ذرق الطيور المحرّمة وأبوالها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10094


(1) وذلك لإطلاق حسـنة عبدالله بن سـنان وعمـوم روايتـه الاُخرى ، فان مقتضاهما نجاسة البول من كل ما يصدق عليه عنوان ما لا يؤكل لحمه، برِّياً كان أم بحرياً صغيراً كان أم كبيراً إنساناً أو غيره ، وهذا بحسب الكبرى مما لا إشكال فيه . نعم ، يمكن المناقشة صغروياً في خصوص الحيوانات البحرية نظراً إلى أنه لم يوجد من الحيوانات البحرية ما يكون له نفس سائلة . نعم ذكر الشهيد (قدس سره) أن التمساح كذلك (1) إلاّ أنه على تقدير صحته يختص بالتمساح . وأمّا ما ذهب إليه ابن الجنيد من عدم نجاسة بول الصبي قبل أن يأكل اللحم أو الطعام (2) فسيأتي بطلان مستنده في محلّه إن شاء الله .

   (2) لما دلّ على طهارة البول والغائط مما لا نفس له كما يأتي عن قريب إن شاء الله .

   (3) هل الطيور المحرمة كغيرها محكومة بنجاسة خرئها وبولها ؟ فيه أقوال ثلاثة :

   أحدها : ما ذهب إليه المشهور من نجاسة بولها وخرئها .

   وثانيها : طهارة مدفوعها مطلقاً ذهب إليه العماني (3) والجعفي (4) والصدوق (5) وجملة من المتأخرين كالعلاّمة (6) وصاحب الحدائق (7) وغيرهما (قدس سرهم) .

   وثالثها : التفصيل بالحكم بطهارة خرئها والتردد في نجاسة بولها ذهب إليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى : 13 سطر 12 .

(2) المختلف 1 : 301 .

(3) المختلف 1 : 298 .

(4) الجواهر 5 : 275 .

(5) الفقيه 1 : 41 .

(6) لاحظ المختلف 1 : 298 ، المنتهى 3 : 176 ، التذكرة 1 : 49 ، نهاية الأحكام 1 : 226 .

(7) الحدائق 5 : 11 .

ــ[376]ــ

المجلسي(1) وصاحب المدارك (قدس سرهما) (2) .

   ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف الأخبار فان جملة منها دلت على نجاسة البول مطلقاً كصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» (3) فانّها باطلاقها تشمل بول المأكول لحمه وغيره كما يشمل بول الطيور وسائر الحيوانات ، إذا لم نقل بانصرافها إلى بول الآدمي .

   وجملة اُخرى دلت على نجاسة البول في خصوص ما لا يؤكل لحمه كحسنة عبدالله ابن سنان المتقدمة ، وقد ألحقنا الخرء بالبول بعدم القول بالفصل .

   وهناك طائفة ثالثة دلت على طهارة خرء الطائر وبوله مطلقاً سواء أ كان محرم الأكل أم محلّله كموثقة أبي بصير  المتقدِّمة(4) عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» (5) . والنسبة بين الطائفة الثانية والثالثة عموم من وجه ، لأن الحسنة أخص من الموثقة من أجل اختصاصها بما لا يؤكل لحمه وأعم منها من جهة شمولها الطائر وغيره ، والموثقة أخص من الاُولى لتقيد موضوعها بالطيران وأعم منها لشمولها الطائر بكلا قسميه المحلل والمحرم أكله فتتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه ، فقد ذهب القائلون بعدم الفرق بين الطيور والحيوانات إلى ترجيح الحسنة على الموثقة بدعوى انّها أشهر وأصح سنداً .

   واستدلّ عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (6) بوجه آخر حيث اعتمد على ما نقله العلاّمة في مختلفه من كتاب عمار من أن الصادق (عليه السلام) قال : «خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه ، لكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 77 : 111 .

(2) المدارك 2 : 262 .

(3) الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 2 ح 1 .

(4) في ص 168 ، وتقدّم أن الرواية صحيحة وأن المكنِّين بأبي بصير كلّهم ثقاة .

(5) الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .

(6) كتاب الطهارة : 339 السطر 19 .

