وقد ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) : أنّ مقتضاه هو البراءة من مانعية الحائل غير الساتر أو عن شرطية عدمه في صحّة الجماعة(1) .
وهذا بظاهره ربما لا يخلو عن الإشكال ، حيث إنّ الجماعة سنّة وليست بفريضة ، فليس في موردها تكليف مشكوك كي يتمسّك في نفيه بأصالة البراءة الشرعية أو العقلية ، بل الجماعة عند استجماع شرائطها موضوع لأحكام خاصّة من سقوط القراءة واغتفار زيادة الركن أو السجود لأجل التبعية ورجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ في الركعات . فعند الشكّ في استجماع الشرائط كان المتّبع إطلاق الأدلّة الأوّلية لتلك الأحكام ، الراجع إلى أصالة عدم مشروعية الجماعة ، هذا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 629 السطر 24 .
ــ[148]ــ
ولكن الأقوى صحّة الرجوع إلى أصالة البراءة في المقام ، فانّ الجماعة بنفسها مصداق للواجب وأحد فرديه ، وليس شيئاً أجنبياً عنه يسقط به الفرض كالسفر بالنسبة إلى الصوم ، بل هو متّحد معه اتّحاد الطبيعي مع أفراده غايته أنّ الواجب إنّما هو الجامع المنطبق عليها تارة وعلى الفرادى اُخرى ، فهما من قبيل الواجب التخييري ، كالقصر والتمام في مواطن التخيير ، وكالظهر والجمعة على القول بالتخيير بينهما .
وقد ذكرنا في محلّه أنّه لا معنى للوجوب التخييري إلاّ تعلّق الحكم بالجامع بين أحد الفردين أو الأفراد ، سواء أكان مقولياً متأصّلا أم أمراً اعتبارياً كعنوان أحد الأمرين أو الاُمور كما في خصال الكفّارات(1) .
وعلى الجملة : فالواجب في المقام إنّما هو الجامع المنطبق على كلّ من الفردين ، فكلّ من الجماعة والفرادى عدل للواجب ، ولكلّ منهما حكم يخصّه .
وعليه فمرجع الشكّ في اعتبار قيد في صحّة الجماعة ـ كعدم وجود الحائل وإن لم يكن ساتراً ـ إلى الشكّ في متعلّق التكليف في مقام الجعل ، وأنّ الجامع الملحوظ بينهما هل لوحظ بين الفرادى وبين مطلق الجماعة ، أم لوحظ بينها وبين الجماعة المقيّدة بعدم الاشتمال على الحائل وإن لم يكن ساتراً .
ولا ريب أنّ اللحاظ على النحو الثاني يتضمّن كلفة زائدة ، وبما أنّها مشكوكة حسب الفرض فتدفع بأصالة البراءة العقلية والنقلية . وهذا الأصل حاكم على أصالة عدم المشروعية كما لا يخفى ، وبذلك تثبت مشروعية الجماعة وإن كانت فاقدة لذلك القيد .
بقيت هناك فروع اُخر تتعلّق بالمقام نتكلّم عنها عند تعرّض الماتن لها في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 : 40 .
|