ملاقاة النجاسة في الباطن 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7531


ــ[389]ــ

   [ 161 ] مسألة 1 : ملاقاة الغائط في الباطن لاتوجب النجاسة كالنوى الخارج من الانسان أو الدود الخارج منه ، إذا لم يكن معه شيء من الغائط وإن كان ملاقياً له في الباطن (1) . نعم ، لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان إن علم ملاقاتها له ، فالأحوط الاجتناب((1)) عنه . وأمّا إذا شكّ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنجس الماء بشيء من أجزاء ما لا نفس له ، والنسبة بينها وبين ما دلّ على نجاسة بول
ما لا يؤكل لحمه وإن كانت عموماً من وجه إلاّ أنها كذلك بالاضافة إلى غير بوله أيضاً من دمه وميتته ومع ذلك فهي مقدمة على معارضاتها مما دلّ على نجاسة الدم أو الميتة . والوجه فيه أن الموثقة حاكمة على غيرها مما دلّ على نجاسة البول أو الدم أو الميتة على وجه الاطلاق فانّها فرضت شيئاً مفسداً للماء من أجزاء الحيوان . وحكمت عليه بعدم إفساده للماء فيما إذا لم يكن له نفس سائلة ، هذا .

   وأيضاً يمكن الاستدلال على طهارته بالروايات الواردة في عدم نجاسة الميتة مما لا  نفس له كموثقة عمار الساباطي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس» (2) والمراد بما ليس له دم هو ما لا نفس سائلة له ، وإلاّ فلمثل الذباب دم قطعاً . وتقريب الاستدلال بها أنها دلت باطلاقها على عدم انفعال الماء وغيره من المائعات بموت ما لا نفس له فيه سواء تفسخ أم لم يتفسخ ، ومن الظاهر أنه على تقدير تفسخه تنتشر أجزاؤه في الماء ومنها ما في جوفه من البول والخرء مع أنه (عليه السلام) حكم بطهارة المائع مطلقاً ، هذا وفي الرواية الاُولى غنى وكفاية .

    ملاقاة الغائط في الباطن

   (1) هذا الذي أفاده (قدس سره) لا يوافق ذيل كلامه ، لأنه لا فرق فيما لاقاه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر طهارته ، ولم يظهر الفرق بينه وبين النوى .

(2) الوسائل 3 : 463 / أبواب النجاسات ب 35 ح 1 .

ــ[390]ــ

في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة ، فلو خرج ماء الاحتقان ولم يعلم خلطه بالغائط ولا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغائط في الباطن بين ما دخل من طريق الحلق كما في النوى ، وبين ما دخل الجوف من طريق آخر كشيشة الاحتقان . نعم ، يمكن أن يقال في الدود الخارج من الانسان أنه كسائر الحيوانات إما لا يتنجس أصلاً أو إذا قلنا بتنجسه يطهر بزوال العين عنه كما في الدود الخارج من الخلاء إذا لم يكن عليه أثر من النجاسات ، وأمّا النوى وشيشة الاحتقان فلم يظهر لنا الفرق بينهما وتفصيل الكلام في المقام أن لملاقاة النجاسة في الباطن صوراً أربع :

  الصورة الأُولى : أن يكون الملاقي والملاقى من الداخل بأن تلاقي النجاسة المتكونة في الباطن أحد الأجزاء الداخلية للانسان أو الحيوان نظير الدم الملاقي لمحله والغائط المماس لمكانه . وملاقي النجاسة في هذه الصورة محكوم بالطهارة ، وذلك مضافاً إلى قصور ما دلّ على نجاسة الملاقي عن الشمول لهذه الصورة كما سيظهر وجهه ، يمكن أن يستدل عليها بما دلّ على طهارة البلل الخارج من فرج المرأة (1) فانّه يلاقي مجرى البول والدم والمني ، فلو كانت ملاقاة شيء من ذلك موجبة لنجاسة مواضعها الداخلية لكان البلل الملاقي لتلك المواضع محكوماً بالنجاسة لا محالة . وبما دلّ على طهارة المذي وأخواته (2) فانّه أيضاً يلاقي مواضع البول والمني . وبما دلّ على وجوب غسل الظاهر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة وليها قميصها أو إزارها من بلل الفرج وهي جنب أتصلِّي فيه ؟ قال : إذا إغتسلت صلّت فيهما» . وعن عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل مسّ فرج امرأته ، قال : ليس عليه شيء وإن شاء غسل يده» الوسائل 3 : 498 / أبواب النجاسات ب 55 ح 1، 3 وغيرهما من الأخبار .

(2) كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن المذي يصيب الثوب ؟ قال : ينضحه بالماء إن شاء» وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب ؟ قال : ليس به بأس» الوسـائل 3 : 426 / أبواب النجاسـات ب  17 ح 1 ، 5 وغيرهما .

ــ[391]ــ

في الاستنجاء وفي غيره دون البواطن (1) مع ملاقاتها للغائط وغيره من النجاسات ، ولم تثبت ملازمة ولا ارتكاز عرفي بين نجاسة الدم والبول والغائط في الخارج ونجاستها في الجوف ، وحيث إن النجاسة تستفاد من الأمر بغسلها ، ولم يرد أمر بغسل البواطن فيستكشف من ذلك طهارتها . وعلى الجملة لا دليل على نجاسة البواطن بوجه ، أو إذا قلنا بنجاستها فلا مناص من الالتزام بطهارتها بمجرّد زوال عين النجس .