ــ[377]ــ

منزلك ، وكل طير يستجير بك فأجره» (1) بتقريب أنه علل عدم البأس بخرء الخطاف بأنه ممّا يؤكل لحمه ، وظاهره أن الخطاف لو لم يكن محلل الأكل كان في خرئه بأس فالمناط في الحكم بطهارة الخرء هو حلية الأكل من دون فرق في ذلك بين الطيور والحيوانات .

   وأمّا المجلسي وصاحب المدارك (قدس سرهما) فقد استندا فيما ذهبا إليه إلى أن نجاسة الخرء في الحيوان إنما ثبتت بعدم القول بالفصل ، وهو غير متحقق في الطيور لوجود القول بالفصل فيها ، وعليه فلا مدرك لنجاسة خرء الطيور . وأمّا بولها فقد ترددا فيه ، للتردد في تقديم الحسنة على الموثقة ، هذا .

   ولكن الصحيح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه العماني والصدوق وجملة من المتأخرين من طهارة بول الطيور وخرئها مطلقاً بيان ذلك : أنّ الرواية التي استدلّ بها شيخنا الأنصاري (قدس سره) ممّا لا يمكن الاعتماد عليه .

   أمّا أولاً : فلأن الشيخ نقلها باسقاط كلمة «خرء» (2) فمدلولها حينئذ أن الخطاف لا  بأس به فهي أجنبية عن الدلالة على طهارة البول والخرء أو نجاستهما .

   وأمّا ثانياً : فلأنها ـ  على تقدير أن تكون مشتملة على كلمة «خرء»  ـ لا تقتضي ما  ذهب إليه ، لأنه لم يثبت أن قوله «هو مما يؤكل لحمه» علة للحكم المتقدم عليه أعني عدم البأس بخرء الخطاف ، ومن المحتمل أن يكون قوله هذا وما تقدمه حكمان بيّنهما الإمام (عليه السلام) من غير صلة بينهما ، بل الظاهر أنه علة للحكم المتأخر عنه أعني كراهة أكله أي الخطاف يكره أكله ، لأنه وإن كان مما يؤكل لحمه إلاّ أ نّه يكره أكله لأنه استجار بك ، وفي جملة «ولكن كره أكله ...» شهادة على أن قوله «هو مما يؤكل لحمه» مقدمة لبيان الحكم الثاني كما عرفت فهذا الاستدلال ساقط .

   وأمّا ما ذكروه وجهاً لتقديم الحسنة على الموثقة فهو أيضاً لا يرجع إلى محصل : أمّا الترجيح بأنها أشهر فقد ذكرنا في محلّه أنّ الشهرة بمعنى الوضوح والظهور ليست من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 411 / أبواب النجاسات ب 9 ح 20 .

(2) التهذيب 9 : 80 / 345 .

ــ[378]ــ

المرجّحات ، وإنما هي تلغي الرواية الشاذة عن الاعتبار رأساً (1) وهي بهذا المعنى غير متحققة في المقام لأن الشهرة في أخبار النجاسة ليست بمثابة تلغي أخبار الطهارة عن الاعتبار ، لأنها أخبار آحاد لا تتجاوز ثلاث أو أربع روايات .

   وأمّا الترجيح بموافقة الكتاب والسنة بدعوى : أن ما دلّ على نجاسة بول الطير موافق للسنة أعني المطلقات الدالّة على نجاسة البول مطلقاً .

   ففيه أوّلاً : أن المطلقات منصرفة إلى بول الآدمي ، ومعه لا يبقى لها عموم حتى يوافقه ما دلّ على نجاسة بول الطير .

   وثانياً : لو لم نبن على الانصراف فأيضاً لا تكون موافقة السنّة مرجحة في أمثال المقام ، لأن موافقة الكتاب والسنّة إنّما توجب الترجيح فيما إذا كان عمومهما لفظياً . وأمّا إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة فلا أثر لموافقتهما ، لأن الاطلاق ليس من الكتاب والسنّة فالموافقة معه ليست موافقة لهما .

   وأمّا الترجيح بالأصحية ، وأن الحسنة أصح سنداً من الموثقة فيدفعه : ما ذكرناه في بحث التعادل والترجيح من أن صفات الراوي لا تكون مرجحة في الرواية ، وإنما هي مرجحة في باب القضاء(2). على أ نّا لو قلنا بترجيح الصحيحة على الموثقة فلا نقول بتقديم الحسنة عليها بوجه .

