ــ[233]ــ
[1931 ]مسألة 9 : إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع الإمام رأسه وجب عليه العود والمتابعة (1) ، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذ ، لأنّها مغتفرة في الجماعة في نحو ذلك ، وإن لم يعد أثم((1)) وصحّت صلاته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد عرفت أنّ نيّة الانفراد في الأثناء غير ضائرة ، كما عرفت أنّ ترك المتابعة غير قادح في صحّة الصلاة نفسها . وعلى تقدير الشكّ فيدفع بأصالة البراءة كما سبق . فهذا القول هو المتعيّن .
(1) هذا متفرّع على ما تقدّم منه (قدس سره) في المسألة السابقة من كون المتابعة واجباً نفسياً تعبدياً لا يترتّب عليه إلاّ الإثم ، ولأجله حكم في المقام بأنّ ترك العود لا يقتضي إلاّ المخالفة الموجبة للإثم ، ولم تبطل صلاته ولا جماعته .
وأمّا بناءً على ما ذكرناه من كونها واجباً شرطياً لصحّة الجماعة ـ كما عرفت ـ فعند عدم العود تبطل جماعته وتنقلب فرادى من غير إثم . والمقصود أنّ الحكم في هذه المسألة من هذه الجهة ـ أعني الإثم والصحّة لدى ترك المتابعة ، أو عدم الإثم وبطلان الجماعة ـ متفرّع على المسألة السابقة .
وكيف ما كان ، فلا إشكال كما لا خلاف بينهم في ثبوت العود والمتابعة في المقام في الجملة ، للنصوص الخاصّة الآمرة بذلك كما ستعرف ، ولأجلها يلتزم باغتفار زيادة الركن هنا ، لكونها مخصّصة لعموم ما دلّ على مبطلية الزيادة .
إنّما الكلام في أنّ ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، وأنّه هل يختصّ بالسهو وما يلحق به من الزعم واعتقاد رفع الإمام رأسه أم يعمّ العمد أيضاً ، فيعود وإن رفع رأسه قبل الإمام عامداً ؟
المشهور وجوب العود مع الاختصاص بغير العمد ، فلا يعود العامد بل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأظهر فيه عدم الإثم ، وإنّما تختلّ به جماعته .
ــ[234]ــ
يستمر ، وهو الذي اختاره في المتن . وعن جماعة استحبابه وأنّه أفضل ، ونسب إلى المفيد في المقنعة وجوب العود حتّى في فرض العمد(1) .
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام ، فقد ورد الأمر بالعود في جملة من النصوص :
منها : ما رواه الصدوق باسناده عن فضيل بن يسار «أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : فليسجد» . ورواها الشيخ أيضاً باسناده عن ربعي بن عبدالله وفضيل بن يسار(2) . لكن الطريق الثاني ضعيف بمحمد بن سنان ، فما في بعض الكلمات من التعبير عنها بصحيحة ربعي والفضيل في غير محلّه .
والعمدة إنّما هو الطريق الأوّل ، إذ ليس في السند من يغمز فيه عدا علي بن الحسين السعدآبادي الواقع في طريق الصدوق إلى الفضيل(3) حيث لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال ، لكنّه لا ضير فيه بعد أن كان من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، فانّ التوثيق الذي ذكره في أوّل كتاب كامل الزيارات لمن وقع في أسانيده على تقدير التشكيك في عمومه لجميع الرواة الواقع في الكتاب فلاريب في أنّ المتيقّن منه مشايخه ومن يروي عنه بلا واسطة .
والرجل المزبور كما أنّه من مشايخ الصدوق من مشايخ ابن قولويه أيضاً كما عرفت ، ولا ريب أنّ توثيقه لا يقلّ عن توثيق الرجاليين . فالرواية بهذا الطريق موصوفة بالصحّة ، وقد تضمّنت الأمر بالسجود لمتابعة الإمام ، ومقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [لم نعثر عليه في المصدر ، بل قال في مفتاح الكرامة 3 : 461 السطر 26 : وليس فيما عندنا من نسخ المقنعة لذلك عين ولا أثر ، ولعلّهم توهموا ذلك مما أصّله الشيخ في التهذيب3 : 47 ذيل ح 162 ، فظنّوا أنّه كذلك من كلام المفيد ، وليس ذلك قطعاً . . .] .