   الصورة الثانية : أن تكون النجاسة خارجية وملاقيها من الأجزاء الداخلية كما إذا شرب مائعاً متنجساً أو نجساً كالخمر فانّه يلاقي الفم والحلق وغيرهما من الأجزاء الداخلية ، وملاقي النجاسة في هذه الصورة أيضاً محكوم بالطهارة ، فان الأجزاء الداخلية لا تتنجس بملاقاة النجس الخارجي ، وهذا من غير فرق بين أن تكون الأجزاء الداخلية محسوسة كداخل الفم والأنف والاُذن وغيرها أم لم تكن ، والسرّ في ذلك ما تقدم في الصورة الاُولى من أنه لا دليل على نجاسة الأعضاء الداخلية بملاقاة النجس ، وعلى تقدير تسليمها لا مناص من الالتزام بطهارتها بمجرّد زوال العين عنها . هذا مضافاً إلى ما ورد من عدم نجاسة بصاق شارب الخمر (2) لأن الفم لو كان يتنجس بالخمر كان بصاق شارب الخمر نجساً لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : يستنجي    ويغسل ما ظهر منه على الشرج ولا يدخل فيه الأنملة» . وعن عمار الساباطي قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف ؟ فقال : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه» الوسائل 3 : 437 / أبواب النجاسات ب 24 ح 1 ، 5 وغيرهما .

(2) كما رواه عبدالحميد بن أبي الديلم قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه ؟ قال : ليس بشيء» ونظيرها رواية الحسن بن موسى الحناط . المرويتان في الوسائل 3 : 473 / أبواب النجاسات ب 39 ح 1 ، 2 .

ــ[392]ــ

   الصورة الثالثة : أن يكون الملاقي خارجاً والنجاسـة باطنية كما في الأسـنان الصناعية الملاقية للدم المتكون في الفم أو الأبرة النافذة في الجوف وشيشة الاحتقان والنوى الداخل فيه إلى غير ذلك من الأجسام الخارجية الملاقية لشيء من النجاسات المتكونة في الباطن ، وهذه الصورة على قسمين :

   أحدهما : ما إذا كان الملاقى أعني النجاسة الداخلية كائنة في الجوف ، وغير محسوسة باحدى الحواس كالنجاسة التي لاقاها النوى أو شيشة الاحتقان أو الابرة وغيرها .

   وثانيهما : ما إذا كان قابلاً للحس باحدى الحواس كالدم المتكون في الفم أو في داخل الأنف وغيرهما .

   أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال في أن الجسم الخارجي الملاقي لشيء من النجاسات الداخلية طاهر ، لأنه لا دليل على نجاسة الدم في العروق أو البول والغائط في محلهما فضلاً عن أن يكون منجساً لملاقيه ، والأدلة الواردة في نجاسة الدم والبول والغائط مختصة بالدم الخارجي أو البول والغائط الخارجيين ، لأن أمره (عليه السلام) بغسل ما يصيبه البول من البدن والثياب (1) لا يشمل لغير البول الخارجي ، فان البول في الداخل لا يصيب الثياب أو البدن .

  وكذلك ما دلّ على نجاسة الدم (2) وكذا أمره (عليه السلام) بالغسل في الغائط الذي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن البول يصيب الثوب قال : اغسله مرتين» ورواية البزنطي ، قال : «سألته عن البول يصيب الجسد قال : صب عليه الماء مرّتين» الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 ، 7 وغيرهما من الأخبار.

(2) كما في صحيحة زرارة ، قال : «قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن اُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئاً وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك قال : تعيد الصلاة وتغسله ...» المروية في الوسائل 3 : 479 / أبواب النجاسات ب 42 ح 2 .

ــ[393]ــ

يطأه الرجل برجله (1) أو المني الذي أصابه (2) يختص بالغائط والمني الخارجيين ، ولا يحتمل إرادة الغائط في الجوف لأنه لا معنى لوطئه بالرجل ، وكذا الحال في المني .

   وكيف كان فلم يقم دليل على وجوب الغسل بملاقاة النجاسة في الجوف . ويدل على ما ذكرناه الأخبار الواردة في طهارة القيء (3) فان ملاقاة النجس الداخلي لو كانت موجبة للنجاسة لم يكن وجه للحكم بطهارة القيء لاتصاله في المعدة بشيء من النجاسات لا محالة .

   وأمّا القسم الثاني : فهو على عكس القسم الأول والملاقي فيه محكوم بالنجاسة لأن ما دلّ على نجاسة ملاقي الدم مثلاً يشمله لا محالة فيصح أن يقال إن إصبعه لاقى الدم في فمه أو الطعام لاقى الدم في حلقه .

   الصورة الرابعة : أن يكون الملاقي والملاقى من الخارج بأن يكون الباطن ظرفاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء ؟ قال : لا ولكن يغسل ما أصابه» المروية في الوسائل 1 : 274 / أبواب نواقض الوضوء ب 10 ح 2 .

         وصحيحة زرارة بن أعين قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلِّي» وصحيحة محمد بن مسلم ، قال : «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ مرّ على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك ، فقال : أليس هي يابسة ؟ فقلت : بلى ، قال لا بأس ، إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً» الوسائل 3 : 458 / أبواب النجاسات ب 32 ح 7 ، 2 إلى غير ذلك من الأخبار .

(2) صحيحة محمد بن مسلم في حديث «في المني يصيب الثوب ؟ قال : إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك فاغسله كلّه» وعن عنبسة بن مصعب قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المني يصيب الثوب فلا يدري أين مكانه قال : يغسله كله ، وإن علم مكانه فليغسـله» الوسائل 3  : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 ، 3 وغيرهما من الأخبار .

(3) في موثقة عمار قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتقيأ في ثوبه أيجوز أن يصلي فيه ولا يغسله ؟ قال : لا بأس به» ونظيرها روايته الاُخرى المرويتان في الوسائل 3 : 488 / أبواب النجاسات ب 48 ح 1 ، 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net