ــ[246]ــ
وبعبارة اُخرى : لو كان التقييد بالظنّ مذكوراً في كلام الإمام (عليه السلام) أمكن اختصاص الحكم به ، إذ من الجائز أن تكون للظنّ خصوصية لا نعرفها فلا يمكن التعدّي حينئذ إلى السهو ، لكنّه مذكور في كلام السائل ، ومن المقطوع به بمقتضى الفهم العرفي عدم تعلّق العناية به بالخصوص ، وإنّما غرضه من السؤال الاستعلام عمّا إذا ركع المأموم قبل الإمام ركوعاً لا يكون عامداً فيه بطبيعة الحال ، بل يكون عادة من جهة العذر . فذكر الظنّ مثالا للعذر من دون خصوصية فيه ، ومثاله الآخر السهو ، فكأنّ السؤال عن مطلق المعذورية في مقابل العمد ، فيرد الجواب على هذا المطلق .
وبالجملة : فلا ينبغي الإشكال في شمول الحكم للظنّ والسهو ، كشموله للركوع والسجود ، وأنّ الموثّق يدلّ على التعميم من كلتا الجهتين بالتقريب المتقدّم .
ثمّ إنّ الموثّق لا يدلّ إلاّ على أصل الجواز ومشروعية العود والمتابعة كما ذكرنا ، لدلالته على إمضاء ما فعله المأموم المذكور في السؤال ، وأنّ صلاته لا تفسد بذلك ، وأمّا أنّه واجب أم لا فلا تعرّض فيه من هذه الناحية ، فيبتني الوجوب على البحث المتقدّم في المتابعة من أنّها واجب تعبّدي أو شرطي للصلاة أو للجماعة ، وكلّ على مبناه .
وحيث إنّ المختار هو الأخير ـ كما مرّ ـ فلا تجب ، بل غايته بطلان الجماعة لو لم يتابع ، فتصح صلاته فرادى ولا إثم عليه ، خلافاً للمتن حيث التزم بالإثم بناءً على مسلكه من الوجوب التعبّدي .
هذا من ناحية المتابعة ، وأمّا من ناحية القراءة فان كان الركوع السهوي بعد استكمال الإمام للقراءة أو فراغ المأموم عن التسبيحة في الأخيرتين فلا إشكال في الصحّة كما هو واضح ، وأمّا إذا كان في الأثناء أو قبل الشروع فقد احتاط في المتن بالإعادة لو ترك المتابعة ، والوجه في الاحتياط أنّه قد ترك القراءة ولم يأت لا بها ولا ببدلها ـ أعني قراءة الإمام ـ مع إمكانه التدارك بالعود
ــ[247]ــ
فعدم المتابعة يوجب الإخلال بالقراءة عامداً ، فتبطل صلاته بذلك .
ويندفع : بعدم إمكان التدارك ، فانّ القراءة وإن كانت واجبة لكنّها لا تجب مطلقاً ، بل في ظرفها ومحلّها المقرّر لها شرعاً ، وهو قبل الركوع . ومن هنا ذكرنا سابقاً(1) أنّه لو نسي القراءة في الأولتين لا تتعيّن عليه في الأخيرتين تمسّكاً بقوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) ، بل التخيير بينها وبين التسبيح الثابت في الأخيرتين باق على حاله .
فانّ الحديث لا يدلّ على وجوب الفاتحة في أىّ مورد كان ، بل في موطنها الخاص ، فهو كقولنا : لا صلاة إلاّ بالتشهّد ، لا يدلّ إلاّ على الوجوب في المحلّ المعهود الذي عيّنه الشارع وقرّره .
وبما أنّ الركوع قد تحقّق في المقام ولو سهواً فقد فات محلّ القراءة ، ولا يمكن التدارك بعدئذ حتّى بالعود والإتيان بالركوع الثاني متابعة ، فانّ هذا الركوع وإن كان جزءاً من الصلاة كالركوع الأصلي ـ كما سبق(3) ـ لكن المحلّ الشرعي المقرّر للقراءة الصلاتية إنّما هو ما قبل الركوع على نحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات .
