ــ[211]ــ
[ 2040 ] مسألة 4 : لا يجوز العمل بحكم الشكّ من البطلان أو البناء بمجرّد حدوثه ، بل لا بدّ من التروّي ((1)) والتأمّل حتّى يحصل له ترجيح أحد الطرفين أو يستقر الشكّ ، بل الأحوط في الشكوك غير الصحيحة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقع الكلام تارة في الشكوك الصحيحة ، واُخرى في غير الصحيحة .
أمّا الأوّل : فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم وجوب التروّي ، لصدق عنوان الشكّ المأخوذ موضوعاً فيها بمجرّد حدوثه ، كما هو الحال في سائر موارد الشكوك المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية الظاهرية كالاستصحاب وأصل البراءة ونحوهما ، إذ لا فرق بينها وبين المقام في اقتضـاء إطلاق الدليل عدم اعتبار التروّي .
وعلى تقدير التسليم فغايته اعتبـار التروّي في ترتيب أثر الشكّ والعمل به لا في جواز المضيّ في الصلاة متروّياً كي يتّضح الحال ويرتّب الأثر بعدئذ ، كما لو شكّ في حال القيام بين الثلاث والأربع ، فانّه لا مانع حينئذ من الاسترسال والمضيّ في الصلاة وهو مشغول بالتروّي إلى أن يرفع رأسه من السجدة الثانية فان استقرّ رأيه وإلاّ بنى على الأربع ، فانّ هذه الركعة محكومة بالصحّة الواقعية على كلّ تقدير كما لا يخفى .
وبالجملة : فلم نجد ما يدلّ على لزوم المكث والكفّ لدى عروض الشكّ والانتظار والتروّي ثمّ المضيّ في الصلاة حتّى فيما إذا لم يظهر أثر الشكّ في هذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط ، ولا يبعد عدم وجوبه .
ــ[212]ــ
الحال ، فانّ الإطلاقات دافعة لهذا الاحتمال ، ومؤيّدة بما ورد من دخول الوهم في الأخيرتين وعدم دخوله في الأولتين ، فانّ المراد بعدم الدخول عدم المضيّ فيهما مع الشكّ بلا إشكال ، فيراد بالدخول بقرينة المقابلة جواز المضي .
وملخّص الكلام : أنّ وزان الشكّ المأخوذ في المقـام وزان أخذه في أدلّة الاُصول العملية ، وهو لغة خلاف اليقين ، والمكلّف الملتفت لا يخلو من أحدهما فمتى حصل الشكّ فهو جاهل بالفعل حقيقة ، فيجري عليه حكمه وإن لم يتروّ بمقتضى إطلاق الأدلّة .
ولو قطعنا النظر عنه فلا مانع من المضيّ على الشكّ حتّى يستقرّ أو يتبدّل فيرتّب الأثر فيما بعد، لأنّ دليل عدم جواز المضيّ عليه مختصّ بالاُوليين بمقتضى النصوص الواردة فيهما ، ولم يرد نصّ في الأخيرتين ، فلا مانع من الاسترسال في العمل متروّياً ، فيأتي به على واقعه ، لتعلّق الأمر به وصحّته على كلّ تقدير .
فاحتمال وجوب الانتـظار والتروّي في الركعـتين الأخيرتين ضعيف جدّاً لإطلاق الأدلّة وكون الجواز هو مقتضى القاعدة كما عرفت .
وأمّا الثاني أعني التروّي في الشكوك غير الصحيحة كالشكّ في الأولتين، أو في صلاة المغرب فقد ذكر في المتن وجوبه أيضاً ، بل ذكر أنّ الأحوط استدامة التروّي إلى أن تنمحي صورة الصلاة أو يحصل اليأس من العلم أو الظنّ ، وإن كان الأقوى جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ .
وتفصيل الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :
الاُولى : هل الشكّ في الاُوليين موجب للبطلان بمجرّد حدوثه وإن ارتفع بقاءً ، فمسمّى الشكّ ناقض للصلاة كالحدث والاسـتدبار ، أو أنّ الممنوع هو الاستمرار والمضيّ على الشكّ للزوم حفظ الاُوليين ، فلا يقدح عروضه بعدما تبدّل وانقلب إلى اليقين أو إلى الظنّ على القول بحجّيته في باب الركعات؟ وجهان
ــ[213]ــ
بل قولان .
ربما يتراءى من بعض النصوص الأوّل ، كصحيحة زرارة : «رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين ، قال : يعيد» (1) ، فانّ ظاهرها أنّ مجرّد الشكّ مبطل . وقد مرّ غير مرّة أنّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد . ونحوها غيرها .
ولكن بازائها روايات اُخرى معتبرة دلّت على أنّ البطلان إنّما هو من أجل عدم جواز المضيّ على الشكّ ، وعدم حصول الامتثال ما لم يكن حافظاً للاُوليين وضابطاً لهما، وأنّ الغاية من الإعادة المأمور بها إنّما هي إحراز الاُوليين وتحصيل الحفظ واليقين ، فلا مقتضي لها لو زال الشكّ وتبدّل إلى اليقـين ، فتكون هذه النصوص شارحة للمراد من الطائفة الاُولى ، وهي كثيرة :
منها : صحيحة زرارة : «كان الذي فرض الله على العباد ـ إلى أن قال : ـ فمن شكّ في الأولتين أعاد حتّى يحفظ ويكون على يقين ... » إلخ (2) .
وصحيحة ابن مسلم : «عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين قال : يستقبل حتّى يستيقن أ نّه قد أتمّ ... » إلخ (3) .
وصحيحة ابن أبي يعفور : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أم في أربع ، فأعد ولا تمض على الشكّ» (4) ونحوها غيرها ، وهي صريحة فيما ذكرناه . إذن فاحتمال البطلان بمجرّد الشكّ ضعيف جدّاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 189 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 6 .
(2) الوسائل 8 : 187 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1 .
(3) الوسائل 8 : 189 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 7 .
(4) الوسائل 8 : 226 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 2 .
|