ولا يقاس المقـام بما لو شكّ بين الثلاث والأربع حال الجلـوس فبنى على الأربع وتشهّد ثمّ غفل وقام إلى الركعة الاُخرى سهواً ، المحكوم فيه بوجوب سجدتي السهو لأجل القيام الزائد بلا إشكال مع احتمال كونه في محلّه بحسب الواقع ، فلم يكن محرزاً للزيادة عند حدوثه .
للفرق الواضح بينه وبين ما نحن فيه ، إذ بعد أن حكم الشارع هناك بالبناء على الأربع فالركعة التي بيده محـكومة ظاهراً بأ نّها الرابعة ، ويجب أن يتعامل معها معاملة الرابعة الواقعية التي منها اتصاف ما يزيد عليها بصفة الزيادة منذ حدوثه ، فالقيام بعد ذلك إحداث للزائد من أوّل الأمر ، وبما أ نّه سهوي فهو موجب لسجدتي السهو .
وهذا بخلاف المقـام ، فانّ القيام هنا قد حصل قبل الشكّ ، ولم يكن آنذاك محكوماً بالزيادة ، وإنّما اتصف بها بعد عروض الشكّ وحكم الشرع بالبناء على الأربع المستلزم للهدم ، فقد طرأت له صفة الزيادة فيما بعد . وقد عرفت أنّ أدلّة الزيادة منصرفة عن مثل ذلك . فلا موجب لسجود السهو في المقـام كما ذكرناه . وبذلك يظهر الفرق بين القسم الأخير وما عداه من الفروض الثلاثة كما صنعه في المتن .
ــ[206]ــ
كما أنّ الأحوط في الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس العمل بموجب الشكّين ثمّ الاستئناف (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بعدما فرغ (قدس سره) من حكم الشكوك الباطلة وهي ثمانية ، ومن حكم الشكوك الصحيحة وهي تسعة حسبما مرّ، تعرّض (قدس سره) لحكم الشكّ المركّب من شكّين صحيحين ، وذكر له فرعين ، وحكم بأنّ مقتضى الاحتياط العمل بموجب الشكّين ثم الاستئناف .
أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس ، فانّه مؤلّف من الشكّ بين الاثنتين والأربع وحكمه البناء على الأربع والإتيان بركعتي الاحتياط قائماً والشكّ بين الأربع والخمس وحكمه البناء على الأربع والإتيان بسجدتي السهو.
ثانيهما : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، فانّه مؤلّف من الشكّ بين الثلاث والأربع والشكّ بين الأربع والخمس ، فيعمل بموجب الشكّين في كلّ منهما ، هذا .
ولا ينحصر الشكّ المزبور في هذين الفرعين، بل هناك فرع ثالث وهو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس، فانّه أيضاً مركّب من شكّين صحيحين منصوصين ، أحدهما : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر : الشكّ بين الأربع والخمس .
وكيف ما كان ، فلعلّ المعروف والمشهور أنّ الشكّ المركّب محكوم بالصحّة فانّه وإن لم يكن بخصـوصه مورداً للنصّ ، إلاّ أ نّه ينحلّ إلى شكّين بسيطين يجري في كلّ منهما حكمه ، عملاً باطلاق دليله الشامل لصورتي الاقتران بشكّ آخر وعدمـه . فالشكّ في المركّب تابع للبسـائط ومحكوم بأحكامها ، والهيئة الاجتماعية غير مانعة عن ذلك بعد إطلاق أدلّة البسائط . وهذا هو الظاهر من عنوان صاحب الوسائل .
ــ[207]ــ
وناقش فيه صاحب الجواهر (قدس سره) (1) نظراً إلى انصراف الأدلّة إلى صورة انفراد الشكّ وبساطته وعدم انضمامه مع شكّ آخر ، فالمركّب خارج عن إطلاق أدلّة البسائط ، فهو عار عن النصّ ، ومثله محكوم بالبطلان .
وعن العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) (2) دعوى الإجماع على البطلان فيما لو كان الشكّ مركّباً من صحـيح وباطل ، وأنّ محلّ الكلام ما لو كان مركّباً من شكّين صحيحين ، هذا .