وبعبارة اُخرى : الركوع متابعة وإن كان جزءاً لكنّه جزء من صلاة الجماعة التي هي عدل للواجب التخييري في حالة خاصّة ، والركوع الأصلي جزء من طبيعي الصلاة الجامع بينها وبين الفرادى على ما بيناه سابقاً ، والمحلّ الشرعي للقراءة هو ما قبل الركوع الذي هو جزء من طبيعي الصلاة المنطبق على الوجود الأوّل ، وقد فات هذا المحلّ بالإتيان بذات الركوع المحكوم بالصحّة في نفسه حسب الفرض ، فلا يمكن التدارك ، لامتناع إعادة المعدوم ، فلو عاد وأتى بالقراءة فليست هي من القراءة الصلاتية لتكون تداركاً لما فات .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 14 : 454 .
(2) المستدرك 4 : 158 / أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5 ، راجع ص 18 ، الهامش (1) .
(3) في المسألة السابقة .
ــ[248]ــ
[1935] مسألة 13 : لا يجب تأخّر المأموم أو مقارنته مع الإمام في الأقوال فلا تجب فيها المتابعة سواء الواجب منها والمندوب ، والمسموع منها من الإمام وغير المسموع ، وإن كان الأحوط التأخّر خصوصاً مع السماع وخصوصاً في التسليم ، وعلى أىّ حال لو تعمّد فسلّم قبل الإمام لم تبطل صلاته ، ولو كان سهواً لا يجب إعادته بعد تسليم الإمام ، هذا كلّه في غير تكبيرة الإحرام ، وأمّا فيها فلا يجوز التقدّم على الإمام ، بل الأحوط تأخّره عنه بمعنى أن لا يشرع فيها إلاّ بعد فراغ الإمام منها ، وإن كان في وجوبه تأمّل (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعليه فبما أنّ القراءة المتروكة قد تركت سهواً ـ كما هو المفروض ـ فهي مشمولة لحديث لا تعاد ، فلا تبطل الصلاة من أجلها . فالاحتياط المذكور في المتن بالإعادة ضعيف .
ومن هذا البيان يظهر ضعف الاحتياط الآخر الذي ذكره الماتن من الإتيان بالذكر في كلّ من الركوعين أو السجودين الأصلي والمتابعتي ، فانّ موطن الذكر الواجب ومحلّه الشرعي إنّما هو صرف وجود الركوع أو السجود المنطبق على أوّل الوجودات ، فلا يجب الذكر إلاّ في الأصلي منهما المعدود من أجزاء طبيعي الصلاة ، وقد فات ذاك المحلّ برفع الرأس عنهما ، ولا دليل على وجوبه في التبعي منهما ، بل لو أتى بالذكر فيهما لم يكن تداركاً لما فات كما لا يخفى .
(1) يقع الكلام تارة في تكبيرة الإحرام ، واُخرى في التسليمة ، وثالثة في غيرهما من سائر الأقوال والأذكار .
أمّا في تكبيرة الإحرام : فلا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز التقدّم فيها على الإمام ، لمنافاته مع مفهوم القدوة والائتمام ، فانّ الاقتداء يتقوّم بوجود من يقتدى به ويمتنع تحقّقه بدونه ، ومع السبق لا إمام بعدُ كي يؤتمّ به ، إذ لا يعقل الائتمام من غير إمام ، وهذا ظاهر .
وتؤيّده جملة من الأخبار :
ــ[249]ــ
منها : النبوي المتقدّم : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا . . .»(1) إلخ ، دلّ بمقتضى التفريع على تأخّر التكبير عن تكبير الإمام ، فلا يجوز التقدّم عليه . لكنّه ضعيف السند ، وإن كان مضمونه موافقاً للارتكاز . فلا يصلح إلاّ للتأييد .
