ــ[190]ــ
الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد الإكمال (1) فانّه يبني على الأربع ويتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متمّم من الصلاة وعلى التقدير الآخر نافلة ، فتقـديم الركعـتين عليها يوجب الفصل بينها وبين الصلاة الأصلية على تقدير النقص، الموجب للإخلال ، لاشتمال الركعتين على الزيادات من الركوع والسجدات ، فلم يكن الاحتياط التامّ مرعياً على هذا التقدير . وكيف ما كان ، فالأمر سهل بعد ضعف الاحتمال المزبور في نفسه .
(1) أمّا قبل الإكمال فباطل بلا إشكال ، لاعتبار إحراز الاُوليين وسلامتهما عن الشكّ كما مرّ .
وأمّا بعد الإكمال فالمعروف والمشهور هو البناء على الأربع وإتمام الصلاة ثمّ الاحتياط بركعتين من قيام، وقيل بالتخيير بينه وبين الاستئناف ، وقيل بالتخيير أيضاً بينه وبين البناء على الأقلّ ، وعن الصدوق في المقنع بطلان الصلاة (1) .
ويدلّ على المشهور مضافاً إلى عمومات البناء على الأكثر الروايات الخاصّة كصحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم، ثمّ صلّ ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما باُمّ الكتاب ، ثمّ تشهّد وتسلّم ، فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة» (2) ، ونحوها صحاح ابن أبي يعفور وزرارة ومحمّد بن مسلم (3) وغيرها .
نعم ، بازائها روايات ربما يظهر منها خلاف ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقنع : 102 .
(2) ، (3) الوسائل 8 : 219 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 6 .
ــ[191]ــ
منها : صحيحة محمّد بن مسلم : «عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً قال : يعيد الصلاة» (1) . ولعلّها مستند القول بالبطلان المنسوب إلى الصدوق في المقنع .
وعن بعضهم الجمع بينها وبين النصوص المتقدّمة بالحمل على التخيير بين البناء على الأكثر وبين الإعادة ، بدعوى رفع اليد عن ظهور الأمر في كلّ منهما في التعيين وحمله على الوجوب التخييري بقرينة الآخر ، واستحسنه المحقّق الهمداني (قدس سره) في مقام الجمع بين الأخبار (2) .
وفيه ما لا يخفى ، لما مرّ (3) من أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد ، كما أنّ نفيها إرشاد إلى الصحّة ، ولا معنى للتخيير بين الصحّة والفساد ، وإنّما يتّجه ذلك في الأوامر المـولوية الظاهرة في الوجـوب النفسي ، فيرفع اليد عن الوجوب التعييني ويحمل على التخييري ، دون مثل المقام الذي لا يكون الأمر إلاّ للإرشاد إلى الفساد . فهذا الجمع ساقط جزماً .
وحينئذ نقول : إن أمكن حمل الصحيحة على ما قبل إكمال السجدتين كما عن صاحب الوسائل وغيره فهو ، ولا نرى بعداً في هذا الحمل وإن استبعده المحقّق الهمداني (قدس سره) (4) ، فانّ الصحيحة مطلقة من حيث الإكمال وعدمه ، فمن الجائز أن يكون المراد هو الثاني ، بأن يكون الشكّ عارضاً قبل الفراغ عن ذكر السجدة الأخيرة ، فانّه يصدق عليه ولو بالعناية أ نّه لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 221 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 7 .
(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 566 السطر 27 .
(3) في ص 60 .
(4) مصباح الفقيه (الصلاة) : 567 السطر 1 .
ــ[192]ــ
وهذا بخلاف النصوص المتقدّمة ، فانّها ظاهرة في كون الشكّ بعد الإكمال ورفع الرأس من السجدتين ، لقوله (عليه السلام) فيها : «فتشهّد وسلّم» الظاهر في توجيه الخطاب حال الجلوس ورفع الرأس من السجود كما لا يخفى .
بل إنّ صحيحة زرارة صريحة فيما بعد الإكمال ، لمكان قوله (عليه السلام) : «من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحزر الثنتين ... » إلخ (1) ، فيجمع بينهما بحمل الصحيحة على ما قبل الإكمال وهذه النصوص على ما بعده .
وكيف ما كان ، فان أمكن هذا الجمع فلا إشكال ، وإلاّ ـ كما استبعده الهمداني(قدس سره) ـ فلا ينبغي التأمّل في ترجيح تلك النصوص ، لكثرتها وشهرتها وشذوذ هذه فلا تنهض لمقاومتها . ومع الغضّ عن ذلك وتسليم استقرار المعارضة فتتساقطان ، والمرجع حينئذ إطلاق نصوص البناء على الأكثر ، وهي الروايات الثلاث لعمّار (2) التي إحداها موثّقة ـ ولا يخلو سند الاُخريين عن الخدش ـ قال (عليه السلام) : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالأكثر... » إلخ (3) ، وفيها غنى وكفاية .
ومنها ما يظهر منه البناء على الأقلّ ثمّ الإتيان بسجدتي السهو لتدارك الزيادة المحتملة ، وهي صحيحة أبي بصير : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم واركع ركعتين، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما» (4) .
وصحيحة بكير بن أعين : «رجل شكّ فلم يدر أربعاً صلّى أم اثنتين وهو قاعـد ، قال : يركع ركعتين وأربع سجدات ويسلّم ، ثمّ يسجد سـجدتين وهو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 220 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 3 .
(2) الوسائل 8 : 212 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1 ، 3 ، 4 .
(3) الوسائل 8 : 212 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1 .
(4) الوسائل 8 : 221 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 8 .
ــ[193]ــ
جالس» (1) .
وقد يقال بأنّ مقتضى الجمع بينهما وبين النصوص المتقدّمة هو الالتزام بالتخيير بين البناء على الأقلّ وسجود السهو للزيادة المحتملة ، وبين البناء على الأكثر وهذا هو مستند القول بالتخيير بينهما في المقام .
وفيه : ما عرفت من أنّ الجمع بالحمل على التخـيير إنّما يتّجه في الأوامر النفسية فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب التعييني إلى التخييري ، لا في مثل المقام ممّا كان الأمر إرشاداً إلى تصحيح العمل وكيفية العلاج ، فانّ الحمل المزبور في مثل ذلك ليس من الجمع العرفي في شيء ، ولا سيما وفي بعض تلك النصوص ما يأبى الحمل على التخيير كقوله في رواية عمّار: «ألا اُعلِّمك شيئاً... » إلخ ، حيث يظهر منها أنّ كيفية العلاج منحـصرة بالبناء على الأكثر ، رعاية لسلامة الصلاة عن الزيادة المبطلة وصوناً لها عمّا يحتمل القدح الموجود في البناء على الأقلّ ، فكيف يحتمل إرادة التخيير بينهما .
على أنّ صحيحة زرارة (2) كالصريح في نفي ذلك ، للاهتمام الأكيد والمبالغة التامّة المبذولة لنفي البناء على الأقل بالعبائر المختلفة والفقرات المتعدّدة ، المتضمّنة لعدم ضمّ الركعة المشكوكة بالمتيقّنة ، وأ نّه لا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر، وغير ذلك من الفقرات الستّ أو السبع ، فانّ هذه العناية الخاصّة والتأكيد البليغ تنافي التخيير أشدّ المنافاة . فلا مناص من الالتزام بالمعـارضة وعدم إمكان الجمع المزبور بوجه .
والذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحتين المتضمّنتين للبناء على الأقلّ موافقتان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 221 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 9 .
(2) المتقدمة في ص 187 .
|