وأمّا الجواب الثاني : أعني كونه من أصحاب الإجماع الذي ادّعاه الكشي على تصحيح ما يصحّ عنهم ، ففيه : أ نّه لم يثبت أنّ معقد الإجماع تصحيح الرواية عن المعصوم (عليه السلام) وتوثيق كلّ من وقع في السند كما صرح به غير واحد من علمائنا .
بل مرجع الإجماع إلى دعوى الاتّفاق على أنّ هؤلاء الجماعة ـ البالغ عددهم ثمانية عشر، بعضهم من أصحاب الباقر، وبعضهم من أصحاب الصادقين، وبعضهم من أصحاب من بعدهما ، وهم في طبقات ثلاث كلّ طبقة ستة ـ لمكان جلالتهم وعظم شأنهم ومعلومية وثاقتهم بل عدالتهم مصدّقون فيما يخـبرون ولا يغمزون فيما يدّعون ، وأنّ السند متى بلغ إليهم فلا يتأمّل في تصديقهم في الإخبار عن الراوي الذي ينقلون عنه ، لا في الإخبار عن المعصوم (عليه السلام) .
فالرواية صحيحة عنهم لا عن المعصومين (عليهم السلام) بحيث لو رووا عن معلوم الكذب يؤخذ بالرواية ، إذ من الواضح أنّ روايتهم عن مثله لا تزيد على العلم الوجداني ، فلو سمعناها من نفس الكاذب مباشرة لا نأخذ بها ، أفهل ترى جواز الأخذ عنه بمجرّد توسط هؤلاء ، وهل يحتمل أن يكون التعبّد أعظم شأناً من العلم الوجداني .
وبالجملة : لا ينبغي التأمّـل في عدم كون المراد من تصحيح ما يصحّ عن الجماعة تصحيح الرواية إلى الصادق (عليه السلام) ليدلّ على توثيق من وقع في
ــ[365]ــ
السند أو عدم النظر إلى من بعدهم من ضعيف أو مجهول ، بل المراد تصديقهم بأنفسهم لرفعة شأنهم وعلوّ مقامهم ، وأين هذا من لزوم غضّ النظر عمّن يروون عنه .
وممّا يؤكِّد ذلك أ نّه لم يوجد في كلام أي فقيه من القدماء أو المتأخّرين الحكم بصحّة الرواية لمجرّد أنّ في سندها ابن أبي عمير أو صفوان أو غيرهما من أصحاب الإجماع .
ويؤكِّده أيضاً أنّ هذه الرواية ـ أعني رواية سفيان بن السمط ـ لو كانت معتبرة من أجل اشتمال السند على ابن أبي عمير فلماذا لم يوجد قائل بمضمونها من القدماء ، حتّى أنّ الشهيد نفى الظفر على القائل المجهول الذي حكى عنه الشيخ كما سمعت ، فلو كانت موصوفة بالصحّة بمقتضى تصحيح ما يصحّ عن جماعة لأفتى على طبقها ولو فقيه واحد من أصحابنا الأقدمين . فالرواية مهجورة غير معمول بها ، وليس السرّ إلاّ ما عرفت من عدم وزن لها في سوق الاعتبار .
ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم تفسير الإجماع المدّعى في كلام الكشي على تصحيح ما يصحّ عن جماعة بارادة التوثيق لمن يقع في السند وتصحيح الرواية نفسها حسبما يراه القوم ، فغايته أ نّه إجماع منقول بخبر الواحد ، وليس بحجّة .
فالإنصاف : أنّ هذه الرواية محكومة بالضعف ، لقوّة المناقشتين ، وعدم المدفع عنهما . فلا تصلح للاستدلال .
وربما يسـتدلّ أيضاً بصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ... » إلخ (1) ، فانّ المراد تعلّق النقص أو الزيادة بالأفعال دون
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 224 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4 .
ــ[366]ــ
الركعات ، وإلاّ فهي محكومة بأحكام الشكوك كما هو ظاهر .
