ــ[130]ــ
[1897] مسألة 30 : إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الإمام راكعاً ، وخاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصفّ نوى وكبّر في موضعه (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم ، مقتضى الاحتياط هو الإتيان بتكبيرة مردّدة بين تكبيرة الافتتاح والذكر المطلق كما سبق .
(1) بلا خلاف فيه ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتقتضيه جملة من النصوص :
منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «أنّه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتّى يبلغهم»(1) .
ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر واركع ، فاذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف ، فاذا جلس فاجلس مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف»(2) .
وهي كالاُولى في الدلالة ، وإن افترقت عنها في موضع المشي .
ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد ، فاذا رفعت رأسي أىّ شيء أصنع ؟ فقال : قم فاذهب إليهم ، وإن كانوا قياماً فقم معهم ، وإن كانوا جلوساً فاجلس معهم»(3) .
وربما يستدلّ له أيضاً بصحيحة معاوية بن وهب قال : «رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) يوماً وقد دخل المسجد لصلاة العصر فلمّا كان دون الصفوف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 384 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1 .
(2) الوسائل 8 : 385 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3 .
(3) الوسائل 8 : 386 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 6 .
ــ[131]ــ
وركع ثمّ مشى في ركوعه (1) أو بعده أو في سجوده أو بعده أو بين السجدتين أو بعدهما أو حال القيام للثانية إلى الصفّ ، سواء كان لطلب المكان الأفضل أو للفرار عن كراهة الوقوف في صف وحده ، أو لغير ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ركعوا فركع وحده ، ثمّ سجد السجدتين ، ثمّ قام فمضى حتّى لحق الصفوف»(1) .
وأورد صاحب الحدائق (قدس سره)(2) على عدّها من أخبار الباب والاستدلال بها كما عن الأصحاب (قدس سرهم) بايراد متين حاصله : أنّ ائتمامه (عليه السلام) إنّما كان بالمخالف كما تقتضيه طبيعة الحال ، فتكون الصلاة للتقيّة ، وهي بصورة الجماعة ، وواقعها انفرادية ، و لذا تجب القراءة فيها ولو بمثل حديث النفس .
فهو (عليه السلام) كان مؤتمّاً صورة ومنفرداً حقيقة ، وعليه فكما أنّ أصل الصلاة معهم كان للتقية جاز أن يكون ما فعله من المشي حال الصلاة والالتحاق بالصفّ أيضاً للتقيّة ، لموافقته لمذهب العامّة(3). فلا يمكن الاستدلال بها .
وكيف ما كان ، ففيما تقدّم ذكره من الصحيحتين والموثّقة غنى وكفاية مضافاً إلى تسالم الأصحاب (قدس سرهم) على الحكم كما عرفت .
(1) كما تقتضيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة(4) ، لقوله (عليه السلام) «يمشي وهو راكع» ، وظاهره تعيّن ذلك ، وأنّ اغتفار البعد خاصّ بمرحلة الحدوث ويجب الالتحاق في حال الركوع بقاءً . فلو كنّا نحن والصحيحة لحكمنا بلزوم العمل بمقتضاها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 384 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2 .
(2) الحدائق 11 : 235 .
(3) المغني 2 : 64 ، الشرح الكبير 2 : 72 .
(4) في ص 130 .
ــ[132]ــ
وسواء كان المشي إلى الأمام أو الخلف (1) أو أحد الجانبين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير أنّ صحيحة عبدالرحمن المتقدّمة(1) تضمّنت توقيت ذلك بحال رفع الإمام رأسه عن سجوده أو قيامه للركعة التالية . وقريب منها الموثّقة المتقدّمة أيضاً(2) .
ومقتضى الجمع بينهما هو التخيير وجواز الالتحاق في كلّ من الموضعين . وبمقتضى الفهم العرفي يستفاد منها جواز الالتحاق بالصفّ فيما بين الحدّين أيضاً ، فانّ الترخيص في التأخير إلى حال القيام ظاهر عرفاً في جواز الالتحاق في أىّ جزء يتخلّل فيما بين حال الركوع وحال القيام للثانية .
وبكلمة اُخرى : من المحتمل قادحية عدم الالتحاق فيما بين الحدّين ، وأمّا قادحية الالتحاق فيه فهي غير محتملة أصلا كما لا يخفى .
وعليه فيجوز له الالتحاق في جميع المواضع المذكورة في المتن ، فانّها وإن لم تكن منصوصاً عليها غير أنّ حكمها مستفاد من النصوص المتقدّمة بالتقريب المذكور .
