هذا كلّه فيما إذا كان الاختلاف في أفعال الصلاة وهيئتها .
وأمّا إذا اختلفا في الأذكار : فقد عرفت أنّ ذلك قد يكون في القراءة التي يتحمّلها الإمام ، وقد يكون فيما عداها من سائر الأذكار كالتشهّد وذكر الركوع والسجود ونحوها .
أمّا في غير القراءة كما لو كانت آفة في لسان الإمام لا يتمكّن معها من أداء الشِين في التشهّد على وجهه ، ويبدله بالسين كما اتّفق لبلال ، فلا ينبغي الإشكال في جواز الائتمام ، لصحّة صلاة الإمام حينئذ حتّى واقعاً .
ــ[362]ــ
ومن الواضح عدم التحمّل في الأذكار ، وأنّ المأموم هو الذي يأتي بوظيفته منها ، سواء أتى الإمام بها أم كان معذوراً فيها . فلا ائتمام بالإضافة إليها فلا مانع من صحّة الاقتداء بوجه ، إذ حال الاختلاف من هذه الجهة حال الاختلاف في الشرائط كالوضوء والتيمّم ممّا لا يوجب الاختلاف في الهيئة الصلاتية ، وقد عرفت فيما مرّ(1) عدم الإشكال في جواز الائتمام حينئذ .
وأمّا في القراءة فهل يصحّ الاقتداء بمن لا يحسنها إمّا لعدم أداء الحرف من مخرجه ، أو لحذفه ، أو لإبداله بحرف آخر كمن يبدل الضاد بالزاء في مثل «ولا الضالّين» أو الراء بالياء في مثل «الرحمن الرحيم» ونحو ذلك ؟
الظاهر عدم الصحّة كما عليه المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع ، إذ لا يخلو إمّا أن يجتزئ المأموم بقراءة الإمام ، أو يأتي بنفسه بالمقدار الذي لا يحسنه .
لا سبيل إلى الأوّل بعد فرض الخلل في قراءة الإمام وإن كان معذوراً فيه لمكان العجز ، إذ المعذورية لا تستدعي إلاّ الاجتزاء بها عن نفسه لا عن المأموم ، ومن المعلوم اختصاص أدلّة الضمان بالقراءة الصحيحة ، فهي منصرفة عن المقام .
وعلى الجملة : دليل التحمّل لا يقتضي سقوط القراءة عن المأموم رأساً ، بل مفاده كما مرّ(2) الاجتزاء في مرحلة الامتثال بقراءة الإمام وإيكالها إليه ، وكأنّ قراءتَه قراءتُه ، فلابدّ إمّا من الإتيان بها بنفسه بأن يصلّي فرادى ، أو ببدله بأن يكِلها إلى الإمام ، والمفروض بطلان قراءة الإمام لو صدرت عن المأموم لقدرته على الإتيان بها صحيحة ، وإن صحّت عن الإمام العاجز ، فوجودها بالإضافة إلى المأموم كالعدم . فلم تتحقّق لا بنفسها ولا ببدلها ، فلا يمكن الاجتزاء بقراءة الإمام .
وأمّا الثاني ـ أعني الإتيان بنفسه ـ : فهو أيضاً غير صحيح ، إذ المستفاد من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 355 .
(2) في ص 306 .
ــ[363]ــ
أدلّة الجماعة الملازمة بين صحّتها وبين تحمّل الإمام وإيكال القراءة بتمامها إليه ولم يعهد من الشرع جماعة تجب فيها القراءة كلاًّ أو بعضاً على المأموم في الأولتين للإمام ، بحيث لا يتحمّل عنه فيهما . ومع الشكّ كان المرجع أصالة عدم المشروعية .
وهل اللحن في الإعراب وإن كان لعدم استطاعته على الصحيح يلحق بما ذكر ؟ اختار في المبسوط العدم ، فجوّز إمامة الملحن للمتقن ، سواء غيّر المعنى أم لا(1) . وعن السرائر الجواز فيما إذا لم يغيّر المعنى(2) .
