ملاقي الشبهة المحصورة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9167


    حكم ملاقي الشبهة المحصورة

   (1) لا يمكن الحكم بنجاسة كل واحد من الأطراف في موارد العلم بنجاسة أحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا كانت الملاقاة بعد العلم الاجمالي ، وإلاّ وجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً على تفصيل ذكرناه في محلّه .

ــ[348]ــ

شيئين أو أشياء ، لعدم احراز نجاسته واقعاً لفرض الجهل به ، ولا بحسب الظاهر لعدم ثبوتها بأمارة ولا أصل فالحكم بنجاسة كل واحد منهما تشريع محرم . نعم ، إنما نحتمل نجاسته ، لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الأطراف ، إلاّ أنه محض احتمال ، فاذا كان هذا حال كل واحد من الأطراف فما ظنك بما يلاقي أحدها ، فان الحكم بنجاسته من التشريع المحرم . فاذا وقع في كلام فقيه ـ كالمتن ـ أن ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة فليس معناه أن أطراف الشبهة محكومة بالنجاسة دون ملاقي بعضها كما قد يوهمه ظاهر العبارة في بدء النظر ، بل معناه أن الملاقي لا يجب الاجتناب عنه ويجوز استعماله فيما هو مشروط بالطهارة بخلاف نفس الأطراف وإن شئت قلت : إن ملاقي الشبهة يحكم بطهارته دون أطرافها ، وفي الاستدراك بكلمة «لكن» أيضاً اشعار بما بيّناه من المراد وإلاّ فلا معنى لكون الاجتناب أحوط .

    ثم انّ صور المسألة خمس :

   الصورة الاُولى : ما إذا حصلت الملاقاة بعد حدوث العلم الاجمالي بالنجاسة ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الاناءين مثلاً ، وبعد ما تنجز الحكم وسقطت الاُصول فيهما بالمعارضة لاقى أحدَهما شيء ثالث فهل يحكم بطهارة الملاقي حينئذ للشك في نجاسته أو يجب الاجتناب عنه كالملاقى ؟

   الصحيح أن يفصّل في هذه الصورة بين ما إذا لم يختص أحد الأطراف بأصل غير معارض فنلتزم فيه بطهارة الملاقي وبين ما إذا كان لبعض الأطراف أصل كذلك فنلتزم فيه بوجوب الاجتناب عنه .

   وتوضيحه : أن لهذه الصورة شقين لأن الاُصول في أطراف العلم الاجمالي قد تكون متعارضة بأجمعها سببية كانت أم مسببية ، موضوعية أم حكمية ، عرضية أم طولية كما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين ، لأن استصحاب عدم ملاقاة النجس في كل واحد منهما ـ  وهو أصل موضوعي وفي مرتبة سابقة على غيرها من الاُصول  ـ معارض باستصحاب عدم الملاقاة في الآخر وهما أصلان عرضيان ، وكذا الحال في استصحاب الطهارة في كل واحد منهما ـ  وهما أصلان حكميان  ـ ثم في المرتبة الثانية قاعدة الطهارة

ــ[349]ــ

في كل منهما تعارضها قاعدة الطهارة في الآخر وهي أصل سببي ، وفي المرتبة الثالثة تتعارض أصالة الاباحة في أحدهما بأصالة الإباحة في الآخر ، وعلى الجملة لا يمكن الرجوع في هذه الصورة إلى شيء من تلك الاُصول .

   وقد يختص أحد أطرافه بأصل غير معارض بشيء ، وهذا كما إذا علمنا بنجاسة هذا الماء أو ذاك الثوب ، فان استصحاب عدم ملاقاة النجاسة في أحدهما معارض باستصحاب عدمها في الآخر ، كما أن قاعدة الطهارة كذلك ، إلاّ أن الماء يختص بأصل آخر لا معارض له في طرف الثوب، وهو أصالة الاباحة المقتضية لحلّية شربه، وحيث إنها غير معارضة بأصل آخر فلا مانع من جريانها ، وذلك لما ذكرناه في محله من أن تنجز الحكم في أطراف العلم الاجمالي غير مستند إلى نفسه وإنما هو مستند إلى تعارض الاُصول في أطرافه وتساقطها ، فان احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد من الأطراف حينئذ من غير مؤمّن عبارة اُخرى عن تنجز الواقع بحيث يترتب العقاب على مخالفته ، وأمّا إذا جرى في أحد أطرافه أصل غير معارض فلا يكون العلم الاجمالي منجزاً فان الأصل مؤمّن من احتمال العقاب على تقدير مصادفته الواقع وبما أنه غير معارض فلا مانع من جريانه لعدم العلم التفصيلي ولا العلم الاجمالي في مورده . وقد ذكرنا في محله أن الأصل الجاري في كل من الطرفين إذا كان مسانخاً للأصل الجاري في الآخر واختص أحدهما بأصل طولي غير معارض بشيء لا مانع من شمول دليل ذلك الأصل الطولي للطرف المختص به بعد تساقط الأصلين العرضيين بالمعارضة فنقول :

