ــ[223]ــ
وكذا لا تجب المبادرة إلى القيام حال قراءته (1) ، فيجوز أن يطيل((1)) سجوده ويقوم بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض الحمد .
[1929 ]مسألة 7 : لا يجوز أن يتقدّم المأموم على الإمام في الأفعال (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجهة كما هو ظاهر ، وحيث لا دليل فالمرجع أصالة البراءة .
(1) فانّ القيام إمّا واجب حال القراءة أو شرط في صحّتها ، وعلى التقديرين فانّما يجب لدى التصدّي للقراءة مباشرة ، فلا موضوع للوجوب مع السقوط وضمان الإمام . وعليه فلا مانع من إطالة السجود والقيام بعد قراءة الإمام بعض الحمد كما ذكره في المتن .
لكن ينبغي تقييده ـ بقرينة ما سيجيء منه (قدس سره) من لزوم المتابعة في الأفعال ـ بما إذا لم يكن التأخير بمثابة يخلّ بصدق المتابعة في القيام عرفاً كما لو أطال السجود ولحق بالإمام حينما أشرف على الركوع ، وإلاّ بطلت جماعته أو كان آثماً على الخلاف الآتي من أنّ المتابعة واجب نفسي أو شرطي .
وبعبارة اُخرى : هنا جهتان من البحث :
إحداهما : وجوب القيام حال قراءة الإمام ، وهذا لا دليل عليه كما عرفت لاختصاصه بالقيام حال قراءة المصلّي نفسه ، لا حال سقوطها وضمان الغير له . فله التأخير في السجود والالتحاق بالإمام وإن شرع في الفاتحة وقرأ آية منها مثلا .
ثانيتهما : وجوب متابعة الإمام في أفعاله ، فالتأخير في الالتحاق بمقدار يخلّ بمتابعة الإمام في القيام ممنوع لأجل ذلك ، لا لعدم القيام حال قراءة الإمام .
(2) بلا خلاف ولا إشكال ، وقد ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب . وإنّما الكلام في مستنده بعد وضوح عدم كون الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بمقدار لا يضرّ بالمتابعة العرفية .
ــ[224]ــ
بل يجب متابعته ، بمعنى مقارنته أو تأخّره عنه (1) تأخّراً غير فاحش .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربما يستدلّ له بالنبوي : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا»(1) بعد انجبار ضعفه بعمل المشهور . لكن الانجبار ممنوع كبرى كما مرّ مراراً ، وكذا صغرى ، إذ لم يعلم استنادهم إليه كما لا يخفى .
فالأولى الاستدلال له بأنّ ذلك هو مقتضى مفهوم الائتمام ، ولازم جعل الإمامة للإمام ، من غير حاجة إلى ورود نصّ في المقام ، فانّ المأمومية والاقتداء تتقوّم عرفاً بالتبعيّة لمن يأتمّ به في كلّ ما يفعل . فالتقدّم عليه في الأفعال مناف لصدق هذا العنوان بالضرورة . فالنبوي المزبور وإن كان ضعيف السند لكن مضمونه مطابق للقاعدة .
ويشهد له بعض النصوص الواردة في الموارد المتفرّقة مثل ماورد في من ركع أو سجد قبل الإمام سهواً(2) ، أو رفع رأسه عنهما كذلك(3) من أنّه يرجع إلى ما كان . فلولا عدم جواز التقدّم عليه في الأفعال لم يكن وجه للعود .
وما ورد من الأمر بالتجافي في التشهّد في المأموم المسبوق(4) ، ومن الأمر بالانتظار والاشتغال بالتسبيح فيما لو فرغ المأموم عن القراءة عندما يقرأ قبل أن يفرغ الإمام عنها(5) . فلو كان التقدّم جائزاً لم يكن وجه للتجافي فيقوم عن تشهّد الإمام ، ولا للانتظار فيركع قبل ركوعه . فالأمر بهما يكشف عن عدم الجواز لا محالة .
(1) المشهور جواز مقارنة المأموم مع الإمام في الأفعال ، فتتحقّق المتابعة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك 6 : 492 / أبواب صلاة الجماعة ب 39 ذيل ح 2 ، 1 .
(2) الوسائل 8 : 391 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4 .
(3) الوسائل 8 : 390 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1 ، 3 .
(4) الوسائل 8 : 387 / أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2 ، 418 / ب 67 ح 2 .
(5) الوسائل 8 : 370 / أبواب صلاة الجماعة ب 35 .
ــ[225]ــ
بمجرّد عدم التقدّم عليه ، ولا يلزم التأخّر عنه ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه .
