ــ[264]ــ
[ 2060 ] مسألة 24: قد مرّ سابقاً أ نّه إذا عرض له الشكّ يجب عليه التروّي(1) حتّى يستقرّ((1)) أو يحصل له ترجيح أحد الطرفين ، لكن الظاهر أ نّه إذا كان في السجدة مثلاً وعلم أ نّه إذا رفع رأسه لا يفوت عنه الأمارات الدالّة على أحد الطـرفين جاز له التأخير إلى رفع الرأس ، بل وكذا إذا كان في السجدة الاُولى مثلاً يجوز له التأخير إلى رفع الرأس من السجدة الثانية وإن كان الشكّ بين الواحدة والاثنتين ((2)) ونحوه من الشكوك الباطلة . نعم لو كان بحيث لو أخّر التروّي يفوت عنه الأمارات يشكل جوازه ((3)) خصوصاً في الشكوك الباطلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكن المصير إليه ، ولم يلتزم به أحد ، ولا فرق بين الزوال في الأثناء أو بعد الصلاة من هذه الجهة كما لا يخفى .
فاتّضح أنّ الأقوى هو البطلان وعدم جواز المضيّ على الشكّ في جميع موارد الشكوك الباطلة .
(1) قد عرفت سابقاً (4) عدم الدليل على وجوب التروّي ، فيرتّب الأثر من البطلان أو البناء على الأكثر بمجرّد عروض الشكّ ، وأمّا بناءً على الوجوب كما عليه الماتن فقد ذكر (قدس سره) أ نّه لو عرض الشكّ وهو في السجدة مثلاً وعلم بعدم فوت الأمارات الدالّة على أحد الطرفين لو رفع الرأس جاز له تأخير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرّ أ نّه لا يبعد عدم وجوبه .
(2) مرّ المنع فيه آنفاً .
(3) الظاهر جوازه في غير الشكوك الباطلة .
(4) في ص 211 وما بعدها .
ــ[265]ــ
[ 2061 ] مسألة 25 : لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى بصلاته القصر وشكّ في الركعات (1) بطلت وليس له العدول ((1)) إلى التمام والبناء على الأكثر ، مثلاً إذا كان بعد إتمام السجدتين وشكّ بين الاثنتين والثلاث لا يجوز له العدول إلى التمام والبناء على الثلاث على الأقوى ، نعم لو عدل إلى التمام ثمّ شكّ صحّ البناء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التروّي إلى رفع الرأس ، وكذا يجوز التأخير من السجدة الاُولى إلى رفع الرأس من السجدة الثانية ، من غير فرق في ذلك بين الشكوك الصحيحة والباطلة واستثنى من ذلك ما لو اسـتوجب التأخير فوات الأمارات ، لإخلاله حينئذ بالتروّي الواجب عليه .
أقول : أمّا في الشكوك الباطلة فقد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة فانّ المقام من فروع تلك المسألة ومترتّب عليها ، وحيث عرفت هناك عدم جواز المضيّ على الشكّ والبقاء على الاشتغال فيما لو علم بزوال الشكّ لدى الانتقال إلى حالة اُخرى ، فكذا في المقام، بل الحكم هنا بطريق أولى كما لايخفى .
وأمّا في الشكوك الصحيحة فالظاهر جواز التأخير ما لم تفت عنه الأمارات لعدم المنافاة بين المضيّ والتروِّي، نعم مع فواتها قطعاً أو احتمالاً لا يجوز التأخير لاستلزامه الإخلال بالتروّي ، وحيث عرفت أنّ الأقوى عدم وجوبه فلا مانع من التأخير مطلقاً في غير الشكوك الباطلة كما ظهر وجهه ممّا مرّ فلاحظ .
(1) كالشكّ بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال ففي جواز العدول إلى التمام والبناء على الأكثر ، أو وجوبه فراراً عن لزوم الإبطال المحرّم بعد التمكن من إتمامها صحيحة ، أو عدم الجواز وجوه ، بل أقوال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر جوازه ، والأحوط الإعادة بعد الإتمام .
