بول وغائط ما يؤكل لحمه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12608

 

   البول والغائط مما يؤكل لحمه :

   (1) للاجماع القطعي بين الأصحاب ، ولموثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «كل ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» (1) وصحيحة زرارة أنهما (عليهما السلام) قالا : «لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه» (2) ، وما عن قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «لا بأس ببول ما اُكل لحمه» (3) ، وما ورد في ذيل صحيحة عبدالرّحمن ابن أبي عبدالله من قوله «وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (4) .

   (2) قد وقع الخلاف في طهارة أبوالها وأرواثها فذهب المشهور إلى طهارتهما وخالفهم في ذلك من المتقدمين ابن الجنيد(5) والشيخ في بعض كتبه(6) ، ومن المتأخرين الأردبيلي (7) وغيره فذهبوا إلى نجاستهما ، وأصر صاحب الحدائق (قدس سره) على نجاسة أبوالها (8) . وتردد فيها بعض آخر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) ، (4) الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12 ، 4 ، 17  ، 9 .

(5) المختلف 1 : 299 .

(6) النهاية : 51 .

(7) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 301 .

(8) الحدائق 5 : 21 .

ــ[383]ــ

   ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف الأخبار ، حيث ورد في جملة منها ـ  وفيها صحاح وموثقات  ـ الأمر بغسل أبوال الخيل والحمار والبغل (1) وقد قدمنا في محله أن الأمر بالغسل إرشاد إلى النجاسة حسبما يقتضيه الفهم العرفي ، وورد في صحيحة الحلبي التفصيل بين أبوالها ومدفوعاتها ، حيث نفت البأس عن روث الحمير وأمرت بغسل أبوالها (2) وهي صريحة في عدم الملازمة بين نجاسة أبوال الحيوانات المذكورة ونجاسة مدفوعاتها كما توهمها بعضهم ، وقد تقدم أن الحكم بنجاسة المدفوع لم يقم عليه دليل غير عدم القول بالفصل بينه وبين البول ، والقول بالفصل موجود في المقام وعليه فلا نزاع في طهارة أرواثها ، وينحصر الكلام بأبوالها ، وقد عرفت أن مقتضى الأخبار المتقدمة نجاستها .

   وفي قبال تلك الأخبار روايتان (3) تدلاّن على طهارتها إلاّ أنهما ضعيفتان فان صحّ اعتماد المشهور فيما ذهبوا إليه على هاتين الروايتين ، وتمت كبرى أن اعتماد المشهور على رواية ضعيفة يخرجها من الضعف إلى القوة وينجبر به ضعفها فلا مناص من الحكم بطهارة أبوال الحيوانات المذكورة ، ولا يعارضهما ما دلّ على نجاسة أبوالها كما توهّمه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كموثقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا ؟ قال : يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» . وصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أبوال الخيل والبغال ، قال : إغسل ما أصابك منه» . المرويتين في الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح  9 ، 11. وموثقة سماعة قال : «سألته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس ؟ قال : كأبوال الانسان» . المروية في الوسائل 3 : 406 / أبواب النجاسات ب 8 ح  7 .

(2) الوسائل 3 : 406 / أبواب النجاسات ب 9 ح 1 .

(3) إحداهما : رواية أبي الأغر النحاس قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه ؟ فقال : ليس عليك شيء» وثانيتهما : رواية معلى بن خنيس وعبدالله بن أبي يعفور قالا : «كنّا في جنازة وقدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فأخبرناه ، فقال : ليس عليكم بأس» المرويتان في الوسائل 3  :  407 / أبواب النجاسات ب 9 ح 2 ، 14 .

ــ[384]ــ

صاحب الحدائق (قدس سره) لأنهما صريحتان في الطهارة وأخبار النجاسة ظاهرة في نجاستها .

