المأخوذ في الموضوع المشكوك حدوثه، المسبوق بالعدم. ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان.
نعم، ربما يوهم خلاف ما ذكرناه ظاهر صحيحة زيد الشحّام «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل انتهى إلى الإمام وهو راكع، قال: إذا كبّر وأقام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)، (2) في ص 100.
ــ[114]ــ
صُلبه ثمّ ركع فقد أدرك»(1). فقد يتوهّم أنّ للبحث عن تركّب الموضوع وبساطته مجالا على ضوء ظاهر هذه الصحيحة.
ولكنّ الحقّ: أنّ الصحيحة مطلقة من حيث إدراك الإمام راكعاً وعدمه فانّ مفادها إدراك الركعة إذا ما كبّر وأقام صُلبه وركع، سواء أدرك الإمام راكعاً أم لم يدركه، فتقيّد لا محالة بصحيحتي سليمان بن خالد والحلبي المتقدّمتين الصريحتين في لزوم إدراك الإمام راكعاً وقبل أن يرفع رأسه، فيكون الموضوع بعد تحكيم قانون الإطلاق والتقييد هو ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه فالموضوع عنوان بسيط وهو عنوان القبلية.
ومن الواضح عدم إمكان إحرازه بالأصل، لعدم الحالة السابقة. ولا يمكن إثباته باستصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى زمان ركوع المأموم، لكونه مثبتاً، ولا نقول بحجّيته. فيجري استصحاب عدم ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه، وبذلك ينتفي الحكم بالصحّة.
وممّا يؤكّد ما ذكرناه من عدم جريان الأصل: أنّه على تقدير جريانه يستلزم الحكم بالصحّة حتّى مع الشكّ في الإدراك حال الدخول في الصلاة - أي في حال تكبيرة الإحرام - كما في العمى أو الظلمة ونحو ذلك ممّا يوجب شكّه في بقاء الإمام راكعاً، بأن يدخل في الصلاة ويكبّر للإحرام مع شكّه في بقاء الإمام في حالة الركوع، استصحاباً له، مع أنّ الظاهر عدم الإشكال في عدم جواز الدخول حينئذ، للزوم إحراز ركوع الإمام، وإنّما الخلاف في الصحّة والبطلان فيما لو طرأ الشكّ بعد الدخول في الصلاة، كما لا يخفى.
وعلى الجملة: فهذا المورد ملحق بالمورد الأوّل وهو فرض القطع بعدم إدراك الإمام راكعاً، غايته أنّ الإحراز هناك واقعي مستند إلى القطع وهنا ظاهري مستند إلى الأصل، فيجري فيه ما تقدّم هناك من الاحتمالات الثلاثة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8: 383 / أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3.
ــ[115]ــ
والأحوط في صورة الشكّ الإتمام والإعادة((1)) (1)، أو العدول (2) إلى النافلة والإتمام ثمّ اللحوق في الركعة الاُخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد عرفت: أنّ الأقوى هو البطلان، لعدم إمكان الحكم بالصحّة لا جماعة ولا فرادى.
والمتحصّل: أنّ الأظهر الحكم بالبطلان مطلقاً في كلتا صورتي القطع والشكّ، فلاحظ.
(1) بلا إشكال، لكونه أخذاً بكلا طرفي الاحتمال: الإدراك وعدمه.
(2) إن كان الوجه فيه احتمال صحّة الصلاة فرادى وإن لم يدركه راكعاً وذلك لجواز العدول حينئذ إلى النافلة لإدراك الجماعة كما سبق، فهو صحيح غير أنّه لا يختصّ بصورة الشكّ، بل يجري مع القطع بعدم الإدراك أيضاً، لعين ما ذكر، فما هو الموجب للتخصيص بالشكّ ؟
وإن كان ذلك لاحتمال صحّتها جماعة لاحتمال إدراك الإمام راكعاً، بأن يكون الدوران بينها وبين البطلان من دون احتمال الصحّة فرادى، فلا وجه له أصلا، لعدم جواز العدول على التقديرين، فانّ الموضوع لجواز العدول هي الصلاة الصحيحة فرادى، دون الباطلة أو الصحيحة جماعة كما لا يخفى.
وعلى الجملة: إمّا أن يعتدّ باحتمال الصحّة فرادى أو لا، وعلى الأوّل لايختصّ الاحتياط بالعدول بمورد الشكّ في الإدراك، وعلى الثاني لا احتياط بالعدول، لعدم مشروعيته كما هو ظاهر.
والصحيح هو الأوّل، ومن هنا حكمنا بجريان الاحتياط المذكور حتّى مع القطع بعدم الإدراك كما مرّ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن كان الاحتياط لأجل احتمال صحّة الصلاة مع عدم إدراك الإمام راكعاً فلا يختصّ ذلك بصورة الشكّ، بل يعمّ صورة القطع بعدم الإدراك أيضاً، وإن كان لأجل احتمال صحّة الجماعة لاحتمال إدراك الإمام راكعاً فلا احتياط في العدول إلى النافلة كما هو ظاهر.
ــ[116]ــ
[1893] مسألة 26: الأحوط عدم الدخول إلاّ مع الاطمئنان بادراك ركوع الإمام (1) وإن كان الأقوى جوازه مع الاحتمال (2)، وحينئذ فان أدرك صحّت وإلاّ بطلت. ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحتمال اعتبار الجزم بالنيّة مع التمكّن منه في صحّة العبادة.
(2) لعدم الدليل عليه، وجواز الإتيان بالعمل بعنوان الرجاء كما في سائر موارد الاحتياط على ما بيّناه في مبحث الاجتهاد والتقليد(2). وعليه فالاحتياط غير واجب، بل الأقوى - كما عليه المصنّف (قدس سره) - هو جواز الدخول في الجماعة بقصد الرجاء حتّى مع احتمال الإدراك، فان أدرك صحّت وإلاّ بطلت.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأحوط الاقتصار على قصد الانفراد أو متابعة الإمام في السجود وإعادة التكبير بعد القيام بقصد القربة المطلقة.
(2) شرح العروة 1: 49 وما بعدها.
|