   أمّا الشق الأوّل : فملاقي أحد أطراف الشبهة محكوم بالطهارة فيه وذلك لقاعدة الطهارة واستصحاب عدم ملاقاته النجس ، فانّهما في الملاقي غير متعارضين بشيء لأنه على تقدير نجاسته يكون فرداً آخر من النجس غير الملاقى ، واستناد نجاسته إليه لا يقتضي أن تكون نجاسته هي بعينها نجاسة الملاقى الذي هو طرف للعلم الاجمالي لأن النجاسة كالطهارة ، فكما إذا طهّرنا متنجساً بالماء نحكم بطهارته كما كنّا نحكم بطهارة الماء ، فكل واحد من الماء والمغسول به فرد من الطاهر باستقلاله ، إذ ليست طهارة الثوب بعينها طهارة الماء وإن كانت ناشئة منها ، فكذلك الحال في نجاسة الملاقي

ــ[350]ــ

الناشئة من نجاسة الملاقى ، وحيث إنّا نشك في حدوث فرد آخر من النجس ، ولا علم بحدوثه لاحتمال طهارة الملاقى واقعاً فالأصل يقتضي عدمه .

   ودعوى : أن هناك علماً إجمالياً آخر ، وهو العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ومقتضاه الحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقي كالملاقى .

   مدفوعة : بأن العلم الاجمالي وإن كان ثابتاً كما ذكر إلاّ أن العلم الاجمالي بنفسه قاصر عن تنجيز الحكم في جميع أطرافه ، بل التنجيز مستند إلى تساقط الاُصول في أطراف العلم الاجمالي بالمعارضة ، وعليه فلا يترتب أثر على هذا العلم الاجمالي الأخير ، لأن الحكم قد تنجز في الطرف الآخر بالعلم الاجمالي السابق ونحتمل انطباق النجاسة المعلومة بالاجمال عليه ، والمتنجز لا يتنجز ثانياً ، فيبقى الأصل في الملاقي غير مبتلى بالمعارض فلا مانع من جريان قاعدة الطهارة أو استصحاب عدم ملاقاة النجس فيه .

   وأمّا الشق الثاني : فلا مناص فيه من الاجتناب عن الملاقي كالملاقى ، وذلك لأن استصحاب عدم الملاقاة في الماء أو قاعدة الطهارة فيه وإن كان معارضاً بمثله في الثوب فيتساقطان بالمعارضة وتبقى أصالة الحلية في الماء لجواز شربه سليمة عن المعارض إلاّ أن الثوب إذا لاقاه شيء ثالث يتشكل من ذلك علم اجمالي آخر ، وهو العلم بنجاسة الملاقي للثوب أو بحرمة شرب الماء ، فالأصل الجاري في الماء يعارضه الأصل الجاري في ملاقي الثوب ، للعلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وبذلك يتنجز الحكم في الأطراف فيجب الاجتناب عن ملاقي الثوب كما يجب الاجتناب عن الماء .

    الصورة الثانية : ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها قبل حدوث العلم الاجمالي ، كما إذا علمنا بملاقاة شيء لأحد الماءين في زمان وبعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما إجمالاً فهل يجب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة ؟

   قد اختلفت كلمات الأعلام في المقام فذهب صاحب الكفاية (قدس سره) (1) إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي حينئذ من جهة أن العلم الاجمالي قد تعلق بنجاسة هذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 363 .