(2) الوسائل 8 : 390 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1 ، الفقيه 1 : 258 / 1173 التهذيب 3 : 48 / 165 .
(3) الفقيه 4 (المشيخة) : 32 .
ــ[235]ــ
الإطلاق عدم الفرق بين السهو والعمد كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ـ بالبناء على المعلوم أو المجهول ـ ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام ، قال : يعيد بركوعه معه»(1) وهي مثل السابقة في الإطلاق المزبور وفي الاشتمال على الأمر الظاهر في الوجوب ، ونحوهما غيرهما .
لكن بازائها موثّقة غياث بن إبراهيم قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه ؟ قال : لا»(2) فانّ ظاهرها النهي ، وهي أيضاً مطلقة من حيث العمد والسهو كالطائفة السابقة ، فتقع المعارضة بينهما .
وربما يناقش في سندها بأنّ غياثاً فاسد المذهب ، لكونه بترياً ، فالرواية ضعيفة غير منجبرة بعمل المشهور ، فلا تنهض لمعارضة النصوص السابقة .
وفيه : أنّ الرجل وثّقه النجاشي(3) صريحاً ، وفساد المذهب غير مانع عن العمل وحجّية الخبر عندنا بعد أن كان الراوي ثقة كما تقرّر في محلّه . فالمعارضة مستقرّة ولابدّ من العلاج .
فعن جماعة حمل الأمر في الطائفة الاُولى على الاستحباب ، ومن هنا التزموا بأن العود أفضل ، فجعلوا هذه الموثّقة قرينة على صرف الأمر عن ظاهره إلى الندب .
وعن الشيخ الجمع بينهما بحمل الموثّقة على صورة العمد ، وتلك النصوص على غير العمد من السهو أو اعتقاد الرفع(4) . واعترضه غير واحد(5) بأنّه جمع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 391 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3 .
(2) الوسائل 8 : 391 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6 .
(3) رجال النجاشي : 305 / 833 .
(4) التهذيب 3 : 47 ذيل ح 164 .
(5) منهم المحدّث البحراني في الحدائق 11 : 142 ، والسيد العاملي في مداركه 4 : 329 .
ــ[236]ــ
تبرّعي لا شاهد عليه ، فلا يمكن المصير إليه ، وأنّ مقتضى الجمع العرفي هو الأوّل .
لكن الصحيح هو الجمع الذي ذكره الشيخ ، وليس الأوّل من الجمع العرفي في شيء ، فانّ الحمل على الاستحباب إنّما يتّجه فيما إذا كان الدليل الآخر المقابل للوجوب صالحاً للقرينية ، بحيث لو جمعا في كلام واحد واُلقيا على العرف لم يرَ العرف تنافياً بين الصدر والذيل ، ولم يبق متحيّراً ، بل يجعل أحدهما قرينة على التصرّف في الآخر وكاشفاً عن المراد منه ، كما في مثل قوله : افعل ، وقوله : لا بأس بتركه ، إذ يرى العرف أنّ الترخيص في الترك قرينة على إرادة الاستحباب من الأمر .
وليس المقام من هذا القبيل بالضرورة ، فانّ أحد الدليلين متضمّن للأمر والآخر للنهي ، وبينهما كمال المنافاة ، فلو جمعا في كلام واحد وقيل : «يعيد بركوعه» كما في صحيحة ابن يقطين و«لا يعود» كما في الموثّقة بقي أهل العرف متحيّرين ، ورأوا تناقضاً في الكلام .
