وأمّا زيادة الركوع السهوية : فالمعروف والمشهور بطلان الصلاة بها ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد، فالحكم كأ نّه من المسلّمات ، إنّما الكلام في مدركه ، ويدلّنا عليه من الروايات الخاصّة :
صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى فذكر أ نّه زاد سجدة ، قال : لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 319 / أبواب الركوع ب 14 ح 2 .
ــ[48]ــ
وصحيحة عبيد بن زرارة ـ والمراد بأبي جعفر الواقع في السند هو أبو جعفر الأشعري أحمد بن محمّد بن عيسى ـ قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة فسجد اُخرى ثمّ استيقن أ نّه قد زاد سجدة ، فقال : لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة . وقال : لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (1) .
فانّ مقابلة الركعة بالسجود تقضي بأن يكون المراد بها هو الركوع، لا الركعة التامة المصطلحة ، وقد اُطلقت عليه في غير واحد من النصوص(2) ويساعده المعنى اللغوي ، فانّ الركعة كالركوع مصدر لـ (ركع) ، يقال : ركع يركع ركوعاً وركعة، والتاء للوحدة كما في السجدة. فبقرينة المقابلة والموافقة للّغة والإطلاقات الكثيرة يستظهر إرادة الركوع من الركعة الواردة في هاتين الصحيحتين .
وإن أبيت عن ذلك وادّعيت الإجمال في المراد من اللفظ فتكفينا صحيحة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (3) دلّت باطلاقها على البطلان في مطلق الزيادة ، عمدية كانت أم سهوية ، ركناً أم غير ركن ، ففي كلّ مورد ثبت التقييد نلتزم به ونخرج عن الإطلاق ، وقد ثبت في السجدة الواحدة بمقتضى الصحيحتين المتقدّمتين ، بل في مطلق الجزء غير الركني سهواً بمقتضى حديث لا تعاد ، فيبقى ما عدا ذلك ومنه زيادة الركوع تحت الإطلاق .
وليس بازاء هذه الصحيحة ما يدلّ على الصحّة عدا ما يتوهّم من دلالة حديث لا تعاد عليها ، بدعوى أنّ المستثنى منه شامل لمطلق الإخلال سواء أكان من ناحية النقص أم الزيادة ، وأمّا عقد الاستثناء فهو ظاهر في اختصاصه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 319 / أبواب الركوع ب 14 ح 3 .
(2) منها صحيحة أبي بصير الآتية في ص 59 .
(3) الوسائل 8 : 231 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2 .
ــ[49]ــ
بالإخلال الناشئ من قبل النقص فقط ، فانّه المنصرف من النصّ حسب المتفاهم العرفي .
فمفاد الحديث عدم الإعادة من أيّ خلل إلاّ من ناحية النقص المتعلّق بأحد الخمسة، وعليه فزيادة الركوع كالسجود داخلة في عقد المستثنى منه ، ومقتضاه الصحّة وعدم الإعادة ، وبما أ نّه حاكم على الأدلّة الأوّلية فيقدّم على الصحيحة المتقدّمة .
وربما تؤكّد الدعوى بعدم تصوير الزيادة في بعض فقرات الاستثناء كالوقت والقبلة والطهور ، فبمقتضى اتّحاد السـياق يستكشف أنّ المراد في الجميع هو الإخلال من ناحية النقيصة خاصّة .
لكن المناقشة في هذه الدعوى لعلّها ظاهرة ، فانّ الاستثناء المذكور في الحديث من قبيل المفرّغ ، والمستثنى منه محذوف تقديره لا تعاد الصلاة من أيّ خلل إلاّ من ناحية الخمسة ، ولفظة (من) نشوية في الموردين ، ومرجع الحديث إلى التنويع في مناشئ الخلل وأسبابه ، وأنّ الإخلال الناشئ من أحد الخمسة تعاد الصلاة من أجله دون ما نشأ ممّا عداها .
ومن المعلوم جدّاً أنّ مقتضى اتحاد السـياق وحدة المراد من الإخلال في الموردين ، فان اُريد من الإخلال في طرف المستثنى منه ما يعمّ النقص والزيادة كان كذلك في طرف الاستثناء ، وإن اُريد من الثاني خصوص النقص كان مثله الأوّل . فالتفكيك بين الطرفين والالتزام بتعدّد المراد من الإخلال في العقدين خروج عن المتفاهم العرفي ، وبعيد عن سياق الحديث جدّاً كما لا يخفى .
وبما أنّ عقد المسـتثنى منه شامل لمطلق الإخلال حتّى من ناحية الزيادة باعتراف الخصم ، وإلاّ لم يكن الحديث مصادماً للصحيحة وحاكماً عليها ، ولا موجب أيضاً لتخصيصه بالنقص ، كان كذلك في عقد الاستثناء أيضاً .
ــ[50]ــ
ونتيجة ذلك لزوم الإعادة بالإخلال بالركوع من ناحية الزيادة كالنقيصـة إذ الإخلال بالأركان من هذه الناحية داخل في عقد المستثنى دون المستثنى منه . وعليه فالحديث معاضد للصحيحة لا أ نّه معارض لها وحاكم عليها .
وأمّا عدم تصوير الزيادة في بعض فقرات الحديث فهو لا يكشف عن الاختصاص بالنقص ، بل اللفظ مستعمل في المعنى العام الشامل له وللزيادة غايته أ نّه بحسب الوجود الخارجي لا مصداق للزيادة في بعض تلك الفقرات وهذا لا يمنع عن إرادة الإطلاق من اللفظ ، فلا ندّعي التفكيك في مقام الاستعمال كي يورد بمنافاته لاتحاد السياق ، بل اللفظ مستعمل في مطلق الخلل في جميع الخمسة، غير أ نّه بحسب الانطباق الخارجي تختصّ الزيادة ببعضها، وهو لاينافي إرادة الإطلاق من اللفظ عند الاستعمال كما لا يخفى .
|