ــ[351]ــ

الطرف أو بنجاسة الملاقى والملاقي معاً ، فأحد طرفي العلم واحد والطرف الآخر اثنان لتقدم الملاقاة والعلم بها على حدوث العلم الاجمالي . وهو نظير العلم الاجمالي بنجاسة هذا الاناء الكبير أو ذينك الاناءين الصغيرين ، أو العلم بفوات صلاة الفجر أو بفوات صلاتي الظهرين بعد خروج وقتها ، فان قاعدة الحيلولة كما لا تجري بالاضافة إلى صلاة الظهر ، لمعارضتها بمثلها بالاضافة إلى صلاة الفجر كذلك لا تجري بالنسبة إلى صلاة العصر ، لتعارضها بمثلها بالاضافة إلى صلاة الفجر . وعلى الجملة : وحدة أحد طرفي العلم الاجمالي وتعدد الآخر لا يمنع عن تنجز الحكم في الجميع .

   وقد تنظّر في ذلك شيخنا الاُستاذ (1) تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدس سرهما) (2) وذهبا إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة أيضاً . وذلك من جهة أن العلم الاجمالي وإن كان حاصلاً بوجوب الاجتناب عن هذا الماء أو الماء الآخر وملاقيه ، إلاّ أن الشك في نجاسة الملاقي مسبب عن الشك في نجاسة الملاقى ، والأصل الجاري في السبب متقدم بحسب المرتبة على الأصل الجاري في المسبب ، وبما أن الأصل السببي الجاري في الملاقى في المرتبة السابقة مبتلى بالمعارض أعني الأصل الجاري في الطرف الآخر فيتساقطان ويبقى الأصل في المسبب سليماً عن المعـارض وأمّا العلم الاجمالي الآخر المتعلق بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر فقد عرفت الجواب عنه في الصورة الاُولى فلا نعيد .

   ومما ذكرناه يظهر فساد قياس المقام بالعلم الاجمالي بفوات صلاة الفجر أو الظهرين أو بنجاسة الاناء الكبير أو الاناءين الصغيرين ، فان الشك في إحدى صلاتي الظهرين أو الاناءين الصغيرين غير مسبب عن الشك في الآخر بل كلاهما في عرض واحد وطرف للعلم الاجمالي في مرتبة واحدة ، وهذا بخلاف المقام لأن الشك في الملاقي مسبب عن الشك في الملاقى ، والأصلان الجاريان فيهما طوليان فاذا سقط الأصل المتقدم بالمعارضة فلا محالة يبقى الأصل المسببي سليماً عن المعارض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 2 : 263 .

(2) فرائد الاُصول 2 : 425 .

ــ[352]ــ

   هذا ولكن الظاهر أنه لا يمكن تتميم شيء من هذين القولين على إطلاقهما ، لأن لهذه الصورة أيضاً شقين :

   أحدهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها متقدماً عليهما ، كما إذا علمنا بحدوث الملاقاة يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين يوم الأربعاء فالكاشف ـ  وهو العلم الاجمالي  ـ وإن كان متأخراً عن الملاقاة والعلم بها إلاّ أن المنكشف متقدم عليهما .

   وثانيهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي المتأخر عن الملاقاة وعن العلم بها مقارناً معهما ، وهذا كما إذا علمنا بوقوع ثوب في أحد الاناءين يوم الخميس وفي يوم الجمعة حصل العلم الاجمالي بوقوع قطرة دم على أحد الاناءين حين وقوع الثوب في أحدهما .

   أمّا الشق الأول : فالحق فيه هو ما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) من عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي ، وهذا لا من جهة تقدم الأصل الجاري في الملاقى على الأصل في الملاقي رتبة ، فان ذلك لا يستقيم من جهة أن أدلّة اعتبار الاُصول إنما هي ناظرة إلى الأعمال الخارجية ومتكفلة لبيان أحكامها ، ومن هنا سميت بالاُصول العملية ، وغير ناظرة إلى أحكام الرتبة بوجه ، ومع فعلية الشك في كل واحد من الملاقي والملاقى لا وجه لاختصاص المعارضة بالأصل السببي بعد تساوي نسبة العلم الاجمالي إليه وإلى الأصل المسببي .