   إلاّ أن الكلام في ثبوت الأمرين المتقدمين ، ودون إثباتهما خرط القتاد ، فان القدماء ليس لهم كتب استدلالية ، ليرى أنهم اعتمدوا على أي شيء ، ولعلّهم استندوا في ذلك على شيء آخر . كما أن عملهم على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها على ما مرّ منّا غير مرة .

   وعلى هذا لا مناص من الحكم بنجاسة أبوالها ، وإن كان يلزمه التفصيل بين أرواثها وأبوالها ولا محذور فيه بعد دلالة الدليل ، وقد عرفت ما يقتضي طهارة أرواثها ، ولا ينافي ذلك ما دلّ باطلاقه على طهارة بول كل ما يؤكل لحمه حيث لا  مانع من تخصيصه بما دلّ على نجاسة أبوال الحيوانات الثلاثة .

   بل يمكن أن يقال : إنه لا دلالة في تلك المطلقات على طهارة أبوال الحيوانات الثلاثة ، لقوة احتمال أن يراد مما يؤكل لحمه في تلك الروايات ما كان مستعداً للأكل بطبعه كالشاة والبقرة ونحوهما ، ومن البديهي أن الحيوانات المذكورة غير مستعدة للأكل ، وإنما هي معدة للحمل ، وإن كانت محللة شرعاً كما اُشير إلى هذا في بعض الروايات (1) هذا .

   واستدلّ شيخنا الهمداني (قدس سره) على طهارة أبوال الحيوانات الثلاثة بما ورد في ذيل موثقة ابن بكير المتقدِّمة (2) حيث قال (عليه السلام) «يا زرارة هذا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح ، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ، ذكاه الذبح أو لم يذكه» . بتقريب أن المراد بالحلية في هذه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روى زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالاً  ؟ فقال : بلى ، ولكن ليس مما جعله الله للأكل» المروية في الوسائل 3  :   408 / أبواب النجاسات ب 9 ح 7 .

(2) في ص 381 .

ــ[385]ــ

الموثقة هي الحلية المجردة ، ولم يرد منها ما اُعد للأكل ، وقد دلت بصراحتها على جواز الصلاة في بول كل ما كان كذلك من الحيوانات ، ومنها الحمير والبغل والفرس ويستفاد منها طهارة أبوالها ، لضرورة بطلان الصلاة في النجس (1) .

   ويظهر الجواب عن ذلك بما نبّهنا عليه آنفاً ، وحاصله أن دلالة الموثقة على طهارة أبوال الدواب الثلاث إنما هي بالظهور والالتزام ، ولم تدل على هذا بصراحتها . وإذن فلا مانع من تخصيصها بالأخبار المتقدمة الصريحة في نجاسة أبوالها . وبعبارة اُخرى : أن الموثقة إنما دلّت على جواز الصلاة في أبوال الدواب الثلاث من حيث إنها محلّل الأكل في طبعها وبالالتزام دلت على طهارتها ، والأخبار المتقدمة قد دلت بالمطابقة على نجاسـة أبوالها ، فلا محـالة تخصص الموثقـة بما إذا كانت الحلية مسـتندة إلى استعدادها للأكل .

  وعلى الجملة لا محذور في الحكم بنجاسة أبوال الحيوانات الثلاثة ، إلاّ أن ما يمنعنا عن ذلك ، ويقتضي الحكم بطهارة أبوالها ملاحظة سيرة الأصحاب من لدن زمانهم (عليهم السلام) الواصلة إلينا يداً بيد ، حيث إنها جرت على معاملتهم معها معاملة الطهارة ، لكثرة الابتلاء بها ، وبالأخص في الأزمنة المتقدمة فانّهم كانوا يقطعون المسافات بمثل الحمير والبغال والفرس ، فلو كانت أبوالها نجسة لاشتهر حكمها وذاع ولم ينحصر المخالف في طهارتها بابن الجنيد والشيخ (قدس سرهما) ولم ينقل الخلاف فيها من غيرهما من أصحاب الأئمة والعلماء المتقدمين ، وهذه السيرة القطعية تكشف عن طهارتها ، وبها تحمل الأخبار المتقدمة الصريحة في نجاسة الأبوال المذكورة على التقيّة ، فانّ العامّة ولا سيّما الحنفية منهم ملتزمون بنجاستها (2) وقد اعترف بما ذكرناه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطهارة) : 575 السطر 25 .