ومنها : رواية علي بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد : «عن الرجل يصلّي له أن يكبر قبل الإمام ؟ قال : لا يكبّر إلاّ مع الإمام ، فان كبّر قبله أعاد التكبير»(2) .
وقد تقدّمت هذه الرواية سابقاً(3) وقلنا : إن صاحب الوسائل ذكرها في أبواب صلاة الجنازة ، وذكر أنّ الحميري أيضاً أوردها في باب صلاة الجنازة وأنّه يظهر(4) منه أنّه كان كذلك في كتاب علي بن جعفر أيضاً . وعليه فالرواية مربوطة بذاك الباب وأجنبية عن المقام .
مضافاً إلى قصور دلالتها في نفسها على المقام ، إذ لم يصرّح فيها بتكبيرة الإحرام ، فمن الجائز إرادة التكبيرات المستحبّة أو التكبيرات الخمس في صلاة الجنازة ، بل لا يمكن تطبيقه على تكبيرة الإحرام ، لأنّه لو كبّر قبل الإمام فان لم يعدها وائتم بقاءً مع الإمام بعد ما كبّر كان ذلك من الاقتداء في الأثناء ، وهو غير مشروع كما سبق . وإن أعادها بطلت صلاته بذلك كما لا يخفى ، فكيف أمر (عليه السلام) بالإعادة بقوله : «فان كبّر قبله أعاد التكبير» ؟
والحاصل : أنّ حملها على التكبيرات في صلاة الأموات لا محذور فيه ، لعدم المانع عن الإعادة التي اُمر بها لو كبّر قبل الإمام ، بخلاف ما نحن فيه ، للزوم المحذور كما عرفت . فهذا يؤيّد ما ذكرناه من كونها أجنبية عن المقام ، هذا . مع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك 6 : 492 / أبواب صلاة الجماعة ب 39 ذيل ح 2 ، 1 وقد تقدّم في ص 224 .
(2) الوسائل 3 : 101 / أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1 ، قرب الإسناد : 218 / 854 .
(3) في ص 226 .
(4) [سقط قول صاحب الوسائل هذا من الطبعة الجديدة] .
ــ[250]ــ
أنّ الرواية ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن كما أشرنا إليه سابقاً .
ومنها : ما استند إليه في الجواهر(1) من خبر أبي سعيد الخدري المروي عن المجالس مسنداً إليه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) «قال : إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها ، وسوّوا الفرج ، وإذا قال إمامكم : الله أكبر فقولوا : الله أكبر»(2) .
قال صاحب الوسائل عند ذكر الخبر : باسناد تقدم في إسباغ الوضوء عن أبي سعيد الخدري . والسند مذكور في أبواب الوضوء(3) وهو ضعيف جدّاً لاشتماله على جمع من الضعفاء والمجاهيل ، فلا يصلح الخبر إلاّ للتأييد ، وإن كانت الدلالة تامّة .
فالعمدة في المنع عن التقدّم ما ذكرناه من المنافاة لمفهوم الائتمام كما عرفت .
وهل يجب التأخّر بمعنى أن لا يشرع فيها إلاّ بعد فراغ الإمام منها ، أو يجوز الشروع في الأثناء وقبل أن يفرغ ؟ ذكر في المتن أنّ الأحوط الأوّل وإن كان في وجوبه تأمّل .
ويستدلّ للوجوب تارة : بالنبوىّ المتقدّم ، فانّ قوله (عليه السلام) : «فاذا كبّر فكبّروا» ظاهر في أنّ الشرط صدور التكبير عن الإمام وتحقّقه خارجاً المتوقّف على فراغه وانتهائه عنه ، وبعدئذ يشرع المأموم في التكبير .
واُخرى : بخبر أبي سعيد الخدرىّ المتقدّم آنفاً ، المتّحد مضمونه مع النبوي .
وفيه : أنّ ضعف سنديهما مانع عن الاستدلال ، فلا يمكن التعويل عليهما وإن كانت الدلالة تامّة .
