ــ[217]ــ
[ 2041 ] مسألة 5 : المراد بالشكّ في الركعات تساوي الطرفين ، لا ما يشمل الظنّ(1) فانّه في الركعات بحكم اليقين ، سواء كان في الركعتين الأوّلتين والأخيرتين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشروع في العمل ثابت بعد الشروع أيضاً بمناط واحد . فكما كان مخـيّراً من قبل بين كلّ واحد من الأفراد فكذا مخيّر بعد الشروع بين إتمام العمل وبين رفع اليد والتبديل بفرد آخر .
هذا ما تقتضـيه القاعدة الأوليـة في عامّة المركّبات ، خرجـنا عن ذلك في خصوص باب الصلاة ، للإجماع القائم على حرمة القطع ووجوب الإتمام ، فليس له رفع اليد بعدما شرع . إلاّ أنّ مورد الإجماع إنّما هي الصلاة الصحيحة التي يتمكّن المصلّي من إتمامها ، وأمّا الصلاة المحكومة بالبطلان في ظاهر الشرع لجهة من الجهات التي منها عروض الشكّ المبطل الممنوع من المضيّ معه ـ كما في المقام ـ فليس هناك مظنّة الإجماع ، ولا مورد توهّمه قطعاً .
إذن فيجري فيها ما ذكرناه في تقرير القاعدة من جواز رفع اليد بعدما شرع من غير حاجة إلى الإبطال ، وإن كانت محكومة بالصحّة واقعاً ، هذا .
مضافاً إلى إطلاق الأمر بالإعادة الوارد في المقام ، فانّ مقتضاه عدم الفرق بين الإبطال قبل الشروع في الإعادة وعدمه . وهذا الإطلاق مؤيّد للقاعدة المزبورة ومؤكّد لها ، بحيث لو نوقش فيه بدعوى عدم كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة كانت القاعدة كافية في إثبات المطلوب ، وإن كانت المناقشة ضعيفة جدّاً .
(1) فالأحكام المتقدّمة المترتّبة على الشكّ من البطلان أو البناء على الأكثر ونحوهما موضوعها الشكّ المقابل للظنّ ، أعني تساوي الاحتمالين واعتدال الوهم لا ما يقابل اليقـين الذي هو معناه اللغوي ، لحجّـية الظنّ بالخصوص في باب
ــ[218]ــ
الركعات وكونه بحكم اليقين ، هذا .
ويقع الكلام تارة في الركعتين الأخيرتين ، واُخرى في الاُوليين .
أمّا في الأخيرتين : فلا إشكال كما لا خلاف في حجّية الظن ، عدا ما ربما ينسب إلى الصدوق من إلحاقه بالشكّ وإجراء حكمه عليه (1) . وهو على تقدير صدق النسبة ضعيف جدّاً لا يعبأ به .
إنّما الكلام في مستنده بعد أن كان مقتضى الأصل عدم حجّية الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً ، فنقول : مستند الحكم التصريح في النصوص باعتدال الوهم وأ نّه متى وقع وهمه أو رأيه على أحد الطرفين بنى عليه . لكن مورد النصوص خصوص الشكّ بين الثلاث والأربع ، والاثنتين والأربع .
فمن الأوّل صحيحة أبي العباس : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلّم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس» (2) .
ومن الثاني صحيحة الحلبي : «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ، ثمّ صلّ ركعتين ... » إلخ (3) .
ولم يرد في غير هذين الموردين من سائر موارد الشكّ في الأخيرتين ـ كالشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع ، والأربع والخمس ـ نصّ خاصّ يدلّ على كفاية الظنّ وحجّية الوهم ، لعراء ألسنتها عن مثل ذاك التعبير الوارد فيهما ، فيحتاج التعدّي عن موردهما إلى الدليل .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ لم نعثر عليه في مظانّه ] .
(2) الوسائل 8 : 211 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1 .
(3) الوسائل 8 : 219 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1 .
