وأمّا إذا لم يعلم أنّ الإمام جاهل أو ناس فالأقوى جواز الائتمام حينئذ كما ذكره في المتن ، لاستصحاب عدم سبق علم الإمام بالنجاسة ، فيترتّب عليه صحّة صلاته التي هي الموضوع لجواز الاقتداء به . هذا كلّة في الشبهة الموضوعية .
ولو اختلفا في نجاسة شيء اجتهاداً أو تقليداً كما لو كان الإمام ممّن يرى طهارة الكتابي ، أو العصير العنبي ، أو عرق الجنب من الحرام ، أو عرق الجلاّل ونحو ذلك ، وقد لاقى بدنه أو ثوبه شيئاً من هذه الاُمور ، والمأموم يرى نجاستها ، فالظاهر جواز الاقتداء به وإن كان الإمام أيضاً عالماً بالملاقاة ، فضلا عمّا إذا كان جاهلا أو ناسياً .
فانّ النجاسة الواقعية ـ لو كانت هذه الاُمور نجسة في الواقع كما يراه المأموم ـ غير منجّزة ما لم يعلم بها ، والمفروض جهل الإمام بها لعذر في اجتهاده أو اجتهاد من يقلّده وإن كان عالماً بذات النجس ، فانّ العبرة في العلم والجهل المحكومين بالتنجيز والتعذير تعلّقهما بالنجس بوصف كونه نجساً ، لا بذات ما
ــ[310]ــ
هو نجس ، ولذا لا تجب عليه الإعادة ولا القضاء لو انكشف له الخلاف وتبدّل رأيه .
فحيث إنّ النجاسة حينئذ غير منجّزة ، ولا مانعية في هذه الحالة ، ولأجله كانت الصلاة محكومة بالصحّة الواقعية ، فلا مانع من جواز الاقتداء به ، وإذا كانت الحال كذلك في فرض العلم بالملاقاة فمع النسيان بطريق أولى كما لا يخفى . وأمّا مع الجهل فلا إشكال أصلا ، إذ مع العلم بالنجاسة لا يضر الجهل بالموضوع ، فما ظنّك بالجهل بها كما هو المفروض .
هذا كلّه مع العلم بالاختلاف ، وكذا الحال مع الجهل برأيه والشكّ في أنّه نجس عند الإمام فصلّى فيه جاهلا أو ناسياً ـ وأمّا عالماً فلا يكاد يفرض لمنافاته العدالة كما لا يخفى ـ أم لا ، لأصالة عدم علمه بالنجاسة ، مضافاً إلى أصالة الصحّة الجارية في صلاته . ففي جميع هذه الفروض يحكم بصحّة الاقتداء كما ذكره الماتن(قدس سره) .
ثمّ لا يخفى أنّ البحث عن هذه المسألة يختلف عمّا تقدّمها سابقاً من اختلاف المأموم والإمام في المسائل الاجتهادية المتعلّقة بالصلاة ، التي فصّل الماتن فيها بين العلم والعلمي ، وفصّلنا نحن بوجه آخر على ما مرّ(1) فانّ موضوع البحث هناك ما لو اختلفا فيما يعتبر في الصحّة واقعاً ، من غير فرق بين حالتي العلم والجهل بحسب الجعل الأوّلي وإن كان مختصّاً بالأوّل بمقتضى الجعل الثانوي المستفاد من حديث «لا تعاد . . .» كما ذكرناه .
وأمّا النجاسة المبحوث عنها في المقام فلا مانعية لها إلاّ في حالة العلم خاصّة ، دون الجهل ، لقصور المقتضي للمنع في حدّ نفسه إلاّ بالإضافة إلى النجاسة المنجّزة كما عرفت ، ولأجله يحكم بصحة الائتمام هنا حتّى ولو بنينا هناك على العدم . فلا تقاس هذه المسألة بسابقتها ، ولا ارتباط بينهما ، هذا .
وربما يفصّل في جهل الإمام بالنجاسة بين ما إذا كان قاصراً أو مقصّراً في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 301 .
|