منها : أنّه هل يكفي في مانعية الحائل وجوده آناًما ، أم لابدّ وأن يكون مستمراً من ابتداء الصلاة إلى انتهائها ؟
الظاهر هو الأوّل ، لإطلاق النصّ ، فانّ الصحيحة دلّت على أنّ السترة مانع ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورتي الاستمرار وعدمه ، فهي بوجودها تمنع سواء ارتفعت بعد ذلك أم لا ، كانت قبل ذلك أم لا ، فمهما وجد الحائل بطلت الجماعة وانقلبت الصلاة فرادى بطبيعة الحال .
ومنها : أنّه هل يعتبر في الحائل حيلولته في جميع حالات الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود ، أم يكفي كونه كذلك ولو في بعض الأحوال دون البعض لقصره ؟
لا ينبغي الشكّ في أنّ السترة التي هي الموضوع للحكم في النصّ إنّما تطلق في مورد يكون قابلا للرؤية وصالحاً للمشاهدة ، بحيث يستند عدمها إلى وجود الستار ، أمّا إذا كانت الحالة بمثابة لا تصلح للرؤية في حدّ نفسها ولو من غير سترة كحالة السجود أو الهوىّ إليه قريباً منه فلا يصدق أنّه هناك سترة بين الإمام والمأموم .
وعليه فلو كان الحائل قصيراً بمقدار شبر أو أكثر بحيث لا يكون مانعاً عن الرؤية حالة الجلوس فمثله غير قادح في الصحّة ، لعدم تحقّق الحيلولة المانعة عن المشاهدة في المورد القابل لها .
ــ[145]ــ
وأمّا إذا كان الحائل أطول من ذلك بحيث يمنع عن الرؤية حال الجلوس أو الركوع وإن لم يكن كذلك حال القيام فالأقوى حينئذ هو البطلان ، لإطلاق النصّ ، إذ يصدق عندئذ أنّ بينهم سترة أو جداراً ، بعد إن لم يكن مقيّداً بحالة دون اُخرى . فاطلاقه يعمّ جميع الحالات الصالحة للرؤية .
ولكن هذا كلّه بناء على رواية الكافي التي ذكر فيها «إن صلّى قوم بينهم وبين الإمام سترة أو جدار»(1) ، وأمّا بناء على رواية الفقيه التي ورد فيها : «وإن كان ستراً أو جداراً» بعد قوله : «ما لا يتخطّى» فحيث إنّ اسم كان ضمير عائد إلى الموصول فلا جرم يكون مفادها اختصاص الساتر الممنوع بالمقدار الذي لا يتخطّى ، فلا مانعية للساتر الذي يتخطّى كما إذا كان بمقدار ثلاثة أشبار .
وحيث لم يثبت الترجيح فيكون المرجع بعد التعارض والتساقط أصالة عدم المانعية للساتر الذي يتخطّى وإن كان حائلا ومانعاً عن المشاهدة في بعض الحالات .
إذن فالمتعيّن اختصاص المانعية بالساتر الذي لا يتخطّى خاصّة ، ويكون الحكم في الزائد عليه وإن منع عن المشاهدة وصدق عليه عنوان الحائل بل الساتر مبنياً على الاحتياط كما أشار إليه سيدنا الاُستاذ (دام ظله) في تعليقته الشريفة ، فتدبّر جيّداً . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [الموجود في الكافي : «فان كان بينهم سترة أو جدار» . وقد تقدّم منه في ص 138 عدم وجود ما ذكره هنا في نسخ الكافي] .
|