   نعم ، التقدم الرتبي إنما يجدي على تقدير جريان الأصل في السبب بمعنى أن الأصل السببي على تقدير جريانه لا يبقي مجالاً لجريان الأصل المسببي ، وأمّا على تقدير عدم جريانه فهو والأصل المسببي على حد سواء . بيان ذلك : أن الأصل السببي إنما يرفع موضوع الأصل الجاري في المسبب فيما إذا كانت بينهما معارضة ، والمعارضة في المقام غير واقعة بين الأصل السببي والمسببي ، وإنما المعارضة بين كل من الأصل الجاري في السبب والمسبب وبين الأصل الجاري في الطرف الآخر ، ومن الظاهر أن نسبة العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر على حد سواء بالاضافة إلى الجميع وليست فيها سببية ولا مسببية . نعم ، الشك في الملاقي مسبب عن الشك في الملاقى .

ــ[353]ــ

   وبعبارة اُخرى أحد طرفي العلم مركب من أمرين يكون الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر ، والأصل الجاري فيه متأخر عن الأصل الجاري في الآخر . وأمّا بالاضافة إلى الأصل الجاري في الطرف الآخر للعلم الاجمالي فلا تأخر ولا تقدم في البين ، وعليه فمقتضى العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الجميع .

   ودعوى : أن الأصل الجاري في الملاقي كما أنه متأخر عن الأصل في الملاقى كذلك متأخر عن الأصل في الطرف الآخر ، وذلك لتساوي الملاقى مع الطرف الآخر رتبة والمتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن الآخر أيضاً .

   تندفع : بأنها دعوى جزافية . إذ لا بدّ في التقدم والتأخر من ملاك يوجبه كأن يكون أحدهما علة والآخر معلولاً له وهذا إنما هو بين الملاقي والملاقى لا بين الملاقي والطرف الآخر ، حيث لا علّية ولا معلولية بينهما . بل الوجه في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي حينئذ إنما هو تقدم المنكشف بالعلم الاجمالي على الملاقاة والعلم بها ، وإن كان الكاشف وهو العلم متأخراً عنهما ، فان الاعتبار بالمنكشف لا بالكاشف لوجوب ترتيب آثار المنكشف ـ وهو نجاسة أحد الاناءين ـ من زمان حـدوثه فيجب في المثال ترتيب آثار النجاسة المعلومة بالاجمال من يوم الأربعاء لا من زمان الكاشف كما لا يخفى ، وعلى هذا فقد تنجزت النجاسة بين الاناءين والشك في طهارة كل منهما يوم الأربعاء قد سقط الأصل الجاري فيه بالمعارضة في الآخر ، وبقي الشك في حدوث نجاسة اُخرى في الملاقي ، والأصل عدم حدوثها ، ولا معارض لهذا الأصل لما عرفت من أن العلم الاجمالي الثاني المتولد من الملاقاة بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر مما لا أثر له .

   نعم ، التفصيل الذي قدمناه هناك بين ما إذا اختص أحد الأطراف بأصل غير معارض وما إذا لم يختص به ، يأتي في هذه الصورة أيضاً حرفاً بحرف .

   وأمّا الشق الثاني : فالحق فيه هو ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره) من وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضاً ، وذلك لاتحاد زمان حدوث النجاسة بين الاناءين والملاقاة ، فاذا علمنا بطرو نجاسة يوم الخميس إما على الملاقي والملاقى وإما على الطرف الآخر فهو علم إجمالي أحد طرفيه مركب من أمرين ، وطرفه الآخر متحد

ــ[354]ــ

نظير العلم الاجمالي بنجاسة الاناء الكبير أو الاناءين الصغيرين ، أو العلم بفوات صلاة الفجر أو صلاتي الظهرين . وأمّا اختلاف مرتبة الأصل في الملاقي والأصل الجاري في الملاقى فقد عرفت عدم الاعتبار به .

    الصورة الثالثة : ما إذا حصلت الملاقاة قبل حدوث العلم الاجمالي وكان العلم بها متأخراً عن حدوثه ، كما إذا لاقى الثوب أحد الماءين يوم الأربعاء ولكنه لم يعلم بها وحصل العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما إجمالاً يوم الخميس وحصل العلم بالملاقاة يوم الجمعة ، فهل يحكم بطهارة الملاقي في هذه الصورة ؟ فيه خلاف بين الأصحاب ولها أيضاً شقان .

   أحدهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي متقدماً على الملاقاة بحسب الزمان وإن كان الكاشف ـ  أعني العلم الاجمالي  ـ متأخراً عنهما ، كما إذا لاقى الثوب أحد الماءين يوم الأربعاء ، وعلمنا يوم الخميس بطروّ نجاسـة على أحدهما يوم الثلاثاء وحصل العلم بالملاقاة يوم الجمعة .