وذهب جمع منهم صاحب المدارك(1) وصاحب الذخيرة(2) إلى لزوم التأخّر وعدم كفاية المقارنة(3). ويستدلّ لهم بوجهين :
أحدهما : أنّ لزوم التأخّر هو ظاهر النبوي المتقدّم ، فانّ قوله (صلى الله عليه وآله) : «إذا كبّر فكبّروا . . .» إلخ ظاهر بمقتضى التفريع وتعليق الجزاء على الشرط في أنّ وجوب التكبير على المأموم متفرّع على تكبير الإمام وتحقّقه خارجاً ، وهكذا الحال في الركوع والسجود إلى نهاية الأفعال . فهي متأخّرة عنه زماناً لا محالة ، رعاية للترتيب الزماني المستفاد من التعليق المزبور بمقتضى الفهم العرفي .
وحمله على التأخّر الرتبي والترتّب بالعلّية المجامع مع التقارن الزماني بأن تكون إرادة المأموم معلولا لإرادة الإمام وإن اقترن الفعلان زماناً خلاف الظاهر جدّاً ، بعيد عن سياق الرواية عرفاً كما لا يخفى .
ثانيهما : أنّ ذلك هو مقتضى قاعدة الاشتغال ، فانّ الجماعة محكومة بأحكام خاصّة من ضمان الإمام للقراءة ، ورجوعه إلى المأموم وكذا العكس لدى الشكّ ، واغتفار الزيادة لأجل التبعية . ولا يمكن ترتيبها إلاّ مع الجزم بالصحّة ولا جزم إلاّ في فرض التأخّر ، لاحتمال دخله فيها وعدم كفاية المقارنة في صحّة الجماعة . فمجرّد الاحتمال كاف في الاعتبار ، قضاء لقاعدة الاشتغال .
أقول : في كلا الوجهين ما لا يخفى .
أمّا الأوّل : فلما عرفت من ضعف سند النبوىّ ، فلا يمكن التعويل عليه في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ المدارك 4 : 326 .
(2) لاحظ الذخيرة : 398 السطر 20 .
(3) يظهر من الحدائق أنّ صاحب المدارك والذخيرة إنّما منعا عن المقارنة في خصوص التكبير لا في الأفعال التي هي محلّ الكلام ، ولا في غيره من الأقوال . لاحظ الحدائق 11 : 139 .
ــ[226]ــ
شيء من الأحكام . والانجبار على تقدير تسليمه كبرىً لا صغرى له في المقام قطعاً ، كيف وقد ذهب المشهور إلى جواز المقارنة ، بل ادّعي الإجماع عليه كما مرّ .
وأمّا الثاني : فلأنّه إن اُريد من احتمال دخل التأخّر في الصحّة دخله في مفهوم الائتمام وصدق عنوان الجماعة عرفاً فهو مقطوع العدم ، لتحقّق المتابعة بمجرّد المقارنة لدى العرف ، فانّهم لا يرون في صدقها أكثر من جعل التابع فعله قرين فعل المتبوع والتحرّك طبق إرادته . وهذا العرف ببابك ، فانّ الاجتماع للصلاة كالاجتماع لغاية اُخرى كالاستماع والترنّم لقصيدة مثلا ، فاذا كان هناك من يلقي قصيدة ويتبعه الباقون في قراءتها لا يعتبر في صدق المتابعة تأخّر الباقين في القراءة ، بل يتحقّق وإن اجتمعا في زمان واحد .
وإن اُريد منه احتمال دخله في الصحّة شرعاً فيدفعه أوّلا : إطلاقات أدلّة الجماعة بعد صدق المفهوم عرفاً لدى المقارنة كما عرفت .
وثانياً : أصالة البراءة كما مرّ مراراً من أنّها المرجع لدى الشكّ في أمثال المقام ، فانّ الجماعة ليست مسقطة للوجوب ، وإنّما هي عدل للواجب التخييري ، فيشكّ في أنّ الملحوظ في هذا العدل هل هو خصوص المتضمّن للتأخّر أم الأعم منه ومن التقارن . وحيث إنّ الخصوصية مشكوكة فتدفع بأصالة البراءة التي نتيجتها جواز المقارنة . فلا مجال للرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، هذا .
وربما يستدلّ للجواز بما رواه في الحدائق(1) عن الحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يصلّي ، أله أن يكبّر قبل الإمام ؟ قال : لا يكبّر إلاّ مع الإمام ، فان كبّر قبله أعاد التكبير»(2) ، فانّ ظاهرها جواز المقارنة . وقد استدلّ بها المجلسي في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحدائق 11 : 139 .
(2) الوسائل 3 : 101 / أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1 .
ــ[227]ــ
البحار(1) على جوازها في التكبير ، وبضميمة عدم الفصل بينه وبين سائر الأفعال يتمّ المطلوب .
وفيه أوّلا : أنّ مورد هذه الرواية على ما استظهره في الوسائل هو صلاة الجنازة ، ومن ثمّ أوردها في ذاك الباب ولم يوردها في روايات المقام . كما أنّ الحميري أيضاً أوردها في باب صلاة الجنازة (2) ، قال في الوسائل(3) : ويظهر منه أنّه كان كذلك في كتاب علي بن جعفر(4) أيضاً(5) .