فالجمع الدلالي بهذا النحو متعذّر ، والمعارضة مستقرّة ، إذ قد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر ، والمتعيّن إنّما هو الجمع الثاني الذي ذكره الشيخ ، وليس هو من الجمع التبرّعي في شيء .
وتوضيحه : أنّ النسبة بين الدليلين وإن كان هو التباين ، حيث إنّ كلا منهما مطلق من حيث العمد والسهو ، وقد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر كما عرفت ، لكن فرض السهو وما يلحق به من اعتقاد الرفع خارج عن إطلاق موثّقة غياث جزماً ، للقطع الخارجي بجواز العود حينئذ ، وقد تسالم عليه الفقهاء ، ومن هنا اختلفوا في وجوبه أو استحبابه ، الكاشف عن المفروغية عن الجواز والمشروعية من غير نكير .
ويؤيّد القطع المزبور موثّقة ابن فضال قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا
ــ[237]ــ
(عليه السلام) : في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ، ثمّ أعاد الركوع مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة ؟ فكتب (عليه السلام) : تتمّ صلاته ولا تفسد صلاته بما صنع»(1) إذ قد تضمّنت صريحاً جواز العود في مورد الظنّ والاعتقاد بالخصوص .
وموردها وإن كان ركوع المأموم قبل ركوع الإمام ، على عكس ما هو المذكور في تلك النصوص من رفع رأسه عن الركوع قبل الإمام ، إلاّ أنّ الظاهر بل لا ينبغي الشكّ في عدم الفرق في حكم المسألة بين الصورتين كما لا يخفى .
وعلى الجملة : فالقطع الخارجي المؤيّد بهذه الموثّقة يوجب التخصيص في عموم موثّقة غياث ، فيختص موردها بصورة العمد لا محالة(2) .
وعليه فتنقلب النسبة بين الموثّقة وبين الروايات المتقدّمة الآمرة بالعود من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فتخصّص موثّقة غياث تلك النصوص وتوجب حملها على ما عدا صورة العمد . وقد ذكرنا في محلّه أنّ انقلاب النسبة أمر لا مناص من الالتزام به ، فانّ المدار في ملاحظة النسبة ليس على مجرّد الظهورات ، بل بما يكون حجّة منها ، والعام بعد ورود التخصيص عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 391 / أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4 .
(2) هذا مع أنّه من تنزيل المطلق على الفرد النادر كما لا يخفى ، مبنىّ على أن يكون السؤال عن الجواز ، ليكون الجواب ظاهراً في النهي دون الوجوب ، وهو قابل للمنع ، كيف والجواز في صورة السهو وما يلحقه من اعتقاد الرفع مقطوع به كما أفاده (دام ظله) فلا موقع للسؤال ، ومعه لا موضوع للقطع المزبور .
وإن شئت فقل : المحافظة على أصالة الإطلاق وعلى ظهور النهي في الإلزام متعذّر ، فنعلم إجمالا بلزوم رفع اليد عن أحد الظهورين ، ولا مرجح في البين .
إلاّ أن يقال : إنّ بناءهم في أمثال هذه الموارد على ترجيح الثاني . ألا ترى أنّه إذا ورد لا تكرم العلماء ، وعلمنا من الخارج جواز إكرام عدولهم ، فانّه لا يحمل النهي حينئذ على نفي الوجوب ، بل يخصّص العموم ، فتدبّر جيّداً .
ــ[238]ــ
لكن الأحوط إعادتها بعد الاتمام (1) ، بل لا يترك الاحتياط إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها ، ولو ترك المتابعة حينئذ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا يجب الإعادة وإن كان الرفع قبل الذكر ، هذا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون حجّة إلا في الخاصّ ، فلا تلاحظ النسبة إلاّ معه ، دون العموم وإن كان ظاهراً فيه(1) .
