ــ[356]ــ
أمّا إذا كان الاختلاف في الشرائط فلا ينبغي الإشكال في جواز الائتمام لصحّة صلاة الإمام حتّى واقعاً ، التي هي المناط في صحّة الاقتداء به والمفروض حصول المتابعة في جميع أفعال الصلاة ، وعدم الاختلاف بينها في هيئتها ، فلا قصور في شمول إطلاقات الجماعة لمثله . فجواز الائتمام حينئذ مطابق للقاعدة .
مضافاً إلى صحيحة جميل الصريحة في جواز إمامة المتيمّم لغيره ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إمام قوم أصابته جنابة في السفر ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ قال : لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ، فانّ الله جعل التراب طهوراً»(1) ، فانّ المستفاد من التعليل المذكور في ذيلها الاكتفاء في صحّة الاقتداء بصحّة صلاة الإمام واقعاً ، فيتعدّى إلى كلّ مورد كان كذلك ، بمقتضى عموم العلّة كما لا يخفى .
ولا معارض للصحيحة وما بمضمونها من الروايات الدالّة على جواز إمامة المتيمّم لغيره عدا موثّقة السكوني الآتية ، التي يجمع بينهما بالحمل على الكراهة كما ستعرف . والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها بينهم من غير خلاف يعرف .
وأمّا إذا كان في الأفعال وراجعاً إلى الهيئات فقد ادّعي الإجماع على عدم جواز إمامة الناقص للكامل .
لكنّ الإجماع منقول لا يعتمد عليه ، وعلى تقدير كونه محصّلا وتحقّق الاتّفاق من الكلّ فمن الجائز أن لا يكون تعبّدياً ، لاحتمال استناد المجمعين إلى الوجوه الآتية من الروايات أو غيرها . فلا يمكن التعويل عليه ، هذا .
وقد استدلّ لعدم الجواز بجملة من الأخبار :
منها : موثّقة السكوني «لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحّاء ولا صاحب التيمّم المتوضّئين . . .» إلخ(2) ، بدعوى ظهورها في أنّ علّة المنع هي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 327 / أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1 .
(2) الوسائل 8 : 340 / أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 1 .
ــ[357]ــ
نقصان صلاة الإمام ، فيستفاد منها كبرى كلّية ، وهي عدم جواز إمامة الناقص للكامل . والموارد المذكورة فيها من باب المثال لهذه الكلّية ، نعم المنع عن إمامة المتيمّم للمتوضي محمول على الكراهة ، جمعاً بينها وبين صحيحة جميل المتقدّمة الصريحة في الجواز .
ونوقش فيها تارة بضعف السند كما عن المحقّق الهمداني (قدس سره)(1) وغيره .
وفيه : أنّ السكوني عامّي موثّق ، والنوفلي الراوي عنه وإن لم يوثّق صريحاً لكنّه من رجال كامل الزيارات(2) . فالرواية موثّقة عندنا كما وصفناها بها .
واُخرى : بقصور الدلالة ، وهو في محلّه ، فانّ العلّة المذكورة مستنبطة ، وإلاّ فالرواية في نفسها غير مشتملة على التعليل كي يستفاد منه الكلّية . فلا دليل على التعدّي ، ومن الجائز اختصاص الحكم بالموارد المذكورة فيها ، فمقتضى الجمود على النصّ الاقتصار على مورده كما لا يخفى .
ومنها : رواية الشعبي(3) الموافق مضمونها مع الرواية المتقدّمة .
وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها أنّها قاصرة الدلالة ، لعين ما مرّ .
ومنها : مرسلة الصدوق قال «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلّى بأصحابه جالساً فلمّا فرغ قال : لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(4) ، فانّ إطلاقها وإن اقتضى المنع عن إمامة الجالس لمثله لكن ثبت جوازه بالنصّ ، فيتقيد به الإطلاق ويحمل على إمامة الجالس للقائم .
ولكنّها مع جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال . مضافاً إلى أنّ أقصاها المنع عن إمامة الجالس للقائم ، وأمّا عدم جواز إمامة الناقص للكامل بقول
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 676 السطر 30 .
(2) مرّ أنّ التوثيق من أجل كونه من رجال تفسير القمّي دون الكامل ، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .
(3) الوسائل 8 : 340 / أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 3 .
(4) الوسائل 8 : 345 / أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1 ، الفقيه 1 : 249 / 1119 .
ــ[358]ــ
مطلق مثل إمامة المضطجع للقائم أو القاعد فلا تكاد تدلّ عليه ، بل لم يرد ذلك في شيء من النصوص .
