حقيقة صلاة الاحتياط من حيث الجزئية والاستقلال - وجوب سجود السهو لو تكلّم ساهياً قبل صلاة الاحتياط 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5476


   وبلحاظ الجزئية تجب المبادرة إليها بعد الصلاة من غير فصل مضرّ بالهيئة الاتصالية، وأن لايأتي بالمنافيات بينها وبين الصلاة الأصلية من حدث واستدبار ونحوهما، ولو أتى بذلك فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة، رعاية للقول بوجوبها مستقلاًّ ، وإلاّ فعلى القول بكونها جزءاً متمّماً يقتصر على الإعادة ، هذا .

   ولايخفى أنّ حكمه (قدس سره) بوجوب المبادرة بعد الفراغ إنّما هو من أجل اعتبار التوالي بين الأجزاء ، حذراً من الفصل الطويل المخلّ بالهيئة الاتصالية الذي هو بنفسه من أحد المنافيات ، وإلاّ فلا دليل على وجوب المبادرة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن استلزام تركها لارتكاب المنافي .

   وعليه فقوله (قدس سره) بعد ذلك : وعدم الإتيان بالمنافيات ، ليس حكماً آخر مغايراً لوجوب المبادرة ، بل الأوّل من مصاديق الثاني ، فعطفه عليه من قبيل عطف العام على الخاص ، وحينئذ فالاحتياط المذكور بعد ذلك من الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة لو ارتكب المنافي عائد إلى كليهما ، وليس مختصّاً بالأخير ليورد عليه بعدم الموجب للتفكيك كما لا يخفى .

   وكيف ما كان ، فقد وقع الخلاف بينهم في أنّ صلاة الاحتياط هل هي صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصـلية ، وكلّ منهما عمل مستقلّ لا مساس لأحدهما بالآخر ، غير أ نّهما وجبا بوجوب واحد ، فانقلبت الصلاة الرباعية التي اشتغلت بها الذمّة قبل عروض الشكّ إلى صلاتين مستقلّتين ـ وهما الصلاة البنائية وصلاة الاحتياط ـ لا ارتباط بينهما إلاّ من حيث وحدة التكليف المتعلّق بهما، نظير نذر صوم يومين أو نذر صوم يوم والإتيان بصلاة جعفر (عليه السلام)

ــ[278]ــ

في ذلك اليوم .

   فكما أنّ صوم كلّ من اليومين أو الصلاة والصيام كلّ منهما عمل مستقلّ غير مرتبط أحدهما بالآخر وإن وجبا بوجوب واحد ناشئ من قبل النذر ، فكذا في المقام. ونتيجة ذلك جواز الفصل بينهما وعدم وجوب المبادرة كجواز الإتيان بسائر المنافيات. وهذا القول منسوب إلى ابن إدريس(1) وجماعة .

   أو أ نّها جزء متمّم من الصلاة الأصلية على تقدير النقص تتركّب الصلاة منهما  كتركّبها من ركعاتها لولا عروض الشكّ، كما أ نّها نافلة على التقدير الآخر ؟ ونتيجة ذلك وجوب المبادرة إليها وعدم جواز تخلّل المنافيات ، كما كان هو الحال بالنسبة إلى الركعات .

   ثمّ إنّ أصحاب هذا القول قد اختلفوا ، فمنهم ـ وهم المشهور ـ ذهبوا إلى أنّ هذه الجزئية حقيقية واقعـية ، وأنّ التكليف بأربع ركعـات الثابت قبل طروء الشكّ قد انقلب واقعاً إلى التكليف بالصلاة البنائية المتعقّبة بركعة الاحتياط .

   فتلك الركعة جزء حقيقي من الصلاة الأصلية على تقدير نقصها ، غاية الأمر أنّ ظرفها ومحلّها قد تغيّر وانقلب إلى ما بعد السلام، وأنّ السلام كتكبيرة الإحرام يقع زائداً بحسب الواقع. فحال الركعة في المقام حال السجدة أو التشهّد المنسيّين اللّذَين تقدّم (2) أنّ معنى قضائهما بعد السلام تبدّل محلّهما مع بقاء الأمر المتعلّق بهما على حاله .