وثالثة : بما ذكره في الجواهر من عدم صدق الاقتداء بالمصلّي ما لم يفرغ الإمام عن التكبير ، فانّه بمجرّد الشروع فيه وإن صدق عليه أنّه شرع في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 13 : 207 .
(2) الوسائل 8 : 423 / أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 6 ، أمالي الصدوق : 400 / 516 .
(3) الوسائل 1 : 488 / أبواب الوضوء ب 54 ح 3 .
ــ[251]ــ
الصلاة باعتبار أنّ جزء الجزء جزء ، لكن لا يصدق عليه عرفاً عنوان المصلّي قبل استكماله التكبير ، ومعه لا يتحقّق الاقتداء بالمصلّي ، الذي تدور مداره صحّة الجماعة على ما يستفاد من الأدلّة . وعلى تقدير تسليم الصدق فلا أقلّ من عدم انصراف الإطلاق إليه(1) .
وفيه : مع تسليم ما ذكر أنّا لم نجد في شيء من الأدلّة ما يدلّ على اعتبار الاقتداء بالمصلّي كي يمنع في المقام عن الصدق أو يدّعى الانصراف ، وإنّما الوارد فيها الاقتداء بالشخص حال الصلاة على ما يستفاد من مثل قوله : صلّ خلف من تثق بدينه(2) فلا يعتبر في الصحّة إلاّ حصول الاقتداء به في الصلاة ، لا صدق اسم المصلّي عليه وتلبّسه بهذا العنوان ، ولا شكّ في صدق الاقتداء به فيها وإن شرع في التكبير قبل فراغ الإمام ، إذ يصحّ حينئذ أن يقال : إنّه صلّى خلف من يثق بدينه .
وعليه فالأقوى جواز ذلك ، فلا يجب تأخّر الشروع عن الفراغ .
وهل تجوز المقارنة الحقيقية ، أو يجب التأخّر في الشروع ولو بمقدار همزة الله أكبر ؟ الظاهر هو الأوّل ، لتحقّق المتابعة بمجرّد المقارنة وارتباط صلاته بصلاة الإمام . وقد عرفت عدم اعتبار اتّصافه بعنوان المصلّي قبل الاقتداء ، بل يكفي صدق الاقتداء خلف من يوثق بدينه وأمانته حال الصلاة ، وهو حاصل في المقام ، من غير فرق بين الابتداء والأثناء .
لكنّ هذا البحث قليل الجدوى ، إذ لا يمكن إحراز المقارنة الحقيقية غالباً لو لم يكن دائماً ، بل إمّا أن يتقدّم أو يتأخّر ، فيبطل على الأوّل كما مرّ ، ولا مقارنة على الثاني .
وعلى الجملة : لا مناص من التأخّر شيئاً ما من باب المقدمة العلميّة حذراً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 13 : 207 .
(2) راجع ص 50 ، الهامش رقم (3) .
ــ[252]ــ
عن التقدّم ، ومعه تنتفي المقارنة الحقيقية . فهذا البحث قليل الجدوى كما ذكرنا وإن كان على تقدير الاتّفاق محكوماً بالصحّة .
ثم على تقدير المقارنة الحقيقية أو الشروع بعد شروع الإمام شيئاً ما فهل يجوز الفراغ قبل فراغه أم لابدّ من التأخّر ، فلا يجوز التقدّم ختاماً كما لا يجوز شروعاً ؟
قد يقال بالأول ، نظراً إلى أنّ المدار في صدق المتابعة على الشروع ، فيكفي في التأخّر التأخّر في الشروع أو عدم التقدّم فيه على الخلاف ، فلا يلزم التأخّر في الفراغ .
لكنّ الأقوى هو الثاني ، فانّ التكبير وإن كان مؤلّفاً من عدة حروف ، إلاّ أنّ المجموع يعدّ في نظر الشارع جزءاً واحداً مستقلا به يتحقّق الافتتاح في الصلاة فلو تقدّم المأموم في الفراغ كان افتتاحه قبل افتتاح الإمام لا محالة ، وهو بمثابة الشروع قبل شروع الإمام في ملاك المنع ، أعني الاقتداء من غير من يقتدي به .
