ــ[135]ــ
والظاهر عدم الفرق ((1)) بين أن يكون ذلك الغير من الأجزاء أو مقدّماتها فلو شكّ في الركوع أو الانتصاب منه بعد الهويّ للسجود لم يلتفت ، نعم لو شكّ في السجود وهو آخذ في القيام وجب عليه العود ، وفي إلحاق التشهّد به في ذلك وجه ((2)) إلاّ أنّ الأقوى خلافه ، فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت ، والفارق النصّ الدال على العود في السـجود فيقتصر على مورده ويعمل بالقاعدة في غيره (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعين هذا البيان يظهر وجه المنع في المقام ، ضرورة أنّ القراءة لا محلّ لها بالإضافة إلى القنوت ، لعدم كونها مشروطة بالتقدّم عليه ، فهي غير مشروطة إلاّ بالتقدّم على الركوع ، والمحلّ غير ملحوظ إلاّ بالقياس إليه فحسب ، فلو ترك القنوت رأساً كانت القراءة واقعة في محلّها ، وإنّما المعتبر في القنوت التأخّر عن القراءة والوقوع بينها وبين الركوع ، لا في القراءة التقدّم على القنوت .
وعليه فمحلّ القـراءة باق حقـيقة وإن كان متشاغلاً بالقنوت ، ولا يصـدق التجاوز عنها بالدخول فيه ، وإنّما يتجاوز بالدخول في الركوع كما عرفت . فلا مجال لجريان القاعدة حينئذ ، بل لابدّ من الاعتناء بالشكّ عملاً بالاستصحاب أو قاعدة الاشتغال .
(1) الجهة الرابعة : هل المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه نفس الجزء المترتّب ، أو يعمّ الدخول في مقدّمته فتجري القاعدة لو شكّ في الركوع بعد الهوي للسجود ، أو شكّ في السجود أو التشهّد بعد النهوض والأخذ في القيام ؟
لعلّ المشهور هو الثاني ، أخذاً باطلاق الغير المذكور في النصّ . غير أنّ في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل الظاهر اعتبار كون الغير من الأجزاء .
(2) وهو الأوجه .
ــ[136]ــ
خصوص الشكّ في السجود لدى النهوض يجب الرجوع للنصّ الخاصّ كما ستعرف . وعليه بنى في المتن وذكر أ نّه لا يتعدّى إلى التشهّد ، للزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على المقدار المتيقّن .
ولكن الظاهر هو الأوّل ، لا لقصور في إطلاق لفظ الغير ، بل لما عرفت في الجهة السابقة من إناطة القاعدة بصدق التجاوز والخروج عن محلّ الشيء المشكوك فيه كما دلّت عليه صحيحتا زرارة وإسماعيل بن جابر (1) .
ومن الواضح أنّ هذا المعنى غير صادق عند الدخول في المقدّمات ، لعدم كون الهوي أو النهوض من أجزاء الصلاة وواجباتها كي يكون محلّ الركوع أو السجود ملحوظاً شرعاً قبل ذلك ، وإنّما يجب الإتيان بهما بحكم العقل من باب استحالة الطفرة ، فليست المقدّمات من أفعال الصلاة المترتّبة على الجزء السابق ليصدق التجاوز ، بل محلّ الركوع باق ما لم يدخل في الجزء المترتّب عليه وهو السجود ، كما أنّ محلّ السجود باق ما لم يدخل في القيام .
وبعبارة اُخرى : المراد بالغـير هو الجزء المترتّب ، لا مطلق ما كان مغايراً كقراءة آية من القـرآن . ومن الضروري أنّ المقـدّمات ليست كذلك . وعليه فمقتضى القاعدة الاعتناء بالشكّ في مثل ذلك .
ومنه تعرف أنّ النصّ الخاصّ المومئ إليه الوارد في المقام مطابق للقاعدة لا أ نّه مخصّص لها كما اُفيد ، وهو صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله : « ... قلت : فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوى قائماً فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال : يسجد» (2) . فلا مانع من التعدّي عن مورده إلى التشهّد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 237 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1 ، 6 : 369 / أبواب السجود ب 15 ح 4 .
(2) الوسائل 6 : 369 / أبواب السجود ب 15 ح 6 .
ــ[137]ــ
نعم ، ربما يظهر من صحيحة اُخرى لعبدالرحمن جريان القاعدة لو شكّ في الركوع لدى الهوي إلى السجود ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد ركع» (1) .
ومن هنا فصّل صاحب المدارك بين النهوض والهوي ، فحكم بعدم الجريان في الأوّل لما مرّ ، والجريان في الثاني لهذه الصحيحة (2) وجعلها مخصّصة للقاعدة المتقدّمة .
ولكن الظاهر عدم التخصيص ، وأنّ هذه الصحيحة أيضاً مطابقة للقاعدة لأنّ المذكور فيها لفظة «أهوى» بصيغة الماضي ، ومفاده تحقّق الهوي إلى السجود المساوق لحصول السجود خارجاً، فانّه مرادف لقولنا سقط إلى السجود ، الملازم لتحقّقه ، فيكون موردها الشكّ في الركوع بعد الوصول إلى السجود ، الذي هو مورد لقاعدة التجاوز بلا كلام . فلا تدلّ على جريان القاعدة وعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع حال الهوي ولو لم يصل إلى السجود .
نعم ، لو كان التعبير هكذا : يهوي إلى السجود ، بصيغة المضارع كان مفاده المعنى المذكور ، لظهور هذه الهيئة في التلبّس دون التحقّق كما لا يخفى . ومراجعة الاستعمالات العرفية تشهد بصدق ما ادّعيناه من الفرق بين الماضي والمضارع فانّ معنى قولنا : زيد صلّى ، تحقّق الصلاة والفراغ منها ، بخلاف قولنا : زيد يصلّي فانّ مفاده أ نّه مشغول بالصلاة ولم يفرغ بعد عنها ، هذا .
ومع الغضّ عمّا ذكرناه فغايته الإطلاق، وأنّ كلمة «أهوى» تشمل ما إذا وصل حدّ السجود وما لم يصل ، إذ لا ظهور لها في خصوص الثاني ، فيقيّد بصحيحة إسماعيل بن جابر المتضمّنة أنّ مورد عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع إنّما هو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6 : 318 / أبواب الركوع ب 13 ح 6 .
(2) المدارك 4 : 249 ـ 250 .
|