والأقوى عدم الجواز مطلقاً ، فيلحق اللحن بما سبق ، فانّ القراءة الملحونة وإن لم تغيّر المعنى ليست من القرآن في شيء ، إذ الذي نزل من السماء على قلب خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) إنّما هي القراءة الصحيحة الخالية عن اللحن ، وهي المأمور بها في الصلاة ، فالإخلال بها وإن كان عن عذر يمنع عن صحّة الاقتداء ، إذ غاية ما يترتّب على العجز معذوريته ، لا صحة تحمّله كما عرفت . فالمسألتان من واد واحد .
والمتلخّص من جميع ما سردناه لحدّ الآن : أنّ الاختلاف بين الناقص والكامل إن كان في الشرائط كإمامة المتيمّم للمتوضّئ ، أو ذي الجبيرة لغيره أو مستصحب النجاسة في ثوبه أو بدنه من جهة العذر لغيره ، أو المسلوس والمبطون لغيرهما ، أو المستحاضة حتّى الكبيرة مع العمل بوظيفتها للطاهرة ففي جميع ذلك يصحّ الائتمام ، لصحّة صلاة الإمام واقعاً ، وعدم الإخلال بالمتابعة في الأفعال بعد الاتّحاد في الهيئة الصلاتية .
وقد عرفت أنّ النصوص دلّت على جواز إمامة المتيمّم للمتوضّئ ، ولا سيما التعليل الوارد في ذيل صحيحة جميل ، المستفاد منه كبرى كلّية ، وهي الاكتفاء في صحّة الاقتداء بصحّة صلاة الإمام واقعاً ، فيتعدّى إلى الاختلاف في سائر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 153 .
(2) السرائر 1 : 281 .
ــ[364]ــ
الشرائط ، لما مرّ . نعم يعارضها موثّقة السكوني المانعة من إمامة المتيمّم لغيره المحمولة على الكراهة جمعاً .
وإن كان في الأفعال فلا يجوز الائتمام إلاّ في القاعد بالقائم أو بمثله ، لأصالة عدم المشروعية بعد فقد النصّ في غيرهما ، وعدم إطلاق في أدلّة الجماعة من هذه الجهة ، مضافاً إلى الإخلال بالمتابعة لدى الاختلاف في الهيئة كما مرّ .
وإن كان في الأذكار التي لا يتحمّلها الإمام كالتشهّد والتسبيحات في الركعتين الأخيرتين وذكر الركوع ونحوها ، فلا ينبغي الكلام في صحّة الائتمام إذ لا متابعة ولا تحمّل في مثلها ، كما لا خلل في التبعية للهيئة الصلاتية . فحكمها حكم الاختلاف في الشرائط ، غير القادح في صحّة الاقتداء كما عرفت .
ومنه تعرف جواز الائتمام في الركعة الثالثة حتّى بمن لا يحسن القراءة ، إذ لا تحمّل حينئذ كما مرّ سابقاً ، والمفروض صحّة صلاة الإمام واقعاً ، والقراءة في عهدة المأموم نفسه . فلا مانع من الاقتداء .
وإن كان في القراءة التي يتحمّلها الإمام لم يجز الائتمام ، سواء أكان لعدم إخراج الحرف عن مخرجه ، أو لإبداله بآخر ، أو للحن في الإعراب مغيّر للمعنى أو غير مغيّر ، فانّ المأموم مكلّف بالقراءة ، غير أنّه لا يباشرها بنفسه ويكِلها إلى الإمام ، ويجتزي بقراءته عن القراءة الصحيحة المكلّف هو بها بمقتضى أدلّة الضمان ، والمفروض أنّ قراءة الإمام ليست قراءة صحيحة ، وغاية ما يترتّب على معذوريته اجتزاؤه بها عن قراءة نفسه ، لا عن قراءة المأموم . فوجودها بالإضافة إليه كالعدم ، فليس له الاجتزاء بها .
كما ليس له الإتيان بالآية التي لا يحسنها الإمام ، للملازمة بين صحّة الجماعة وبين التحمّل التام ، إذ لم يعهد من الشرع جماعة لا تحمّل فيها ، فلا يمكن الحكم بصحّة الائتمام ووجوب القراءة على المأموم .
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الحال في المسألة الاُولى والثانية والثالثة التي ذكرها الماتن (قدس سره) فلا حاجة إلى التعرّض إليها بخصوصها فلاحظ .
|