(1) عملا باطلاق النصوص . وقد يتخيّل المنع عن المشي إلى الخلف لصحيحة محمّد بن مسلم قال «قلت له : الرجل يتأخّر وهو في الصلاة ؟ قال : لا ، قلت : فيتقدّم ؟ قال : نعم ، ماشياً إلى القبلة»(3) . وفي بعض النسخ : «ما شاء» بدل «ماشياً» .
ويتوجّه عليه : أنّ مفاد الصحيحة المنع عن التأخّر في مطلق الصلوات من دون فرق بين الجماعة والفرادى ، فلم ترد لخصوص حكم المقام وإن أدرجها صاحب الوسائل (قدس سره) في روايات الباب . ولا شكّ في جواز التأخّر للمنفرد ، لعدم كونه من قواطع الصلاة بالضرورة .
وعليه فلابدّ من حملها ـ ولو بقرينة الذيل الدالّ على جواز المشي إلى القبلة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) في ص 130 .
(3) الوسائل 8 : 385 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 5 .
ــ[133]ــ
بشرط أن لا يستلزم الانحراف عن القبلة (1) ، وأن لايكون هناك مانع آخر من حائل أو علو أو نحو ذلك (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ على ما إذا كان التأخّر مستلزماً للاستدبار أو الانحراف عن القبلة كما هو المتعارف ، وأمّا المشي بنحو القهقرى المبحوث عنه في المقام فهو غير مشمول للصحيحة ، ومقتضى الإطلاق السالم عن المعارض هو جوازه كما لا يخفى .
(1) لما دلّ على اعتبار الاستقبال ، وعدم ما يدلّ على اغتفاره هنا ، فلابدّ وأن يكون المشي بنحو لا يستلزم الاستدبار أو الانحراف عن القبلة ، ولو بنحو القهقرى ، تحاشياً من ذلك .
(2) قد يقال بشمول الحكم لما إذا كان هناك مانع آخر أيضاً ممّا ذكر في المتن ، لإطلاق النصوص . وقد يدّعى اختصاصه بما إذا لم يكن مانع آخر حتّى البعد المانع من الالتحاق اختياراً ، فانّ هذا الحكم بمثابة الاستثناء من كراهة الانفراد بالصفّ في الجماعة إذا كانت فرجة فيها ، وليس استثناءً من التباعد . وربما ينسب هذا القول إلى المشهور ، بل استظهر في الجواهر عن بعض مشايخه دعوى الاتفاق عليه والمبالغة في تشييده والإنكار على من زعم الاستثناء من التباعد(1) .
وفصّل شيخنا الأنصاري (قدس سره) بين البعد وبين غيره من الموانع فخصّ الاغتفار بالأوّل(2) . وهو جيد جدّاً ، فانّ النصوص مسوقة لبيان العفو من جهة البعد فقط ، ولا نظر لها إلى صورة الاقتران ببقيّة الموانع كي ينعقد لها إطلاق بالإضافة إليها ، فيكون إطلاق أدلّة الموانع من الحائل ونحوه هو المحكّم بعد فرض سلامته عن التقييد .
وأمّا البعد المفروض قدحه اختياراً فلا ينبغي الإشكال في كونه مشمولا للنصوص لو لم يكن هو موردها ، فانّ قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 14 : 14 .
(2) كتاب الصلاة : 376 السطر 18 .
ــ[134]ــ
نعم لا يضرّ البعد الذي لا يغتفر حال الاختيار على الأقوى إذا صدق معه القدوة (1) وإن كان الأحوط اعتبار عدمه((1)) أيضاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسلم المتقدّمة : «قبل أن يبلغ القوم» وفي صحيحة عبدالرحمن : «إن مشيت إليه» وفي الموثّقة : «فاذهب إليهم» يعطينا الظهور القوىّ في ورود النصوص في من يريد الاقتداء وهو بعيد من القوم ، بحيث يصدق في حقّه أنّه لم يبلغهم لوجود الفاصل بينه وبينهم بمسافة تعدّ بالأمتار ، بحيث يحتاج الوصول إليهم إلى المشي والذهاب دون مجرّد التخطّي والانسحاب من صفّ إلى صفّ ، فانّ المنفرد بالصفّ بالغُهم لا أنّه لم يبلغهم بعد ، خصوصاً على القول باعتبار أن لايكون الفصل في الجماعة بأكثر ممّا يتخطّى ، فانّ هذه النصوص كالصريحة في إرادة البعد بأكثر من هذا المقدار كما لا يخفى .