   ومنهم من ذهب إلى أنّ هذه الجزئية ظاهرية ، وأنّ الركعة المفصولة بمنزلة الجزء . فالانقلاب المزبور انقلاب ظاهري قرّره الشارع في مقام الأداء والتفريغ وإلاّ فالتكليف المتعلّق بأربع ركعـات التي اشـتغلت بها الذمّة باق على حاله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 1 : 256 .

(2) في ص 95 ، 271 .

ــ[279]ــ

بحسب الواقع .

   وقد بنى على هذا القول صاحب الكفاية (قدس سره)(1) عند تعرّضـه للاستدلال على حجّية الاستصحاب بالأخبار ، وذكر أنّ البناء على الأكثر إنّما هو بلحاظ التشهّد والتسليم ، أمّا من حيث العدد فيبني على الأقل استناداً إلى الاستصحاب ، وأنّ أدلّة البناء على الأكثر لا تصـادم حجّية الاستصحاب بل تعاضده ، غاية الأمر أ نّها تستوجب التقييد في دليله بلزوم الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ، لا موصولة كما كان يقتضيها دليل الاستصحاب لولا أدلّة البناء على الأكثر .

   وهذان القـولان لا ثمرة عملية بينهما ، للزوم المـبادرة إلى الجزء أو ما هو بمنزلته ، وعدم جواز ارتكاب المنافي ، سواء أكان الانقلاب واقعيّاً أم ظاهريّاً وإنّما البحث عن ذلك علميّ محض ، بخلاف القول الأوّل كما عرفت .

   وكيف ما كان، فقد عرفت أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : الاستقلال، والجزئية الواقعية ، والجزئية الظاهرية .

   أمّا القول الأوّل : فهو مخالف لظواهر النصوص جدّاً ، لقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أ نّك نقصت» (2) الظاهر في أنّ تلك الركعة متمّم لا أ نّها عمل مستقل .

 وأصرح منه قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي الواردة في من شكّ بين الاثنتين والأربع : « ... فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ... » إلخ (3) ، ونحوها قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور : « ... وإن كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول : 396 .

(2) الوسائل 8 : 212 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 1 .

(3) الوسائل 8 : 219 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1 .

ــ[280]ــ

صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (1) .

   فانّهما كما ترى صريحتان في أنّ ركعتي الاحتياط جزء حقيقي على تقدير النقص ، وأ نّهما تمام الأربع وبهما تتحقّق الركعة الثالثة والرابعة واقعاً . ومعه كيف يمكن دعوى الاستقلال وعدم الارتباط بالصلاة الأصلية . فهذا القول ساقط جزماً .

   فيدور الأمر بين القولين الآخرين ، والأظهر منهما هو القول الأوّل .

   أمّا بناءً على حرمة قطع الصلاة كما عليه المشهور فظاهر ، لامتناع بقاء الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات قبل عروض الشكّ على حاله لو فرض النقص واقعاً ، إذ ليس له رفع اليد عن هذه الصلاة حسب الفرض ، بل المتعيّن عليه البناء على الأربع بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر والتسليم على الركعة الثالثة الواقعية الذي هو بنفسه مصداق لقطع الفريضة كما لا يخفى ، فلا يتيسّر له امتثال الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات .

   ومن المقرّر في محلّه أنّ كلّ تكليف لا يكون قابلاً للامتثال لا يكون قابلاً للجعل ، فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي ، وأنّ ذاك التكليف قد تبدّل وانقلب في صقع الواقع إلى التكليف بالصلاة البنائية المقرونة بركعة الاحتياط لامتناع بقاء الحكم الواقعي حينئذ على حاله، وجعل حكم ظاهري في قباله كما عرفت .

   وأمّا بناءً على القول بجواز القطع ـ كما لا يبعد ـ فلأنّ التكليف الواقعي وإن كان حينئذ قابلاً للامتثال برفع اليد عن هذه الصلاة والإتيان بصلاة اُخرى ذات أربع ركعات ، فهو قابل للجعل ، إلاّ أنّ له إتمام هذه الصلاة بالبنـاء على الأكثر بمقتضى أدلّته والإتيان بركعة الاحتياط .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 219 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2 .

