ــ[185]ــ
[1912] مسألة 15 : إذا تمّت صلاة الصفّ المتقدّم وكانوا جالسين في مكانهم أشكل بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر ، لكونهم حينئذ حائلين غير مصلّين ، نعم إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة اُخرى لا يبعد بقاء قدوة المتأخّرين (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكلام في هذه المسألة يقع تارة من حيث حيلولة الصفّ المتقدّم واُخرى من ناحية البعد المتجدّد بين المأموم والإمام أو من هو واسطة الاتّصال . وقد تعرض الماتن (قدس سره) لكلتا الناحيتين في ضمن مسألتين . فتعرّض هنا من الناحية الاُولى ، وفي المسألة التاسعة عشرة الآتية من الناحية الثانية . ونحن نبحث هنا عن كلتا الناحيتين لما بينهما من المناسبة فنقول :
أمّا من الناحية الاُولى : فلاريب أن الصفّ المتقدّم بعد انتهائهم من الصلاة ـ كما لو كانوا مقصّرين ، أو عدولهم إلى الانفراد ـ فهم يعدّون من الحائل بين الصفّ المتأخّر وبين الإمام أو من هو واسطة الاتّصال ، لصدق عنوان السترة المذكور في النصّ عليهم .
وقد عرفت دلالة النصّ على أنّ المانع هو مطلق الستار ، سواء أكان جداراً أم غيره من إنسان أو حيوان ونحوهما ، فيشمل الصفّ المتقدّم إلاّ إذا كانوا مصلّين مؤتمّين فانهم ليسوا بحائلين حينئذ كما مرّ(1) . وأمّا إذا لم يكونوا مصلّين أو لم يكونوا مؤتمّين فلا إشكال في صدق الحائل عليهم ، الموجب لبطلان جماعة الصفّ المتأخّر .
نعم ، إذا قاموا بعد الإتمام بلا فصل ودخلوا مع الإمام في صلاة اُخرى قضائية أو أدائية كما لو كانوا مسافرين فقاموا إلى صلاة العصر مراعين في ذلك الفورية العرفية ، فقد ذكر في المتن أنّه لا يبعد حينئذ بقاء قدوة المتأخّرين .
والأمر كما ذكره (قدس سره) ، إذ بعد الالتحاق المزبور يعدّون من قبيل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 175 .
ــ[186]ــ
الحائل غير المستقرّ ـ كمرور شخص بين الإمام والمأموم ـ الذي عرفت(1) انصراف النصّ عن الشمول لمثله ، لكون المنسبق منه إلى الذهن ما إذا كان الحائل شيئاً ثابتاً مستقرّاً . فالمقتضي قاصر في نفسه عن الشمول لغير المستقر .
فانّا إنما نتعدّى من النصّ المتضمّن للسترة والجدار إلى كلّ ما له الاستقرار من مطلق الستار ، دون ما لا استقرار له كما فيما نحن فيه . فالمتّجه هو الحكم ببقاء قدوة المتأخّرين ، من غير حاجة إلى الاستصحاب .
وأمّا من الناحية الثانية : فتارة يفرض أنّ المقدار الذي يشغله الصفّ المتقدّم من البعد ليس ممّا لايتخطّى، بل كان بمقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد الذي هو قابل للتخطّي ـ كما سبق (2) ـ فلا أثر لهذا البحث من هذه الجهة لصحّة جماعة المتأخّرين وإن لم يكن الصفّ المتقدّم موجوداً من أوّل الأمر فضلا عن فراغهم أو انفرادهم ، لما عرفت(3) من أنّ المدار في هذا البعد على ملاحظته بين مسجد الصفّ المتأخّر وموقف الإمام أو الصفّ المتقدّم ، لا بين الموقفين .
واُخرى يفرض أنّ البعد أكثر من ذلك أي كان بين الصفّ المتأخّر والإمام مالا يتخطّى ، وحينئذ فمقتضى إطلاق صحيح زرارة(4) المتضمّن لقدح البعد بهذا المقدار ـ الشامل لصورتي الحدوث والبقاء ـ بطلان قدوة الصفّ المتأخّر ، على ما تقدّم في الحائل(5) من عدم الفرق في المانعية بين تمام الصلاة وأبعاضها بمقتضى الإطلاق .
نعم ، استثنى الماتن من ذلك ما إذا عاد المتقدّم إلى الجماعة بلا فصل ، على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 181 .
(2) في ص 159 ـ 160 .
(3) في ص 160 .
(4) المتقدّم في ص 137 .
(5) في ص 144 .
ــ[187]ــ
[1913] مسألة 16 : الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه حائل لايجوز معه الاقتداء (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدّ استثنائه في المسألة من الناحية الاُولى كما سبق . فكأنّه (قدس سره) يرى اتّحاد الملاك في الاستثناء ، وأنّ المسألتين من هذه الجهة ترتضعان من ثدي واحد .
ولكنّه كما ترى لا يمكن المساعدة عليه ، لاختلاف الملاك ، فانّا إنّما التزمنا بالاستثناء من الناحية الاُولى من أجل قصور المقتضي ، واختصاص دليل المنع بالحائل المستقر ، وعدم الدليل على التعدّي عنه إلى غير المستقر الذي ينصرف النصّ عنه .
وأمّا في المقام فلا قصور في الإطلاق ، وليس هنا مثل ذلك الانصراف ، ولا فرق في البعد المانع بين ما كان كذلك من أوّل الصلاة أو تجدد في الأثناء كما صرح هو (قدس سره) به في المسألة الثامنة عشرة الآتية . كما لا فرق في ذلك بين قصر الزمان وطوله ، كلّ ذلك لإطلاق النصّ بعد عدم الدليل على التخصيص بصورة دون اُخرى كما لا يخفى .
فمجرّد حدوث البعد المزبور وإن قصرت مدّته يشمله النصّ ، فتبطل القدوة ويصير المتأخّر منفرداً . ولا دليل على صحّة الاقتداء ثانياً . فقياس المسألة من هذه الناحية عليها من تلك الناحية قياس مع الفارق الواضح .
فالمتّجه بطلان اقتداء الصفّ المتأخّر من حيث حدوث البعد القادح بعد انفراد الصفّ المتقدّم أو انتهائهم ، سواء أعادوا إلى الجماعة أم لا ، وإن لم يبطل من حيث الحيلولة في هذه الصورة كما عرفت .
(1) لإطلاق النصّ بعد صدق السترة على الثوب وإن كان رقيقاً . ومجرّد رؤية الشبح غير مانع عن صدق السترة على الثوب بعد أن كان مانعاً عن مشاهدة العين .
|