والذي ينبغي أن يقال في المقـام ـ بعد وضوح أنّ محلّ الكلام ما إذا كان احتمال الخمس طرفاً للتركيب ، وإلاّ فالشكّ فيما دونه كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، الملفّق من الشكّ بين الاثنتين والأربع ، والثلاث والأربع بخصوصه مورد للنصّ كما مرّ ـ : إنّ نصوص الشكّ بين الأربع والخمس كلّها ظاهرة في الاختصاص بحالة الانفراد ، كقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً ... » إلخ (3) .
فانّ الظاهر من مثل هذا التعبير ـ وكلّ نصوص الباب من هذا القبيل ـ أنّ مورد الشكّ دائر بين الأربع والخمس على سبيل منع الخلوّ ، وهو الشكّ البسيط بحيث لم يكن ثمة احتمال ثالث ، فلو انضمّ معه احتمال آخر كالثلاث خرج الشكّ عن كونه بنحو منع الخلوّ الذي هو المتراءى والمنسبق إلى الذهن من مثل ذاك اللسان. فلا ينبغي الترديد في خروج فرض التركيب عن منصرف هذه النصوص. ودعوى الإطلاق فيها غير مسموعة .
وهكذا الحال في نصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، أو الثنتين والأربع، فانّ بعضها وإن لم تكن بهذا اللسان إلاّ أنّ كثيراً منها مشـتمل على التعبير المزبور
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 12 : 360 .
(2) حكاه عنه في الجواهر 12 : 360 .
(3) تقدّمت في ص 198 .
ــ[208]ــ
الظاهر في القضية المنفصلة مانعة الخلوّ كما لا يخفى على من لاحظها ، فلا تعمّ صورة انضمام احتمال الخمس بتاتاً .
وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في عدم مشـمولية الشكوك المركّبة لأدلّة البسـائط ، وحيث لم يرد فيها نصّ خاصّ فلا مناص من الحكم بالبطلان إمّا لقاعدة الاشتغال أو لإطلاق صحيحة صفوان (1) .
وقد يستدلّ للبطلان في الفرعين المتقدّمين باستلزامهما لانضمام شكّ ثالث باطل ، وهو الشكّ بين الثنتين والخمس في الأوّل ، والثلاث والخمس في الثاني فانّ محلّ الكلام فيهما حدوث الشكّ بعد تمام الركعة كما لا يخفى، وحينئذ فيندرجان في معقد الإجمـاع المدّعى في كلام العلاّمة الطـباطبائي على البطلان في الشكّ المركّب من صحيح وباطل .
أقول : مراد السيّد الطباطبائي (قدس سره) ممّا ادّعاه في معقد الإجماع ما إذا كان الشكّ الباطل المنضمّ إلى الصحيح على وجه لم يكن قابلاً للتصحيح ، ولم يكن ثمة مؤمّن عنه ، كالشكّ بين الثنتين والأربع والستّ المركّب من الشكّ بين الثنتين والأربع الصحيح ، والأربع والستّ الباطل ، فانّ الثاني غير قابل للإصلاح بوجه .
وهذا بخلاف المقام، فانّ الشكّ بين الثنتين والخمس والثلاث والخمس المحكوم بالبطلان في حدّ نفسه وإن كان هنا موجوداً أيضاً ، إلاّ أ نّه بعد حكم الشارع بالبناء على الأربع وإلغاء الخمس بمقتضى فرض الشكّ بينهما ـ الذي هو أحد طرفي الشكّ المركّب في الفرعين المزبورين ـ فاحتمال الخمس ساقط ، ووجوده كالعدم ، لكونه ملغى في نظر الشارع بعد حكمه بالبناء المذكور . وبذلك يعالج الشكّ الباطل المزبور لوجود المؤمّن عنه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتقدّمة في ص 151 .
