وأمّا تكبيرة الإحرام فلا خلاف أيضاً في بطلان الصلاة بنسيانها ، بل عليه إجماع الأصحاب كما عن غير واحد ، وتشهد له جملة من النصوص المعتبرة .
منها : صحيحة زرارة المرويّة بعدّة طرق، قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد» (1) .
وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «في الذي يذكر أ نّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال: إذا استيقن أ نّه لم يكبّر فليعد، ولكن كيف يستيقن»(2) .
وموثّقة عبيد بن زرارة : «عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة ، قال : يعيد الصلاة» (3) ، ونحوها غيرها. وظاهرها بطلان الصلاة بنسيان التكبير مطلقاً .
ولكن بازائها روايات اُخرى أيضاً معتبرة دلّت على التفصيل بين التذكّر قبل الدخول في الركوع وبعده ، وأنّ البطلان مختصّ بالأوّل :
كصحيحة زرارة : «الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة ، قلت : فان ذكرها بعد الصلاة ، قال : فليقضها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 12 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1 .
(2) الوسائل 6 : 13 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 2 .
(3) الوسائل 6 : 13 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 3 .
ــ[72]ــ
ولا شيء عليه» (1) .
قال الشيخ : قوله : «فليقضها» يعني الصلاة (2) . ولكنّه كما ترى بعيد جدّاً، سيما بملاحظة قوله : «ولا شيء عليه» ، بل الظاهر عود الضمير إلى التكبيرة ، فيقضي التكبير فقط .
وموثّقة أبي بصير : «عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة فقال: إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر، وإن ركع فليمض في صلاته»(3) .
ونحوها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر : «رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع ، فقال : أجزأه» (4) .
ومقتضى الصناعة : لو كنّا نحن وهذه الأخبار جعل الطائفة الثانية المصرّحة بالتفصيل مقيّدة للطائفة الاُولى الدالّة على البطلان مطلقاً ، فتحمل على ما لو تذكّر قبل الدخول في الركوع .
إلاّ أنّ هذه الطائفة المقيّدة في نفسها مبتلاة بالمعارض، لوجود روايات اُخرى دلّت على البطلان فيما لو لم يتذكّر حتّى ركع ، وهي :
صحيحة علي بن يقطين:«عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع قال: يعيد الصلاة»(5) .
وموثّقة الفضل بن عبدالملك أو ابن أبي يعفور : «في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع ؟ قال : لا ، بل يعيد صلاته إذا حفظ أ نّه لم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 14 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8 .
(2) التهذيب 2 : 145 ذيل ح 567 .
(3) الوسائل 6 : 15 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10 .
(4) الوسائل 6 : 16 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 2 .
(5) الوسائل 6 : 13 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 5 .
ــ[73]ــ
يكبّر»(1) ، فبعد التعارض والتساقط تبقى الطائفة الاُولى سليمة عمّا يصلح للتقييد.
وهناك تفصيل آخر ربما يظهر من بعض النصوص ، وهو أ نّه إن كان من نيّته أن يكبّر صحّت صلاته وإلاّ بطلت ، دلّت عليه صحيحة الحلبي «عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة ، فقال : أليس كان من نيّته أن يكبّر ؟ قلت : نعم ، قال : فليمض في صلاته» (2) .
ولكن الصحيحة وإن كانت في بادئ النظر أخصّ مطلقاً من الطائفة الاُولى الدالّة على البطلان ، إلاّ أ نّه لا يمكن ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار بمثل هذه الصحيحة ، لاستلزامه تنزيل تلك الأخبار على الفرد النادر ، بل غير الواقع في الخارج ، ضرورة أنّ كلّ من يتصدّى للصلاة فهو من نيّته أن يكبّر ، وإن كان قد يذهل عنه أحياناً .
ففرض الدخول في الصلاة المؤلّفة ممّا يشتمل على التكبير من دون أن يكون من نيّته ذلك إمّا غير واقع خارجاً أو نادر التحقّق جدّاً ، فكيف يمكن حمل تلك الأخبار عليه . على أنّ هذا المعنى مشروب في مفهوم النسيان الذي فرضه السائل ، فانّ الناسي هو الذي من نيّته أن يفعل فينسى كما لا يخفى .
وعليه فهذه الصحيحة لدى التدبّر معـارضة مع تلك النصوص الدالّة على البطلان بالتباين ، فلا بدّ من الترجيح ، ولا شكّ أنّ تلك النصوص أرجح ، فانّها أكثر وأشهر ، وهذه رواية شاذّة لم يعهد القول بها من أحد ، بل الإجماع قائم على البطلان كما تقدّم . على أنّ الصـحيحة مطابقة لفتوى بعض العامّة ، حيث حكي عنهم الاكتفاء في الصحّة بمجرّد النيّة (3) ، فهي محمولة على التقيّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 16 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 3 ح 1 .
(2) الوسائل 6 : 15 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9 .
(3) حلية العلماء 2 : 89 ، المجموع 3 : 290 [ حكي ذلك عن الزهري وغيره ] .
ــ[74]ــ
وكذا لو نسي القـيام حال تكبيرة الإحرام (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم استقرار المعارضة فغايته التساقط ، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضاها البطلان ، لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه بعد وضوح الإطلاق في دليل جزئية التكبير الشامل لحالتي الذكر والنسيان .
ولا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد، لقرب دعوى قصر النظر فيه على الإخلال بالأجزاء بعد التلبّس بالصلاة والدخول فيها الذي لا يتحقّق إلاّ بالتكبير، فلا نظر فيه إلى التكبير نفسه ، إذ لا صلاة بدونه كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في ذيل موثّقة عمّار : «... ولا صلاة بغير افتتاح» (1) .
وعلى الجملة : دعوى انصراف الحديث عن التكـبير غير بعيدة . على أ نّه يكفينا مجرّد الشكّ في ذلك ، للزوم الاسـتناد في الخروج عمّا تقتضيه القاعـدة ـ التي قدّمناها ـ إلى دليل قاطع كما لا يخفى .
(1) فانّه ركن كنفس التكبير بالمعنى المختار في تفسير الركن ، أعني ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً كما سبق (2) ، وهو مورد لاتفاق الأصحاب وتسالمهم فلو كبّر من وظيفته القيام جالساً نسياناً بطلت صلاته . كما أنّ الجلوس حال التكبير ممّن وظيفته الصلاة جالساً ركن ، فلو كبّر قائماً نسـياناً أعاد صلاته وقد دلّت موثقة عمّار على كلا الحكمين صريحاً (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 14 / أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 7 .
(2) في ص 51 .
(3) الوسائل 5 : 503 / أبواب القيام ب 13 ح 1 .
|