وقد يقال : إنّ هذه النصوص وإن كانت ضعيفة السند لكنّها منجبرة بعمل الأصحاب .
وفيه : أنّ الانجبار ممنوع كبرى كما مرّ غير مرّة ، وكذا صغرى ، لعدم وضوح استناد الأصحاب إلى هذه الروايات ، ومن الجائز استنادهم إلى شيء آخر ممّا سنذكره .
ولعلّه من أجل ما ذكرناه ـ أعني ضعف هذه الروايات وعدم تحقّق الإجماع التعبّدي ـ أفتى صاحب الوسائل (قدس سره) بالكراهة ، حيث قال : باب كراهة إمامة الجالس القيّام وجواز العكس(1) وإن كان منفرداً في هذا القول ، إذ لم ينسب ذلك إلى أحد من الأصحاب ، ومن هنا طعن عليه صاحب الحدائق بقوله : ومن غفلات صاحب الوسائل أنّه تفرّد بالقول بالكراهة(2) .
وكيف ما كان ، فالأقوى عدم جواز ائتمام الكامل بالناقص مطلقاً ، لأصالة عدم المشروعية بعد أن لم يكن إطلاق في أدلّة الجماعة من هذه الجهة ، فانّ الصلاة جماعة تتضمّن أحكاماً خاصّة من سقوط القراءة ، واغتفار زيادة الركن لأجل المتابعة ، ورجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر لدى الشكّ . ولابدّ في ترتيب هذه الأحكام من الجزم بالمشروعية ، فمع الشكّ كان المرجع الأدلّة الأوّلية النافية لها ، التي مرجعها إلى أصالة عدم المشروعية .
والوجه في ذلك : ما ذكرناه سابقاً(3) من أنّ الائتمام يتقوّم بالمتابعة ، ولا ريب أنّ مفهوم التبعية يستدعي مشاركة التابع مع المتبوع في كلّ فعل يصدر عنه من قيام وقعود وركوع وسجود ، بأن يكون الفعلان من سنخ واحد وبهيئة واحدة . ومجرّد الاشتراك في إطلاق عنوان الركوع ـ مثلا ـ عليه مع الاختلاف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 345 / أبواب صلاة الجماعة ب 25 .
(2) الحدائق 11 : 193 .
(3) في موارد منها ما في ص 254 .
ــ[359]ــ
في السنخ والتغاير في الهيئة غير كاف في صدق المتابعة عرفاً كما لا يخفى .
وعليه فلو صلّى الإمام جالساً ، فان تابعه المأموم في ذلك وصلّى بتلك الكيفية فقد أخلّ بوظيفته من الصلاة قائماً حسب الفرض ، وإلاّ فقد أخلّ بالمتابعة في قيامه وركوعه . فمثلا عندما يركع الإمام أو يرفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاُولى ويبقى جالساً لعجزه عن القيام فان تبعه المأموم فقد صنع خلاف وظيفته ، وإلاّ فقد تخلّف عنه في الأفعال .
ومن المعلوم أنّ التخلّف عنه فيها قادح في صدق المتابعة إلاّ فيما دلّ الدليل على جوازه كما في المأموم المسبوق بركعة ، حيث إنّه يتخلّف في الركعة الثانية له الثالثة للإمام بمقدار التشهّد ، ثمّ يلتحق به في القيام ، ولم يرد مثل هذا الدليل في المقام كما هو ظاهر .
فان قلت : مقتضى هذا البيان عدم جواز ائتمام الناقص بالكامل أيضاً عكس الصورة المتقدّمة ، فلا يجوز ائتمام القاعد بالقائم ، بعين التقريب المتقدّم من لزوم الإخلال بالمتابعة لو صلّى قاعداً ، وعدم الإتيان بالوظيفة على التقدير الآخر مع أنّه جائز بلا إشكال .
قلت : الفارق بعد الإجماع هو النصّ الدالّ على الجواز في هذه الصورة المقتضي للتخصيص في دليل المتابعة ، وهو قوله (عليه السلام) في صحيح علي ابن جعفر : «. . . فان لم يقدروا على القيام صلّوا جلوساً ، ويقوم الإمام أمامهم»(1) فليتأمّل ، المؤيّد بخبر أبي البختري : «المريض القاعد عن يمين المصلّي جماعة»(2) ، وهو مفقود في المقام .