ــ[209]ــ
[ 2039 ] مسألة 3 : الشكّ في الركعات ما عدا هذه الصّور التسعة موجب للبطلان كما عرفت(1)، لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً والأكثر باطلاً كالثلاث والخمس والأربع والستّ ونحو ذلك البناء على الأقلّ والإتمام ثمّ الإعادة ، وفي مثل الشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يجوز البناء على الأكثر الصحيح وهو الأربع والإتمام وعمل الشكّ بين الثلاث والأربع ثمّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعبارة اُخرى : بعد فرض تسليم شمول أدلّة البسـائط للمركّبات كما هو المفروض في كلام المستدلّ ، فالشكّ بين الأربع والخمس الذي هو طرف للمركّب محكوم بالبناء على الأقلّ بحكم الشرع ، الراجع إلى نفي الزائد هنا بالاستصحاب المعـتبر لدى العامّة في جميع الأبواب ، فبعد تأمينه عن احتمال الخمس ونفيه بالأصل الذي هو حجّة في خصوص المقام ، فبطبيعة الحال يرتفع الشكّ المبطل وتنحـصر أطراف المركّب في الشكوك الصحـيحة ، فيخرج عندئذ عن معـقد الإجماع المدّعى في كلامه (قدس سره) .
فالصحيح هو منع الإطلاق في تلك الأدلّة كما عرفت . وحيث إنّ إطلاقات البناء على الأكثر غير شاملة للمقام أيضاً كما لا يخفى ، فلا مناص من الحكم بالبطلان ، لقاعدة الاشتغال أو إطلاق صحيحة صفوان .
(1) أي عرفت البطلان فيما عدا التسع من القيود المأخوذة في موضوع الشكوك التسعة الصحيحة التي تقدّمت الإشارة إليها ، مثل قيد بعد الإكمال المأخوذ في الشكّ الخامس ، حيث يعرف منه بطلان الشكّ بين الأربع والخمس لو كان قبل إكمال السجدتين لخروجه عن مورد النصّ كما مرّ، ومثل قيد حال القيام المأخوذ في الشكّ السادس إلى التاسع، الذي يظهر منه البطلان لو كان الشكّ حال الركوع لامتناع تصحيح الصلاة حينئذ كما مرّت الإشارة إليه (1) . وبالجملة : البطلان فيما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 202 .
ــ[210]ــ
الإعادة ، أو البناء على الأقلّ وهو الثلاث ثمّ الإتمام ثمّ الإعادة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدا الصور التسع معلوم ممّا سبق ، وقوله : كما عرفت ، إشارة إلى ذلك .
(1) أفاد (قدس سره) أنّ في موارد الشكوك الباطلة وإن جاز رفع اليد عن الصلاة لكنّ الأحوط البناء على الأقلّ لو كان هو الصحيح ، ونفي الزائد الباطل بالأصل ، كما في الشكّ بين الثلاث والخمس بعد الدخول في الركوع ، والشكّ بين الأربع والستّ ، فيتمّها ثمّ يعيدها ، كما أ نّه لو كان في البين أكثر صحيح كالشكّ بين الثلاث والأربع والستّ يبني عليه ويعمل عمل الشكّ بين الثلاث والأربع أو يبني على الأقلّ وهو الثلاث وينفي الزائد بالأصل ثمّ يعيدها بعد الإتمام .
أقول : إن اُريد من الاحتياط المزبور رعاية مجرّد احتمال الصحّة الواقعية لم يكن به بأس ، فانّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، وإلاّ فهو بحسب الصناعة ضعيف جدّاً، لابتنائه على مراعاة دليل حرمة قطع الفريضة المحتمل شموله للمقام والذي كان هو المستند في وجوب العمل بأحكام الشكوك الصحيحة في مواردها وإلاّ فأدلّة الشكوك غير ناظرة إلاّ لبيان كيفية العلاج والإرشاد إلى طريقة التصحيح ، ولا تعرّض فيها لوجوب العمل بمقتضياتها ، بحيث لولا دليل حرمة القطع لأمكن القول بجواز رفع اليد عن الصلاة وترك العمل بتلك الأدلّة ، لما عرفت من عدم كونها بصدد البيان إلاّ من تلك الجهة .
لكنّ الدليل المذكور غير شامل للمقام قطعاً ، فانّ مستنده الإجماع المدّعى على حرمة القطع ، وهو لم تمّ خاصّ بما إذا تمكّن المصلي من إتمام الصلاة صحيحاً والاقتصار عليها والاجتزاء بها في مقام الامتثـال ، فشموله للصلاة المحكومة بالبطلان ولو ظاهراً التي لا يجوز الاكتفاء بها في مقام تفريغ الذمّة ـ كما فيما نحن فيه ـ غير معلوم ، بل معلوم العدم كما لا يخفى . فلا مقتضي للاحتياط إلاّ مجرّد الاحتمال العاري عن كلّ دليل .
|