وبالجملة : ما لم يفرغ الإمام عن التكبيرة ولم يستتمّها كأنّه لم يدخل بعدُ في الصلاة ولم يفتتحها ، إذ محقّق الافتتاح هو مجموع الأجزاء كما عرفت ، فتقدّم المأموم في الفراغ في حكم الدخول في الصلاة قبل الإمام ، غير الجائز بلا إشكال كما مرّ .
ثمّ إنّك قد عرفت فيما مرّ(1) عدم جواز التأخّر الفاحش في الأفعال ، فهل الحال كذلك في تكبيرة الإحرام أيضاً ؟ احتمل بعضهم بل استظهر عدم الجواز بدعوى أنّه المستفاد من النبوىّ المتقدّم «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به ، فاذا كبّر فكبّروا . . .» الخ ، باعتبار أنّ الإمامة للإمام تتحقّق من أوّل الأمر وحينما يكبّر ، فمادلّ على وجوب المتابعة في الأفعال وعدم التخلّف الفاحش يجري في التكبير أيضاً ، فكما أنّ الركوع والسجود يجب أن يكون متّصلا بركوع الإمام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 223 .
ــ[253]ــ
وسجوده فكذا التكبير ، اللّهمّ إلاّ أن يقوم إجماع على خلافه وأنّ التكبير يفترق عن غيره ، فان تحقّق إجماع وإلاّ فمقتضى القاعدة وجوب المتابعة ، وعدم التأخّر الفاحش في التكبير كغيره .
وفيه أوّلا : أنّ النبوىّ ضعيف السند كما مرّ ، وغير منجبر بعمل المشهور أو فتوى جمع معتنى به أو جماعة ولو قليلين ، إذ لم ينقل عن أحد اعتبار المتابعة في التكبير وعدم التأخّر الفاحش . فلا يمكن الاستدلال بالنبوي حتّى بناءً على القول بالانجبار .
وثانياً : أنّ قوله (عليه السلام) : «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به» ليس معناه أنّ وصف الإمامة مجعول للإمام من أوّل الأمر ، كيف وهذا الوصف منتزع من ائتمام المأموم خارجاً ، فانّ هذين العنوانين ـ أعني الإمامة والمأمومية ـ من المتضايفين اللذين هما متكافئان قوة وفعلية ، كالاُبوّة والبنوّة والاُخوّة ، فلا يعقل التفكيك ، ولا يمكن وجود أحدهما من دون الآخر ، فلا يتصوّر اتّصاف أحد بالإمامة قبل الاقتداء والائتمام الخارجي من المأموم . فهما غير قابلين للانفكاك .
بل المراد أنّه بعدما اتّصف الإمام بالإمامة ، المنتزع من اقتداء المأموم به ففائدته متابعته إيّاه وائتمامه به في الأفعال ، وحينئذ فاذا كبّر المأموم بعد الإمام الموجب لاتّصاف الإمام بالإمامة لزمه المتابعة في الأفعال تعبدياً أو شرطياً على الخلاف المتقدّم ، وأمّا إذا لم يكبّر المأموم ولم يدخل بعدُ في الصلاة فلا موضوع للجماعة ، إذ لا إمام ولا مأموم بعدُ حتّى يقال بوجوب المتابعة في التكبير تعبّدياً أو شرطياً .
ضرورة أنّ التكبير أوّل أفعال الصلاة ، وما لم يتحقّق لا موضوع لوجوب المتابعة . فلا معنى للقول بأنّه هل يجوز التخلّف الفاحش في التكبير أم لا ، بل هو جائز دائماً وإلى الأخير ، لكونه مخيّراً بين اختيار الجماعة والفرادى ، فله الاقتداء عند أىّ جزء شاء ، فلا يقاس التكبير الذي هو أوّل أفعال الصلاة
ــ[254]ــ
بغيره من سائر الأفعال ، لاختلاف المناط بينهما كما هو أظهر من أن يخفى .
|