وأمّا الصورة الثانية : فلا إشكال كما لا خلاف أيضاً في عدم البطلان . ويدلّ عليه مضافاً إلى مطابقته لمقتضى القاعدة ـ بناءً على ما عرفت في المسألة السابقة من أنّ السلام الواقع في غير محلّه سهواً مشمول لحديث لا تعاد بالتقريب الذي سبق (1) ـ جملة وافرة من النصوص التي منها موثّقة عمّـار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أ نّها أربع ، فلمّا سلّم ذكر أ نّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ، ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته»(2). نعم، عليه سجدتا السهو للسّلام الزائد كما تضمّنه ذيل الموثّقة.
وأمّا الصورة الثالثة: فالمعروف والمشهور عدم البطلان أيضاً، لكن جماعة منهم الشيخ في النهاية(3) حكموا بالبطلان، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه(4) .
ويستدلّ له بعد الإجماع المزبور بأ نّه من الكلام عمداً ـ ولذا يصحّ لو كان عقداً أو إيقاعاً ـ فيشمله ما دلّ على بطلان الصلاة بالكلام العمدي مثل ما ورد من أنّ : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (5) .
ويردّه بعد وهن الإجماع المزبور بمصير المشهور إلى خلافه ـ كما عرفت ـ أ نّه إن اُريد بالعمد القصد إلى ذات الكلام في مقابل الغفلة فحقّ لا سـترة عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 69 .
(2) الوسائل 8 : 203 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 14 .
(3) النهاية : 90 .
(4) الغنية : 111 .
(5) الوسائل 7 : 281 / أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2 .
ــ[77]ــ
ولذا يتحقّق به العقد أو الإيقاع كما ذكر ، ولا يكون بمثابة الصادر عن السكران أو الساهي . إلاّ أنّ العمد بهذا المعنى لم يكن موضوعاً للبطلان ، بل المبطل هو العمد إلى الكلام بوصف كونه في الصلاة ، بأن يكون هذا الوصف العنواني أيضاً مقصوداً كما هو ظاهر الرواية المتقدّمة ، وهذا المعنى غير متحقّق في المقام بعد فرض اعتقاد الخروج عن الصلاة بالضرورة . وإن اُريد به العمد بالمعنى القادح في الصلاة فهو ممنوع كما عرفت .
وبالجملة : ليس المبطل العمد المتعلّق بذات الكلام ، بل بوصف كونه واقعاً في الصلاة ، فلو تكلّم عامداً إلى الكلام ناسياً كونه في الصلاة ـ كما في المقام ـ لم يوجب البطلان كما يكشف عنه صحيحة ابن الحجاج: «عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين» (1) . فانّ التكلّم بقوله : «أقيموا صفوفكم» صادر عن عمد وقصد ، غير أ نّه ناس كونه في الصلاة ، هذا .
مضافاً إلى النصوص الدالّة على الصحّة في خصوص المقام، التي منها صحيحة ابن مسلم : «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أ نّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أ نّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته ولا شيء عليه» (2) .
والرواية صحيحة بلا إشكال كما وصفها بها في الحدائق (3) ، غير أنّ المذكور في السند في الطبعة الجديدة من الوسائل (القاسم بن قاسم بن بريد) وهو مجهول والموثّق هو القاسم بن بريد ، ولا شك أنّ في النسخة تصحيفاً وأحد اللّفظين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 206 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 4 ح 1 .
(2) الوسائل 8 : 200 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 3 ح 9 .
(3) الحدائق 9 : 23 .
ــ[78]ــ
مكرّر ، والموجود في التهذيبين القاسم بن بريد (1) ، وكذلك في الوسائل في الطبعة المعروفة بطبعة عين الدولة . وكيف ما كان ، ففيما عداها غنى وكفاية . ــــــــــــــــ
(1) التهذيب 2 : 191 / 757 ، الاستبصار 1 : 379 / 1436 .
|