وكأنّ معلّق الحدائق (دام علاه) اقتصر في فحصه على روايات المقام حيث قال : ولم نجده في قرب الإسناد ولا في الوسائل ولا في المستدرك .
وكيف ما كان ، فلا مساس لهذه الرواية بروايات المقام إمّا جزماً أو احتمالا فلا جزم بصحّة الاستدلال بها .
وثانياً : أنّها ضعيفة السند بعبدالله بن الحسن ، هذا .
وقد ناقش صاحب الحدائق (قدس سره) في دلالتها بما ملخّصه : أنّ العبارة لو كانت هكذا : لا يكبّر إلا مع تكبير الإمام . لدلّت على المقارنة ، لكون المعيّة حينئذ ملحوظة بين التكبيرتين ، لكن المذكور في الرواية هكذا : «لا يكبّر إلاّ مع الإمام» والمفهوم من هذه العبارة لزوم التأخّر ، إذ المعيّة ملحوظة بين تكبير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار 85: 74 / 30.
(2) قرب الإسناد : 218 / 854 .
(3) [سقط قول صاحب الوسائل هذا من الطبعة الجديدة] .
(4) مسائل علي بن جعفر : 211 / 455 .
(5) لا يخفى أنّ كتاب علي بن جعفر على ما يظهر من النجاشي [في رجاله : 251 / 662] يروى مبوّباً تارة وغير مبوّب اُخرى ، والذي وصل إلى عبدالله بن جعفر الحميري إنّما هو غير المبوّب . لاحظ معجم الاُستاذ 12 : 314 / 7979 .
وعليه فالتبويب الذي يشاهد في الجزء الثاني من قرب الإسناد عند إيراده لمسائل علي بن جعفر كأنّه اجتهاد من الحميري نفسه ، ولا عبرة به ، كاجتهادات الكليني وأضرابه في إيراد الأحاديث في بعض الأبواب حسب أنظارهم المقدّسة وما يفهمونه من الروايات .
ــ[228]ــ
المأموم ونفس الإمام ، أي اتّصافه بالإمامة .
ومن الواضح أنّ هذا الاتّصاف لا يتحقّق إلاّ بعد دخول الإمام في الصلاة وصدور التكبير منه ، وبعدئذ يصير إماماً ، فتكبير المأموم مقارن لهذا الاتّصاف المساوق لتأخيره عن تكبير الإمام لا محالة ، في قبال ما لو سبقَ الإمامَ بالتكبير ، الذي أشار إليه بقوله (عليه السلام) : «فان كبّر قبله أعاد» . فالرواية ناظرة إلى صورتي التقدّم والتأخّر اللذين هما الشائع ، دون التقارن الذي هو فرد نادر .
لكنّ الإنصاف أنّ المناقشة في غير محلّها ، فانّ قوله (عليه السلام) : «لا يكبّر إلاّ مع الإمام» كقولنا : لا تأكل إلاّ مع زيد ، ولا تمش إلاّ مع عمرو . الظاهر في المقارنة بين نفس الفعلين ، وإلاّ فاتّصاف الإمام بالإمامة لا يتحقّق بمجرّد التكبير ، بل يتوقّف على تكبير المأموم أيضاً وائتمامه به ، رعاية للمضايفة المعتبرة بين الإمامة والمأمومية ، المتكافئة في القوة والفعلية ، فلو لوحظ التقارن مع الاتّصاف المزبور يرجع المعنى إلى أنّ المأموم لا يكبّر إلاّ عند تكبير نفسه ولا محصّل له كما لا يخفى .
ثمّ إنّه مع الغضّ عن جميع ما مرّ ، وتسليم جواز المقارنة في التكبير بمقتضى هذه الرواية مع أنّ المشهور خلافه ، فأىّ ملازمة بينه وبين سائر الأفعال ؟ وعدم القول بالفصل غير ثابت ، فيمكن التفكيك ، لا سيما مع ثبوت الفرق ، فانّ التكبير افتتاح الصلاة ، فهو شرط في تحقّقها وفي انعقاد الجماعة ، فلا ضير في المقارنة ، بخلاف بقيّة الأجزاء الواقعة بعد الانعقاد ، التي هي المدار في مراعاة المتابعة ، فيمكن دعوى لزوم التأخّر فيها . على أنّ التكبير من الأقوال فلايقاس عليه الأفعال .
وعلى الجملة : فهذه الرواية غير صالحة للاستدلال ، بل الأولى أن يستدلّ للجواز بما عرفت من التمسّك بالإطلاق والأصل .
ــ[229]ــ
ولا يجوز التأخير الفاحش (1) . ــــــــــــــــــــــــ
(1) لعين ما عرفت في المنع عن التقدّم من المنافاة لمفهوم الائتمام والمتابعة فلاحظ .
|