 
 

ــ[281]ــ

ولو تكلّم سهواً فالأحوط الإتيان بسجدتي السهو (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فلو فرضنا أ نّه انكشف له بعد الإتيان بها نقصان الصلاة الأصلية لم تجب عليه الإعادة ، وصحّت صلاته بلا إشكال ، لظواهر النصوص المعتضدة بظهور الاتفاق عليه ، وأنّ ما أتى به مجز عمّا اشتغلت به الذمّة . وهذا كما ترى لا يكاد يجتمع مع المحافظة على الحكم الواقعي وأنّ البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة حكم ظاهري مقرّر في ظرف الشكّ يجتزى به في مرحلة الأداء والتفريغ .

   وذلك لما هو المبيّن في محلّه (1) من أنّ إجزاء الحكم الظاهري عن الواقع منوط ومراعى بعدم انكشاف الخلاف . فالحكم بالإجزاء حتّى مع استبانة الخلاف لا يكاد يعقل إلاّ مع الالتزام بالانقلاب في الحكم الواقعي ، وأنّ ما هو المجعول في نفس الأمر هو التخيير بين الإتيان بأربع ركعات أو بثلاث ـ في ظرف الشكّ ـ مع ركعة مفصولة .

   ومرجع ذلك إلى ارتكاب التخصيص في دليل مخرجية السلام كدليل مبطلية التكبير الزائد ، وإلاّ فلا يعقل الإجزاء مع عموم دليلي الخروج والإبطال . فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي في هذين الحكمين ، وأنّ السلام والتكبير يفرضان كالعدم لدى نقص الصلاة واقعاً .

   ونتيجة ذلك كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً من الصلاة الأصلية في متن الواقع ، لا أنها بمنزلة الجزء ظاهراً كما لا يخفى . وعليه فيحرم عليه وضعاً فعل المنافي الذي منه الفصل الطويل ، وبناءً على حرمة الإبطال يحرم عليه تكليفاً أيضاً ، ولو فعل ليس عليه إلاّ الإعادة .

   (1) يمكن أن يستدلّ له بقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن أبي يعفور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 251  وما بعدها .

ــ[282]ــ

المتقدّمة : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (1) فانّ هذه الفقرة غير ناظرة إلى التكلّم أثناء الصلاة الأصلية عند عروض الشكّ، ضرورة أنّ هذا من أحكام تلك الصلاة ، ولا مساس له بما هو بصدده من بيان وظيفة الشاكّ بين الثنتين والأربع بما هو كذلك . ومعلوم أنّ أحكام الصلاة كثيرة لا وجه لتخصيص هذا الحكم من بينها بالذكر، كما أ نّها غير ناظرة أيضاً إلى التكلّم أثناء صلاة الاحتياط لعدم دلالة بل ولا إشعار فيها على ذلك .

   بل الظاهر بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع كونها ناظرة إلى التكلّم فيما بين الصلاتين ، فانّ هذا هو الذي يحتاج إلى التنبيه عليه ، ويكون التعرّض له من شؤون التصدّي لبيان وظيفة الشاكّ المزبور .

   وغرضه (عليه السلام) الإيعاز إلى عدم فراغ ذمّته عن الصلاة الأصلية بمجرّد التسليم على الركعة البنائية ، لجواز نقص الصلاة واقعاً المستلزم لكونه بعد في الصلاة ، ولأجله تجب عليه سجدتا السهو لو تكلّم لوقوعه حينئذ في أثناء الصلاة حقيقة . وهذا يؤكّد ما استظهرناه من كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً متمّماً على تقدير النقص ، هذا .

   ومع التنزّل وتسليم عدم ظهور الصحيحة في التكلّم فيما بين الصلاتين خاصّة فلا أقلّ من الإطلاق الشامل له وللتكلّم أثناء كلّ من الصلاتين ، إذ لا يحتمل التخصيص بما عدا الأوّل كما لا يخفى . فيصحّ الاستدلال بها ويتمّ المطلوب على كلا التقديرين .

   هذا كلّه في التكلّم السهوي ، وأمّا العمدي المعدود من المنافي فقد مرّ بطلان الصلاة به وأ نّه لا يجوز وضعاً (2) ، بل وتكليفاً أيضاً على القول بحرمة الإبطال.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 219 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 2 .

(2) شرح العروة 15 : 437 وما بعدها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net