   وبعد هذا لم يبق في البين سوى دعوى أن الروايتين تتساقطان بالمعارضة ، ويرجع إلى العموم الفوق ، إلاّ أن هذه الدعوى أيضاً ساقطة لأن الرجوع إلى العموم الفوق في المقام ـ  بعد الغض عن دعوى الانصراف  ـ مبني على القول بعدم انقلاب النسبة بعروض المخصص عليه ، وإلاّ فهو أيضاً طرف للمعارضة كالحسنة ، وذلك للعلم بتخصيص المطلقات بما دلّ على طهارة بول ما يؤكل لحمه من البقر والغنم ونحوهما فيكون حالها بعد هذا المخصص المنفصل حال الحسنة وغيرها مما دلّ على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه . وقد عرفت أن النسبة بينها وبين الموثقة عموم من وجه ، وبعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 412 .

(2) مصباح الاُصول 3 : 414 .

ــ[379]ــ

تساقطهما في مادّة الاجتماع بالمعارضة يرجع إلى قاعدة الطهارة ، هذا كلّه على تقدير معارضة الحسنة والموثقة .

   والذي يسهّل الخطب ويقتضي الحكم بطهارة بول الطيور أنه لا تعارض بين الطائفتين ، وذلك لأمرين :

   أحدهما : أن الموثقة وإن كانت معارضة للحسنة بالعموم من وجه إلاّ أنها تتقدم على الحسنة ، لأنه لا محذور في تقديمها عليها ولكن في تقديم الحسنة على الموثقة محذور . بيان ذلك : أن تقديم الحسنة على الموثقة يوجب تخصيصها بما يؤكل لحمه من الطيور ، وبها يحكم بطهارة بوله مع أن الطيور المحللة لم يرَ لها بول حتى يحكم بطهارته أو إذا كان طير محلل الأكل وله بول فهو في غاية الندرة ، وعليه فيكون تقديم الحسنة موجباً لالغاء الموثقة رأساً أو حملها على موارد نادرة وهو ركيك ، فان الرواية لا بدّ من أن يكون لها موارد ظاهرة ، وهذا يجعل الموثقة كالنص فتتقدم على معارضها .

   لكن الانصاف أنه يمكن المناقشة في هذا الوجه بأن الطير المحلل أكله إنما لم يرَ له بول عليحـدة ومسـتقلاًّ عن ذرقه . وأمّا توأماً معه فهو مشـاهد محسوس كذرقه وممّا لا  سبيل إلى انكاره ، ولك أن تختبر ذلك في الطيور الأهلية ـ  كالدجاجة  ـ فكأنّ الطير ليس له مخرج بول عليحدة ، وإنما يدفعه توأماً لذرقه . ومن هنا يرى فيه مائع يشبه الماء وعليه فلا يوجب تقديم الحسنة جعل الموثقة بلا مورد ولا محذور في تقديمها .

   ثانيهما : أن تقديم الحسنة على الموثقة يقتضي إلغاء عنوان الطير عن كونه موضوعاً للحكم بالطهارة ، حيث تدل على تقييد الحكم بطهارة البول والخرء بما إذا كان الطير محلّل الأكل ، وهو في الحقيقة إلغاء لعنوان الطير عن الموضوعية ، فان الطهارة على هذا مترتبة على عنوان ما يؤكل لحمه سواء كان ذلك هو الطير أم غيره . وهذا بخلاف تقديم الموثقة على الحسنة ، فانّه يوجب تقييد الحكم بنجاسة البول بغير الطير ، وهذا لا محذور فيه فان عنوان ما لا يؤكل لحمه لا يسقط بذلك عن الموضوعية للحكم بنجاسة البول في غير الطير ، وبما أن الموثقة صريحة في أن لعنوان الطير موضوعية وخصوصية في الحكم بطهارة البول ، فتصير بذلك كالنص وتتقدم على الحسنة .

   وهذا الوجه هو الصحيح ، وبذلك يحكم بطهارة بول الطيور وخرئها وإن كانت




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net