الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان ، وحكمه كالأوّل (2) إلاّ أنّ الأحوط هنا اختيار الركعتين من جلوس .
ـــــــــــــــــــــ (2) فيبني على الأكثر ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، سواء كان الشكّ قبل الإكمال أم بعده .
ــ[187]ــ
أمّا أصل البناء فلا خلاف فيه ولا إشكال ، ويقتضيه مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر المتقدّمة جملة وافرة من النصوص المعتبرة الواردة في خصوص المقام :
كصحيحة الحلبي : «إن كنت لاتدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ، ثمّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما باُمّ الكتاب ... » إلخ(1) .
وصحيحة الحسين بن أبي العلاء : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلّم وصلّى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب ... » إلخ (2) .
وصحيحة ابن سيابة وأبي العباس البقباق : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ـ إلى أن قال : ـ وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (3) . ونحوها غيرها .
نعم ، بازائها روايتان ربما يظهر منهما البناء على الأقلّ :
إحداهما : صحيحة زرارة ـ المعروفة في باب الاستصحاب ـ عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «قال : إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اُخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولايخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات»(4).
وربّما حملت على التقيّة ، لموافقتها لمذهب العامّة ، حيث اسـتقرّ رأيهم على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 217 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 5 .
(2) الوسائل 8 : 218 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 6 .
(3) الوسائل 8 : 216 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 1 .
(4) الوسائل 8 : 216 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 3 .
ــ[188]ــ
البناء على الأقلّ في باب الركعات استناداً إلى الاستصحاب (1) ، ولكن يأباه صدرها المتعرّض لحكم الشكّ بين الثنتين والأربع ، والمتضمّن للإتيان بركعتي الاحـتياط مفصـولة بقرينة التصريح بفاتحة الكتاب ، ومن المستبعد حدوث موجب جديد للتقية .
فالأولى أن يقال : إنّ الصحيحة غير ظاهرة في البناء على الأقلّ لو لم تكن ظاهرة في البناء على الأكثر والإتيان بالركعة الاُخرى مفصولة وعدم ضمّها وإدخالها وخلطها بالركعات المتيقّنة ، كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) : «ولا يدخل الشكّ في اليقين، ولايخلط أحدهما بالآخر»، أي لايدخل الركعة المشكوك فيها في المتيقّنة ، ولا يخلط بينهما .
ولعلّ المقصود من المبالغة في ذلك بايراد العبائر المختلفة المذكورة في الفقرات المتعدّدة التعـريض بالعامّة ، والإيعاز إلى فساد مذهبهم من البنـاء على الأقلّ لاشتماله على الخلط المزبور الذي لا يؤمن معه من الزيادة المبطلة ، فانّ هذا النوع من التأكيد والمبالغة إنّما يناسب البناء على الأكثر المخالف لهم ، دون الأقلّ كما لا يخفى . وصدرها أيضاً شاهد على ذلك كما عرفت .
ثانيتهما : رواية محمّد بن مسلم «قال : إنّما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال: يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ... » إلخ (2) .
ولكن مفادها غير قابل للتصديق ، لتضمّنها الجمع بين البناء على الأقلّ كما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجموع 4 : 106 ـ 111 ، المغني 1 : 711 ، الشرح الكبير 1 : 727 ، حلية العلماء 2 : 160 .
(2) الوسائل 8 : 217 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4 .
ــ[189]ــ
ومع الجمع تقديمهما على الركعة من قيام (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو ظاهر قوله : «يقوم ويتمّ ... » إلخ ، وبين الإتيان بركعتي الاحتياط من جلوس وهذا كما ترى لا وجه له ، إذ بعد البناء على الأقلّ لم يكن ثمّة إلاّ احتمال الزيادة فلا موقع لصلاة الاحتياط التي شرعت لتدارك النقص المحتمل. ولم يقل بمضمونها أحد لا من الخاصّة ولا من العامّة ، ولا ينبغي القول به كما عرفت . فهي إذن مطروحة وغير صالحة لمقاومة النصوص المتقدّمة .
والذي يهوّن الخطب أ نّها لم تكن مروية عن الإمام (عليه السلام) وإنّما هي قول محمّد بن مسلم نفسه ، ولا حجّية لفتواه ورأيه ما لم يسنده إلى المعصـوم (عليه السلام) . هذا كلّه في أصل البناء على الأكثر .
وأمّا كيفية صلاة الاحتياط فهو مخيّر فيها بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس ، لورود النصوص بكلّ من الكيفيتين .
نعم ، الأحوط هنا ـ على خلاف الفرع السابق ـ اختيار الثاني كما ذكره في المتن ، لكثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس ، وأحوط منه الجمع بين الأمرين عملاً بالنصّ الوارد في كلا النحوين .
(1) لما عرفت من كثرة النصوص في الركعتين الموجبة لأقوائية احتمال تعيّنهما ، فتقديم الركعة عليهما موجب للفصل المخلّ بمراعاة الاحتياط .
ولكنّ هذا الاحـتياط ليس بعد احتياطاً تاماً ومن جميع الجهـات ، إذ من الجائز أن تكون الوظيفة الواقعية تعيّن الركعة من قيام وإن لم يكن به قول ولا دلّ عليه النصّ ، ولكنّه محتمل واقعاً ، وإلاّ لم يكن وجه للاحتياط بالجمع .
وعليه فان قلنا بأنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة فائدتها تدارك النقص المحتمل فلا كلام ، وأمّا إذا قلنا ـ كما هو الصحيح ـ بأ نّها على تقدير النقص جزء
|