وكيف ما كان ، فلا ينبغي الترديد في قصر النظر في هذه النصوص على الاستثناء من أدلّة مانعية التباعد ، فيكون حملها على الاستثناء من كراهة الانفراد بالصفّ بعيداً عن مساقها جدّاً ، وإن نسب القول به إلى المشهور .
ويزيدك وضوحاً قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «و يمشي وهو راكع» ، فانّ الأمر بالمشي الظاهر في الوجوب إنّما يستقيم على ما استظهرناه ، لوضوح عدم وجوب المشي على المنفرد بالصفّ ، لاتصاله بالقوم فلا يجب ذلك إلاّ على البعيد تحقيقاً للاتصال بهم . وحمله على الاستحباب خلاف الظاهر من دون قرينة عليه .
وعلى الجملة : تخصيص الحكم بالبعد المغتفر(2) اختياراً كتعميمه لسائر الموانع من الحائل ونحوه ممّا لا وجه له ، والمتعيّن هو التفصيل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) كما عرفت .
(1) بأن يكون العرف حاكماً بوحدة الجماعة غير أنّ بعض أفرادها متأخّر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الاحتياط ضعيف جداً .
(2) [الموجود في الأصل: «غير المغتفر» والصحيح ما أثبتناه] .
ــ[135]ــ
والأقوى عدم وجوب جرّ الرجلين حال المشي (1) ، بل له المشي متخطيّاً على وجه لا تنمحي صورة الصلاة . والأحوط ترك الاشتغال بالقراءة والذكر الواجب أو غيره مما يعتبر فيه الطمأنينة حاله (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الصفوف . وأمّا البعد الفاحش ـ كمقدار مائة متر أو أكثر مثلا ـ المانع عن الصدق المزبور فغير مشمول للنصوص ، لانصرافها إلى البعد المتعارف كما لايخفى .
(1) كما هو المشهور ، وهو الصحيح ، عملا باطلاق النصوص . وذهب جماعة إلى وجوب جرّ الرجلين ، لما رواه الصدوق (قدس سره) مرسلا : «ورُوي أنّه يمشي في الصلاة ، يجرّ رجليه ولا يتخطّى»(1) .
ولكنّها مضافاً إلى عدم ورودها في خصوص المقام لتصلح لتقييد المطلقات بها ضعيفة السند للإرسال ، مع أنّ الصدوق (قدس سره) لم يسندها إلى المعصوم (عليه السلام) ليكشف ذلك عن اعتبارها سنداً بحيث كان في غنى عن التصريح برجال السند ، كما كنّا نعتمد عليه سابقاً في حجّية مراسيله (قدس سره) ، وإنّما اكتفى بالقول : وروي . فهي مرسلة ضعيفة السند ، غير صالحة للاستدلال بها بوجه .
(2) اختار صاحب الحدائق (قدس سره) الجواز مدّعياً أنّ مقتضى إطلاق النصوص سقوط اعتبار الطمأنينة في المقام ، فلو اختار المشي راكعاً أو ساجداً جاز له الإتيان بذكري الركوع والسجود ، أو قائماً جازت له القراءة ماشياً كما لو كان المأموم مسبوقاً(2) .
والظاهر عدم الجواز ، لما عرفت من اختصاص النصوص بالعفو عن جهة البعد فقط ، بلا نظر فيها إلى بقيّة الموانع والشرائط ، فلا ينعقد لها إطلاق
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 385 / أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 4 ، الفقيه 1 : 254 ذيل ح 1148 .
(2) الحدائق 11 : 236 .
ــ[136]ــ
ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإضافة إلى ذلك لتدلّ على إلغائها في المقام ، فيكون إطلاق دليل اعتبار الطمأنينة كصحيحة بكر بن محمّد الأزدي(1) وغيرها ـ المتقدّمة في محلّه(2) ـ المقتضي للكفّ عن القراءة والذكر حال المشي محكّماً بعد فرض سلامته عن التقييد .
(1) فانّ النصوص وإن اشتملت على ذكر المسجد إلاّ أنّه وقع في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) ليتوهّم اختصاص الحكم به . وواضح أنّ نظر السائل متوجّه إلى استعلام حكم الجماعة عند الخوف من عدم إدراك ركوع الإمام ، بلا خصوصية للمكان . وذكر المسجد من باب أنّ المتعارف هو انعقادها فيه كما هو الغالب . فلا مجال للترديد في الإطلاق .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 35 / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 8 ح 14 .
(2) شرح العروة 15 : 23 .
|