ــ[266]ــ
اختار الماتن (قدس سره) عدم الجـواز ، نظراً إلى قصور دليل العدول عن الشمول لمثل المقام ، لاختصاصه بما إذا كانت الصلاة المعدول عنها صحيحة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن العدول ، فيعدل عن صلاة صحيحة إلى مثلها ، ولا يعمّ ما إذا كان التصحيح مستنداً إلى العدول كما في المقام . فلا مناص من الحكم بالبطلان .
وهذا الكلام متين جدّاً بحسب الكبرى ، فيعتبر في جواز العدول المفروغية عن صحّة المعدول عنها لولا العدول ، ومن ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر مثلاً بين الثنتين والثلاث أو الثنتين والأربع بعد الإكمال ليس له العدول منها إلى صلاة رباعية قضائية ثمّ البناء على الأكثر بلا إشكال . والسر أنّ دليل العدول لايتكفّل التصحيح ، بل لا بدّ من إحراز الصحّة في مرتبة سابقة على العدول .
إلاّ أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة من أنّ مرجع التخيير بين القصر والتمام إلى إلغاء كلّ من الخصوصيتين وإيجاب القدر الجامع بينهما ، وأنّ له أن يسلّم على ركعتين أو أن يسلّم على الأربع ، فمتعلّق الوجوب ليس إلاّ الجامع بين بشرط شيء وبشرط لا، وكلّ من خصوصيتي القصر والتمام خارجتان عن حريم الأمر، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري ، من غير فرق بين التخيير العقلي والشرعي (1) .
فالواجب في التخيير بين الخصال إنّما هو الجامع الانتزاعي المنطبق على كلّ من الأطراف ، فكلّ طرف مصداق لما هو الواجب، لا أ نّه بخصوصه متعلّق للوجوب ولو تخييراً، وواضح أنّ اختيار المكلّف أحد الأطراف لا يوجب اتّصافه بالوجوب وتعلّق الأمر به بالخصوص ، بل الواقع باق على حاله ولا يتغيّر ولا ينقلب عمّا هو عليه بسبب الأخذ والاختيار ، بل هو قبل الأخذ وبعده على حدّ سواء .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 17 : 148 .
ــ[267]ــ
وعلى الجملة : مرجع الوجوب التخييري إلى إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع ، المستلزم لأن يكون أمر التطبيق بيد المكلّف ، ولا ينصرف الأمر من الجامع إلى الفرد لدى اختيار التطبيق على أحد الأطراف ، بل حاله قبل التطبيق وبعده سيّان من هذه الجهة .
وعليه فاختيار المسافر الصلاة قصراً ونيّته لها لايستوجب اتّصافها بالوجوب بل حاله بعد الشروع فيها كحاله قبله في كون الواجب إنّما هو الجامع بينها وبين التمام ، والتخيير الثابت من ذي قبل بعينه ثابت فعلاً ، من غير فرق بين ما قبل عروض الشكّ وما بعده .
وليس هذا من التخيير بين الصحيح والفاسد كما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (1) ، لما عرفت من أنّ معنى التخيير إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع . وهذا المعنى باق فعلاً كما كان ثابتاً قبلاً .
وعليه فلا مانع من شمول الإطلاق في دليل البناء على الأكثر لمثل المقـام لأنّ الموضوع لهذا الحكم ليس هو الصلاة الرباعية بخصوصها ، بل كلّ صلاة لم تكن ثنائية ولا ثلاثية بمقتضى التخصيص بهما الثابت من الخارج .
وهذا الموضوع بعينه منطبق على المقام، لما عرفت من أنّ الواجب على المسافر في مواطن التخيير ليس هو الصلاة الثنائية وإن اخـتارها ونواها خارجاً ، بل الجامع بينها وبين الرباعية ، فيشـمله إطلاق الدليـل ، ويجب عليه البـناء على الأكثر من غير حاجة إلى نيّة العدول ، بل هو عدول قهري ، لكونه محكوماً بوجوب البناء على الأكثر بحكم الشارع ، المستلزم لإتمام الصلاة تماماً .
ومن هنا قد يقوى في بادئ النظر وجوب العدول ، لكونه مأموراً بالتمام بعد حكم الشارع بوجوب البناء على الأكثر بمقتضى إطلاق الدليل كما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 12 : 308 .
|