(2) قدّمنا شطراً من أقوالهم في هذه المسألة في تعليقة ص 57 عن ابن حزم في المحلى وننقل جملة اُخرى من كلماتهم في المـقام لمزيد الاطلاع : قال في بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي ج 1 ص  161 بول ما لا يؤكل لحمه نجس وأمّا ما يؤكل لحمه فعند أبي حنيفة وأبي يوسف نجس وعند محمّد طاهر . وبهذا المنوال نسج في المبسوط ج 1 ص 54 . وفي عمدة القارئ للعيني   

ــ[386]ــ

في الحدائق إلاّ أنه منع عن حمل أخبار النجاسة على التقية نظراً إلى أن الرواية ما لم تبتل بمعارض أقوى لم يجز حملها على التقية ، ولا معارض لأخبار النجاسة في المقام (1) .

   وما أفاده وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أنه غير منطبق على المقام ، لقيام سيرة الأصحاب وعلمائنا الأقدمين على طهارتها ، وهي التي دعتنا إلى حمل أخبار النجاسة على التقية ، وبهذا اعتمدنا في الحكم بعدم وجوب الاقامة في الصلاة ، لأن الأخبار وإن كانت تقتضي وجوبها إلاّ أن سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وعلمائنا المتقدمين تكشف عن عدم وجوبها في الصلاة حيث إنها لو كانت واجبة لظهر ، ولعدّ من الواضحات والضروريات ، لكثرة الابتلاء بها في كل يوم ، ونفس عدم ظهور الحكم في أمثالها يكشف كشفاً قطعياً عن عدمه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

الحنفي شرح البخاري ج 3 ص 154 اختلف في الأبوال فعند أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وأبي ثور وآخرين كثيرين الأبوال كلها نجسة إلاّ ما عفي عنه وقال أبو داود بن علية الأبوال كلها طاهرة من كل حيوان ولو غير مأكول اللحم عدا أبوال الانسان . وفي إرشاد الساري للقسطلاني شرح البخاري ج 1 ص 300 ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أن الأبوال كلّها نجسة إلاّ ما عفي عنه وفي فتح الباري لابن حجر شرح البخاري ج 1 ص 338 باب أبوال الابل والدواب والغنم ذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلّها من مأكول اللّحم وغيره وفي البداية لابن رشد المالكي ج 1 ص 82 اختلفوا في نجاسة بول غير الآدمي من الحيوان فذهب أبو  حنيفة والشافعي إلى انّها كلها نجسة وقال قوم بطهارتها وقال آخرون بتبعية الأبوال والأرواث للحوم فما كان منها محرم الأكل كانت أبواله وأرواثه نجسة وما كان مأكول اللحم فأبوالها وأرواثها طاهرة وبه قال مالك وفي البدائع ج 5 ص 37 في كتاب الذبائح لا تحل البغال والحمير عند عامة العلماء ويكره لحم الخيل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يكره وبه أخذ الشافعي وفي مجمع الأنهر لشيخ زاده الحنفي ج 3 ص 513 في الذبائح يحرم أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال لأنه متولِّد من الحمار فان كانت اُمّه بقرة فلا يؤكل بلا خلاف وإن كانت اُمه فرساً فعلى الخلاف في أكل لحم الفرس . فعلى هذا بول الحمير والبغال والفرس نجس لحرمة أكل لحمها والأخير وإن كان مكروهاً عند أبي حنيفة إلاّ أنه يرى نجاسة الأبوال كلها حسب كلماتهم المتقدِّمة .

(1) الحدائق 5 : 25 .

ــ[387]ــ

وكذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم ونحوه (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net