وغير خفي أنّ الاستدلال بها يتوقّف على أحد أمرين :
أحدهما : أن تكون جملة «أم نقصت ... » إلخ عطفاً على فعل الشرط أعني «لم تدر» فيكون المعنى هكذا : إذا نقصت أم زدت ... إلخ ، وتكون النتيجة وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة .
ثانيهما : أن تكون الجملة عطفاً على المعمول أعني «أربعاً» ليرد عليها فعل الشرط ويكون طرف احتمال النقصان عدمه، كما أنّ طرف الزيادة عدمها، فيرجع المعنى إلى قولنا : إذا لم تدر نقصت أم لا ، أو لم تدر زدت أم لا ، فعليك سجدتا السهو .
فتكون الصحيحة حينئذ ناظرة إلى صورة الشكّ في كلّ من الزيادة والنقيصة فاذا ثبت وجوب السجدة في صورة الشكّ ثبت في صورة العلم بالسهو بطريق أولى . إذن فكلّ واحد من الأمرين كاف في إثبات المطلوب ، هذا .
ولكن في البين احـتمالاً ثالثاً لعلّه الأظهر بحسب المتفاهم العرفي ، وهو أن تكون الجملة عطفاً على المعمول ، ويكون طرف احتمال النقصان هو الزيادة ، لا عدمه كما كان في الاحـتمال الثاني ، فتكون الصحيحة ناظـرة إلى فرض العلم الإجمالي والدوران بين الزيادة والنقيصة لا إلى صورة الشكّ ، وستعرف أنّ العلم بأحدهما إجمالاً من موجبات سجود السهو كما تضمّنته النصوص الآتية .
وحينئذ فلا موجب للتعدّي إلى صورة العلم التفصيلي الذي هو محلّ الكلام فانّه قياس محض ، والأولوية ممنوعة هنا كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً .
وهذا الاحتمال هو الأظهر، حيث إنّ لفظة «أم» لا تستعمل غالباً إلاّ في موارد العلم الإجمالي كما مرّ سابقاً (1) ، ولا أقلّ من تكافئه مع الاحتمالين المتقدّمين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ ما ذكره في ص 173 .
ــ[367]ــ
فيورث الإجمال المسقط عن الاستدلال .
وقد يستدلّ أيضاً بقوله (عليه السلام) في موثّقة عمّار : «إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو ... » إلخ (1).
فانّها وإن كانت بالإضافة إلى القراءة والتسبيح معارضة مع الذيل المتضمّن لعدم السجود ما لم يتكلّم ، فلم تكن خالية عن التشويش من هذه الناحية ، إلاّ أ نّها بالنسبة إلى القيام والقعود صريحة في المطلوب ، ويتمّ فيما عداهما من سائر الزيادات بعدم القول بالفصل .
وفيه : أ نّه بعد تسليم الدلالة فهي كالصحيحة المتقدّمة ، معارضتان بما ورد في نسيان السجدة كصحيحة أبي بصير(2) وفي نسيان التشهّد كصحيحتي الحلبي(3) من أ نّه يرجع ويتدارك المنسي لو كان التذكّر قبل الركوع وليس عليه سجود السهو ، مع أنّ لازم الرجوع زيادة القيام في موضع القعود سهواً .
وتعارضهما أيضاً عدّة من النصوص المتضمّنة أنّ من أتمّ سهوه فليس عليه سهو، أي من تذكّر وتدارك النقص الناشئ من السهو فليس عليه سجدتا السهو مع أنّ التدارك لاينفكّ عن الزيادة في القيام، كقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «وليس في شيء ممّا يتمّ به الصلاة سهو» (4) وصحيحة الفضيل بن يسار : «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 250 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2 .
(2) الوسائل 6 : 365 / أبواب السجود ب 14 ح 4 ، وقد تقدمت في ص 355 .
(3) الوسائل 6 : 406 / أبواب التشهد ب 9 ح 3 ، 4 ، وقد تقدّمتا في ص 359 ، 360 [ لكن الثانية منهما ضعيفة السند كما صرّح به هناك فلاحظ ] .
(4) الوسائل 8 : 250 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2 .
|