ــ[219]ــ
وقد استدلّ له بالقطع بعدم الفـرق ، لعدم القول بالفصل ، المؤيّد بالنبـويّين المرويّين عن طرق العامّـة : «إذا شكّ أحـدكم في الصلاة فليـنظر أحرى ذلك إلى الصّواب فليبن عليه»(1) وفي الآخر : «إذا شكّ أحدكم في صـلاته فليتحرّ الصّواب»(2) .
لكنّ النبـويّ لا حجّية فيه . وعدم القول بالفصل إن أفاد الجزم فلا كلام وإلاّ فيشكل الاعتماد عليه .
والأولى أن يقال : يكفينا في إثبات الحكم لعامّة الموارد إطلاق صحيحة صفوان : «إن كنت لاتدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة» (3) فانّها تدلّ على حكمين :
أحدهما : بمقتضى مفهوم الشرط، وهو عدم وجوب الإعادة لدى وقوع الوهم على شيء ، وأ نّه يعمل على طبق الظنّ الذي هو المراد من الوهم في المقام .
ثانيهما : وجوب الإعادة مهما تعلّق الشكّ بالركعات .
لكن الثاني مقيّد بغير الشكوك الصحيحة بمقتضى النصوص الخاصّة كما مرّ وأمّا الأوّل فهو باق على إطلاقه ، لسلامته عن التقييد ، ومقتضاه جواز العمل بالظنّ في جميع الركعات ، سواء أتعلّق بالأقلّ أم بالأكثر .
نعم ، بازاء هذه النصوص روايات اُخرى يظهر منها عدم حجّية الظنّ، وإجراء حكم الشكّ عليه .
منها : ما رواه في الكافي باسناده عن محمّد بن مسلم قال : «إنّما السهو بين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح مسلم 1 : 400 / 90 ، سنن النسائي 3 : 28 [ وفيهما : فليتمّ عليه ] .
(2) صحيح مسلم 1 : 400 / 90 ، سنن النسائي 3 : 28 [ وفيه : فليتحرّ الذي يرى أنه الصواب ] .
(3) الوسائل 8 : 225 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 15 ح 1 .
ــ[220]ــ
الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة . ومن سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً واعتدل شكّه ، قال : يقوم فيتمّ ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ، ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ، ثمّ قرأ وسجد سجدتين وتشهّد وسلّم ... » إلخ (1) .
فانّ قوله : «فان كان أكثر وهمه...» إلخ صريح في إلحاق الظن بالشكّ، لإجراء حكمه عليه من الإتيان بصلاة الاحتياط .
وفيه أوّلاً : أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، لحكمه في الصدر بالبناء على الأقل لدى الشكّ بين الثلاث والأربع ، من جهة أمره بالقيام والإتمام ، وهذا كما ترى مخالف للنصوص الكثيرة المتظافرة الدالّة على البناء على الأكثر حينئذ والمتسالم عليه بين الأصحاب كما مرّ .
أضف إلى ذلك أنّ حكمه بصلاة الاحتياط في هذه الصورة لا يناسب البناء على الأقلّ ، لأ نّها لتدارك النقص المحتمل، وبعد البناء المزبور ليس هناك إلاّ احتمال الزيادة دون النقصان. فهي من أجل اشتمال صدرها على ما لا يقبل التصديق غير صالحة للاستدلال بها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو حمل الأمر بركعة الاحتياط في الفقرة المستشهد بها لمحلّ الكلام على الاستحباب .
وثانياً ـ وهو العمدة ـ : أ نّه لم يثبت كونها رواية عن المعصوم ، إذ لم يسندها ابن مسلم إلى الإمام (عليه السلام) بل ظاهرها أنّ ذلك هو رأيه وفتواه . ولا حجّية لرأيه ما لم يسنده إليه (عليه السلام) ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك عند التكلّم حول هذه الصحيحة (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 217 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 4 ، الكافي 3 : 352 / 5 .
(2) في ص 189 .
|