ــ[365]ــ
[1964] مسألة 4 : لا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمثله إذا اختلفا في المحلّ الذي لم يحسناه ، وأمّا إذا اتّحدا في المحلّ فلا يبعد الجواز ، وإن كان الأحوط العدم ، بل لا يترك الاحتياط مع وجود الإمام المحسن((1)) ، وكذا لا يبعد جواز إمامة غير المحسن لمثله((2)) مع اختلاف المحلّ أيضاً إذا نوى الانفراد عند محلّ الاختلاف ، فيقرأ لنفسه بقيّة القراءة ، لكن الأحوط العدم ، بل لا يترك مع وجود المحسن في هذه الصورة أيضاً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم يستبعد (قدس سره) جواز الائتمام مع الاتّحاد في المحلّ الذي لم يحسناه ، كما لو كان كلّ منهما يبدل الراء بالياء في (الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ) ولعلّه من أجل أنّ قراءة المأموم لا تزيد على قراءة الإمام حينئذ بشيء ، فلا مانع من الائتمام ، بل لم يستبعد الجواز مع الخلاف في المحلّ أيضاً بشرط الانفراد عند محلّ الاختلاف ، فيقرأ لنفسه بقيّة القراءة .
أقول : أمّا مع الاتّحاد فان كان هناك قطع خارجي ـ ولم يتحصّل لنا ـ على جواز الائتمام فلا كلام ، وإلاّ فاثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً ، إذ لو كنّا نحن ومقتضى الأدلّة الأوّلية لحكمنا بسقوط الصلاة رأساً لدى العجز عن القراءة كلاًّ أو بعضاً ، إذ العجز عن الجزء عجز عن الكلّ ، فينتفي الأمر المتعلّق بالمركّب بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء .
لكنّا علمنا من الخارج أنّ الأمر ليس كذلك في باب الصلاة ، وأنّ المعذور في بعض الأجزاء يلزمه الإتيان بما يتمكّن ويحسن ، لا بدليل أنّ الصلاة لا تسقط بحال فحسب ، بل من جهة ماورد في من لا يحسن القراءة لكونه جديد العهد بالإسلام من أنّه يأتي بما تيسّر له منها ، وأنّه يجتزئ بقراءته وإن كانت مغلوطة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل مع عدمه أيضاً .
(2) بل هو بعيد جدّاً .
ــ[366]ــ
ملحونة عن القراءة الصحيحة ، كصحيحة ابن سنان وغيرها ممّا تقدّمت في محلّها(1) .
فقد ثبت في حقّ العاجز بمقتضى الدليل الثانوي ـ وإن كان على خلاف القاعدة الأوّلية ـ قيام الناقص مقام الكامل وبدليّته عنه . ومن المعلوم أنّ هذا مشترك بين الإمام والمأموم بعد فرض عجزهما معاً . فكلّ واحد منهما مكلّف بالمقدار الذي يحسن ، وأنّه يجتزئ بهذه القراءة الناقصة عن الصحيحة الكاملة الثابتة في حقّه ، وأمّا الاجتزاء بها عن الصحيح الثابت في حقّ الغير فيحتاج إلى دليل مفقود .
وبالجملة : غاية ما ثبت بدليل البدليّة إجزاء الناقص من كلّ شخص عن كامل نفسه ، وأمّا إجزاؤه عن كامل غيره فلا دليل عليه ، ومقتضى الأصل عدم الإجزاء ، فلا يمكن القول بأنّ الناقص من الإمام يقوم مقام الكامل المطلوب من المأموم كي يصحّ الائتمام ، نعم يقوم مقام الكامل عن نفس الإمام كما عرفت . فجواز الائتمام حتّى مع الاتّحاد في المحلّ مشكل ، فضلا عن الاختلاف .
وأمّا القطع الخارجي بجواز اقتداء كلّ مساو بمساويه فلم نتحقّقه وإن ادّعاه صاحب الجواهر (قدس سره)(2) وعهدته على مدّعيه بعد عدم مساعدة الأدلّة عليه ، فانّ المأموم وإن كان لا يزيد على الإمام بشيء لكن لم تثبت بدليّة قراءة الإمام عن قراءته .
وأمّا مع الاختلاف : فقد ظهر حكمه ممّا مرّ . وما أفاده (قدس سره) من جواز الائتمام حينئذ إذا نوى الانفراد عند محلّ الاختلاف فهو مبني على أمرين :
أحدهما : دعوى شمول أدلّة الجماعة لمثل المقام ونحوه ممّا لا يتمكّن المكلّف من إتمام صلاته جماعة ، لنقص في الإمام ونحوه .
وهذا لم يثبت إلاّ في بعض الموارد كالاختلاف من حيث القصر والتمام ، أو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 14 : 416 .
(2) الجواهر 13 : 330 .
ــ[367]ــ
عروض عارض للإمام من موت أو حدث ونحو ذلك ممّا مرّ في محلّه(1) ، وأمّا ما عدا ذلك ومنه المقام فلم يتمّ دليل على جواز الائتمام ومشروعية الجماعة كما لا يخفى .
ثانيهما : جواز الدخول في الجماعة مع البناء من الأوّل على الانفراد في الأثناء . وهذا أيضاً غير ثابت ، بل غير جائز ، إذ كيف يتعلّق القصد إلى الجماعة مع هذا البناء من الابتداء كما مرّ(2) . وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى(3) . فما أفاده (قدس سره) من الجواز بشرط الانفراد لا يمكن المساعدة عليه .
وعلى كلّ تقدير ـ أي سواء أقلنا بالجواز أم لا ، مع الاتّحاد أو مع الاختلاف ـ فلا فرق في ذلك بين وجود الإمام المحسن وعدمه ، وإن ذكر في المتن أنّ الاحتياط لا يترك مع وجوده ، إذ وجوده وعدمه سيّان من هذه الجهة بعد فرض عدم وجوب الجماعة حتّى مع عجز المأموم عن القراءة كما اعترف (قدس سره) به في أوائل فصل الجماعة(4) .
وقلنا هناك : إنّ الجماعة مستحبّة مطلقاً وإن كان المأموم عاجزاً والإمام المحسن موجوداً ، لأنّ للصلاة الصحيحة بدلين عرضيين ، الجماعة والقراءة الناقصة ، فلا يتعيّن أحدهما مع التمكّن من الآخر .
فإذا لم يكن الحضور للجماعة واجباً في حدّ نفسه فلا فرق إذن في الحكم المزبور بين وجود الإمام المحسن وعدمه ، فان قلنا بصحّة الائتمام صحّ مطلقاً وإلاّ فسد مطلقاً .
والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ من لا يحسن القراءة لا تجوز إمامته ، سواء أكان المأموم محسناً أو مثله ، اتّحدا في المحلّ أم اختلفا ، كان هناك إمام آخر محسن أم لم يكن .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 74 وما بعدها .
(2) في ص 86 .
(3) [لكن لن يأتي حسب مراجعتنا ، نعم أشار إلى ذلك إشارة خاطفة في ص 410] .
(4) في ص 16 المسألة [1868] .
|