ومعه يرجع إلى أصالة عدم المشروعية بعد الإخلال بمفهوم المتابعة كما عرفت ، وإلاّ فلولا النصّ كان مقتضى القاعدة عدم الجواز في كلتا الصورتين لاتّحاد المناط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 428 / أبواب صلاة الجماعة ب 73 ح 3 .
(2) الوسائل 8 : 345 / أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 3 .
ــ[360]ــ
على أنّه يمكن الفرق بينهما ثبوتاً أيضاً ، بصدق المتابعة في هذه الصورة دون ما نحن فيه ، فانّ مفهوم المتابعة لا يستدعي عرفاً إلاّ التبعية بالمقدار الممكن وعلى حسب قدرة التابع وطاقته ، فلا يلزمه الإتيان إلاّ بالمقدار الميسور ممّا يفعله المتبوع .
وعليه فحيث إنّ المأموم عاجز عن الصلاة قائماً فيكفي في صدق المتابعة عرفاً الإتيان بما يحسنه من الأفعال على حسب طاقته ، وهذا بخلاف العكس ـ أعني ائتمام القائم بالقاعد ـ فانّه متمكّن من متابعة الإمام في القعود والصلاة جالساً ، فان فعل كذلك فقد ارتكب ما هو خلاف وظيفته ، وإلاّ فقد أخلّ بالمتابعة كما عرفت .
وممّا ذكرنا يظهر الحال في ائتمام القاعد بالمضطجع أو القائم به ، وأنّه لا يجوز لعين ما مرّ حرفاً بحرف ، فلا نعيد .
وكذا الحال في عكسه أعني ائتمام المضطجع بمن يصلّي جالساً أو قائماً للإخلال بالمتابعة بعد الاختلاف في الهيئة الصلاتية . وما ذكرناه آنفاً من الفرق الثبوتي غير مجد هنا بعد عدم مساعدة الدليل في مقام الإثبات ، إذ لم يرد هنا نصّ بالخصوص كما ثبت هناك ـ أعني في ائتمام الجالس بالقائم ـ وقد عرفت أنّ مقتضى الأصل عدم مشروعية الجماعة لدى الشكّ فيها .
ومنه تعرف عدم جواز ائتمام المضطجع بمثله ، فانّهما وإن كانا متوافقين في الهيئة الصلاتية لكن الدليل قاصر عن إثبات المشروعية في مثل ذلك ، إذ لم يرد فيه نصّ خاصّ ، ولا إطلاقَ في أدلّة الجماعة بالإضافة إلى حالات المصلّي من الصلاة قائماً أو جالساً أو مضطجعاً ، بل هي منصرفة إلى ما هو المتعارف من الصلاة الاختيارية لكلّ من الإمام والمأموم ، مثل ما ورد فيها من أنّ المأموم الواحد يقف على يمين الإمام إن كان رجلا ، وخلفه إن كان امرأة ، ونحو ذلك من موارد تلك الإطلاقات ، فانّها منصرفة إلى المتعارف كما ذكرنا ، وأمّا الصلاة الاضطرارية العذريّة لأحدهما أو كليهما فهي خارجة عن منصرف تلك النصوص .
ــ[361]ــ
ومنه يظهر ما في دعوى صاحب الجواهر من عدم الإشكال في جواز ائتمام كلّ مساو بمساويه في النقص والكمال(1) ، فانّه في حيّز المنع في ائتمام المضطجع بمثله ، لما عرفت من عدم النصّ الخاصّ ، وقصور الإطلاقات عن الشمول لمثله ومقتضى الأصل عدم المشروعية . نعم ، لا مانع من ائتمام الجالس بمثله ، لقيام النصّ على الجواز ، وهو ماورد في كيفية صلاة العراة كصحيح ابن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة ، قال (عليه السلام) : يتقدّمهم الإمام بركبتيه ، ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس»(2) ، ونحوه غيره .
والمتلخّص من جميع ما ذكرناه : عدم جواز الائتمام لدى الاختلاف في الهيئة الصلاتية من حيث النقص والكمال ، فلا يجوز ائتمام الكامل بالناقص ولا عكسه ، ما عدا صورة واحدة وهي ائتمام القاعد بالقائم . وكذا مع الاتّحاد في النقص إلاّ في ائتمام الجالس بمثله ، لقيام الدليل على الجواز في الموردين المزبورين ، فيبقى ما عداهما من بقيّة الصور العارية عن النصّ تحت أصالة عدم المشروعية ، بعد عدم الإطلاق في أدلّة الجماعة من هذه الجهة حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 13 : 330 .
(2) الوسائل 4 : 450 / أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1 .
|