ونتيجة ذلك اختصاص الموثّقة بصورة العمد ، وتلك النصوص بغير العمد من السهو أو الاعتقاد كما ذكره الشيخ (قدس سره) ، وبذلك يرتفع التنافي بين الطائفتين ويختصّ الوجوب بغير العمد كما عليه المشهور ، فلو لم يعد كان آثماً أو بطلت جماعته وانقلبت فرادى على الخلاف المتقدّم(2) من أنّ المتابعة واجب تعبّدي أو شرطي لصحّة الجماعة .
(1) الوجه في هذا الاحتياط إمّا دعوى احتمال كون المتابعة شرطاً في صحّة الصلاة نفسها ، فتبطل لدى عدم العود وترك المتابعة ، وقد عرفت ضعفها ، وأنّه لا دليل على هذا الاشتراط أصلا . ومع الشكّ فهو مدفوع بأصالة البراءة .
أو دعوى أنّ عدم العود موجب للانفراد ، ولا تجوز نيّة الانفراد أثناء الصلاة . وقد عرفت ضعفها أيضاً ، وأنّ المكلّف مخيّر بين الجماعة والفرادى حدوثاً وبقاء . فكما له الخيار من الأوّل فكذا في الأثناء ، وليست الجماعة واجبة في شيء من الحالتين .
أو دعوى أنّ المستفاد من الأمر بالعود في خصوص المقام جزئية الركوع أو السجود المعادين ، فالركوع المعاد لأجل التبعية واجب بالوجوب الضمني لكون الأمر إرشاداً إلى الجزئية ، فكأنّ هذه الركعة تمتاز عن بقيّة الركعات في كونها ذات ركوعين أو ذات ثلاث سجدات ، وعليه فلو لم يعد فقد ترك جزءاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 386 ، 401 .
(2) في المسألة السابقة .
ــ[239]ــ
من الركعة ، ولم يأت بها على وجهها ، فتجب إعادة الصلاة .
وفيه : أنّ الأمر بالعود غير ظاهر فيما ذكر ، بل ظاهره الوجوب الشرطي كما سبق ، وأنّ الشرط في صحّة الجماعة هو العود رعاية للمتابعة ، فلو لم يعد فقد أخلّ بشرط الجماعة لا أنّه ترك جزءاً ، فغايته انقلاب الصلاة فرادى . فلا موجب للإعادة .
وبالجملة : فالوجه في الاحتياط المزبور أحد هذه الوجوه الثلاثة . وفي الكلّ ما لا يخفى .
نعم ، يتأكّد الاحتياط بالإعادة فيما إذا رفع رأسه قبل الذكر الواجب ولم يتابع مع الفرصة لها ، ولذا ذكر في المتن قوله : بل لا يترك الاحتياط إذا رفع . . . إلخ . والوجه فيه ظاهر ، إذ قد أخلّ بالذكر الواجب مع إمكان التدارك بالعود إلى الركوع تبعاً وإتيانه فيه ، فلو لم يعد فقد ترك جزءاً من أجزاء الصلاة عامداً ، فتلزمه الإعادة .
ولكنّه يندفع بعدم إمكان التدارك ، إذ ليس الذكر واجباً في كلّ ركوع أو سجود ليمكن التدارك ، بل في خصوص ما يكون جزءاً من الصلاة ، وهو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات . فالركوع الصلاتي المعدود من أجزائها إنّما هو الركوع الأوّل ، ولا يجب الذكر إلاّ فيه ، وقد ترك حسب الفرض ، ولا يمكن التدارك ، لامتناع إعادة المعدوم . والركوع الثاني واجب شرطي لصحّة الجماعة ، وليس من الركوع الصلاتي في شيء ، فلا يجب فيه الذكر ، بل ليس له أن يأتي به فيه بعنوان الوظيفة المقرّرة وتداركاً لما فات كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّه لو ترك المتابعة حينئذ سهواً أو لزعم عدم الفرصة لا تجب الإعادة ، وإن كان الرفع قبل الذكر كما أشار إليه في المتن، إذ هو في حكم نسيان الذكر ، المحكوم بالصحّة لحديث لاتعاد(1).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 371 / أبواب الوضوء ب 3 ح 8 .
|