   وثانيهما : ما إذا كان المنكشف بالعلم الاجمالي متحداً مع الملاقاة زماناً بأن لاقى الثوب أحد الاناءين يوم الخميس ، وعلمنا يوم الجمعة بطروّ نجاسة على أحد الاناءين يوم الخميس ، وحصل العلم بالملاقاة حال طروّ النجاسة يوم السبت .

   أمّا الشق الأوّل : فلا يجب فيه الاجتناب عن الملاقي ، فان النجاسة المرددة قد تنجزت بالعلم الاجمالي المتأخر من حين حدوثها ، وبه تساقطت الاُصول في كل واحد من الاناءين ، فالعلم بالملاقاة بعد ذلك لا يولد إلاّ احتمال حدوث نجاسة جديدة في الملاقي ، والأصل عدم حدوثها .

   وبعبارة اُخرى : لم يتعلّق العلم الاجمالي إلاّ بنجاسة أحد الاناءين ولم يتعلّق بالملاقي بوجه . بل في زمان حدوثه قد يكون الملاقي مقطوع الطهارة ، أو لو كان مشكوك النجاسة كان يجري فيه الاستصحاب ، فالعلم بالملاقاة بعد ذلك لا يترتّب عليه غير احتمال حدوث فرد آخر من النجس والأصل عدمه . والتفصيل الذي قدمناه في الصورة الاُولى بين عدم اختصاص بعض الأطراف بأصل غير معارض

ــ[355]ــ

واختصاصه به جار في المقام أيضاً .

   وأمّا الشق الثاني : فقد يقال بطهارة الملاقي فيه أيضاً ، ويظهر ذلك من بعض كلمات صاحب الكفاية (قدس سره) حيث ذكر أن العبرة بالكاشف دون المنكشف ، وبما أن العلم الاجمالي كان متقدماً على حصول العلم بالملاقاة فقد تنجزت النجاسة بذلك في الطرفين وتساقطت الاُصول قبل حدوث العلم بالملاقاة ، وعليه فلا يترتب على العلم بها إلاّ احتمال حدوث نجاسة جديدة ، والأصل عدمها وبذلك يفرق بين صورتي تقدم العلم بالملاقاة على العلم الاجمالي وتأخره عنه .

   إلاّ أن هذا الكلام بمعزل عن التحقيق ، والسر في ذلك أن أي منجّز عقلي أو شرعي إنما يترتب عليه التنجيز ما دام باقياً ففي زمان حدوثه يترتب عليه التنجيز بحسب الحدوث فقط ، ولا يبقى أثره وهو التنجّز بعد زواله وانعدامه ، وعلى هذا بنينا انحلال العلم الاجمالي ـ بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة المقدسة ـ بالظفر بواسطة الأمارات على جملة من الأحكام لا يقصر عددها عن المقدار المعلوم بالاجمال ، حيث قلنا إن التكليف فيما ظفرنا به من الأحكام متيقن الثبوت ، وفيما عداه مشكوك بالشك البدوي يرجع فيه إلى البراءة ، لارتفاع أثر العلم الاجمالي وهو التنجز بانعدامه .

   وعلى الجملة أن العلم الاجمالي لا يزيد عن العلم التفصيلي بشيء ، فكما إذا علمنا بنجاسة شيء تفصيلاً ثم تبدل إلى الشك الساري يرجع إلى مقتضيات الاُصول ، ولا يمكن أن يقال إن النجاسة متنجزة بحدوث العلم التفصيلي ولا يرتفع أثره بعد ارتفاعه لوضوح أنه إنما يمنع عن جريان الاُصول ما دام باقياً لا مع زواله وانعدامه ، فكذلك العلم الاجمالي لا يترتب عليه أثر بعد انعدامه ، وفي المقام وإن حصل العلم الاجمالي بنجاسة أحد الاناءين ابتداء إلاّ أ نّه يرتفع بعد العلم بالملاقاة المقارنة لحدوث النجاسة ويوجد علم إجمالي آخر متعلق بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر ومقتضى ذلك وجوب الاجتناب عن كل واحد من الملاقي والملاقى .

   هذا تمام الكلام في صور ملاقي الشبهة المحصورة والغالب منها هو الصورة الاُولى وقد مرّ أن الملاقي فيها محكوم بالطهارة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net