ومنه تعرف لزوم تأخير سجدة السهو عن ركعة الاحتياط، لصراحة الأخبار في أنّ محلّ هذه السجدة إنّما هو بعد الانصراف والتسليم ، ولم يحرز الانصراف بعد الفراغ من الركعة البنائية ما لم تتعقّب بركعة الاحتياط .
وبعين هذا البيان يجب تأخير سجود السهو عن قضاء السجدة أو التشهّد لما عرفت من أنّ المقضي هو نفس الجزء قد تغيّر ظرفه ومحلّه وتبدّل بوقوعه بعد السلام ، فما لم يؤت به لم يتحقّق الفراغ عن تمام الأجزاء ، وقد عرفت أنّ موطن سجود السهو هو بعد الانصراف والانتهاء عن تمام الأجزاء ، هذا .
وقد يقال بأنّ المستفاد من بعض النصوص عكس ذلك وأ نّه يجب تأخير قضاء التشهّد عن سجود السهو ، فامّا أن يقتصر على مورد النصّ أو يتعدّى عن التشهّد إلى السجدة المنسية بعدم القول بالفصل ، وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة في من نسي التشهّد ، قال : « ... فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(1) ، فانّ المراد بسجدتين لا ركوع فيهما هو سجود السهو ، وقد أمر (عليه السلام) بالإتيان بالتشهّد الفائت مؤخّراً بمقتضى العطف بـ «ثمّ» .
وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ، فانّ الظاهر أنّ علي بن أبي حمزة الذي يروي عنه القاسم بن محمّد الجوهري هو البطائني ، ولم يوثق ، بل قد ضعّفه العلاّمة صريحاً (2) ، وقال ابن فضال : إنّه كذّاب متّهم (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 244 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2 .
(2) الخلاصة : 362 / 1426 .
(3) معجم رجال الحديث 12 : 237 / 7846 .
ــ[322]ــ
[ 2093 ] مسألة 12 : إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء فالظاهر عدم وجوب إعادتها ، وإن كان أحوط (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانياً : أنّ الرواية لا دلالة لها على قضاء التشهّد فضلاً عن تأخّره عن سجود السهو ، فانّ المراد بالتشهّد المذكور فيها هو التشهّد الذي تشتمل عليه سجدة السهو، لا تشهّد آخر وراء ذلك يؤتى به بعنوان القضاء. وتوصيفه بقوله : «الذي فاتك» إشارة إلى الاجتزاء به عن ذاك الفائت ولو بقرينة الروايات الاُخرى الصريحة (1) في أ نّه يجتزي عن المنسي بهذا التشهّد .
وعلى الجملة : لو كان التشهّد معطوفاً على سجدتي السهو بهذا العنوان أمكن أن يراد به تشهّد آخر ، لكنّه معطوف على ذات السجدتين ، وحينئذ فالمراد به نفس التشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو. فلا دلالة فيها بوجه على الإتيان بتشهّد آخر معنون بالقضاء وراء ذاك التشهّد .
ومن هنا أنكرنا وجوب قضاء التشهّد رأساً ، لقصور هذه الرواية وغيرها من الروايات عن الدلالة عليه وإن ذهب إليه المشهور ، وبنينا ـ كما سبق في محلّه (2) ـ على أ نّه لا أثر لنسيان التشهّد عدا سجدة السهو ، وأ نّه يجتزي في قضائه بالتشهّد الذي تشتمل عليه السجدة كما نطقت به النصوص .
(1) تقدّم في المسألة الثامنة عشرة من فصل الخلل (3) أ نّه لو نسي بعض ما يجب في السجود كالذكر أو وضع اليدين أو الإبهامين ونحوها ما عدا وضع الجبهة الذي به قوام السجدة ، وتذكّر بعد رفع الرأس ، فمقتضى القاعدة حينئذ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الوسائل 6 : 401 / أبواب التشهد ب 7 ، 9 .
(2) في ص 94 وما بعدها .
(3) في ص 104 ـ 105 .
ــ[323]ــ
وإن كان لزوم إعادة السجود ، لعدم تحقّق المأمور به على وجهه ، فلا مناص من التدارك الذي لا محذور فيه في حدّ نفسه بعد فرض بقاء المحلّ ، إلاّ أ نّا قد استفدنا من الروايات كصحيحة حماد وغيرها (1) أنّ تلك الاُمور لم تعتبر في مطلق السجود وطبيعيّه ، وإنّما هي واجبات في خصوص السجدة الاُولى بعنوان كونها اُولى ، وكذا السجدة الثانية بعنوانها .
وعليه فالسجدة الصادرة الفاقدة لتلك الاُمور يستحيل تداركها ، لامتناع إعادة المعـدوم ، والشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ولا يتغيّر عمّا وقع . فلو أتى بسجدة اُخرى فهي سجدة ثانية لا اُولى ، ولو كان الخلل في الثانية وكرّرها فهي سجدة ثالثة لا ثانية ، والمفروض اعتبار تلك الاُمور في خصوص الاُولى أو الثانية بعنوانهما لا في طبيعي السجود ، فلا يعقل التدارك إلاّ باعادة الصلاة واستئنافها المنفية بحديث لا تعاد بعد كون المنسي ممّا عدا الخمسة .
فبما أنّ محلّ التدارك لم يكن باقياً ولم تجب إعادة الصلاة يحكم بالصحّة وعدم إعادة السجدة .
وهذا البيان بعينه جار فيما نحن فيه بناءً على ما عرفت من أنّ السجدة المقضية جزء متمّم ، وهي نفس السجدة الصلاتية بعينها قد تأخّر ظرفها وتبدّل محلّها فيلحقها حكم السجدة المنسية بعينه .
وأمّا بناءً على المسلك الآخر من كونها واجباً مستقلاً قد تعلّق بها تكليف جديد فيشكل الحال حينئذ ، بل مقتضى القاعدة المتقدّمة لزوم إعادتها بعد عدم وقـوعها على وجهها . وعنوان الاُولى والثانية إنّما اعتبر في السجود الصلاتي الأدائي دون القضائي . ومعلوم أنّ فسادها لا يستوجب إعادة الصلاة كي تنفى بحديث لا تعاد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 5 : 459 / أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 وغيره .
|