ــ[406]ــ
ولو نسي ذكر السجود وتذكّر بعد الرفع لا يبعد عدم وجوب الإعادة وإن كان أحوط((1)) (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يظهر منه التردّد في وجوب الإعـادة ، من عدم وقوع المأمور به على وجهه والواجب ارتباطي ، ومن فوات المحلّ المقرّر له شرعاً .
لكنّ الأظهر عدم الوجوب ، لعين التقريب الذي مرّ (2) في نسيان الذكر في سجود الصلاة ، حيث قلنا هناك : إنّ المستفاد من مثل صحيحة حمّاد أنّ الذكر إنّما يجب في السجدة الاُولى بعنوانها ، وكذا في السجدة الثانية بخصوصها ، لا في طبيعي السجود أينما سرى وإن اتّصف بعنوان الثالثة أو الرابعة ، وهكذا .
ومن الواضح أنّ من رفع رأسـه عن السجدتين ناسـياً للذكر فيهما أو في إحداهما فقد تحقّقت منه السجدة الاُولى والثانية بعنوانهما ، ولا يمكن التدارك لامتناع انقلاب الشيء عمّا وقع عليه، فلو أعاد فقد أتى بالذكر في السجدة الثالثة أو الرابعة التي هي مغايرة للمأمور به ، ولازم ذلك فوات محلّ التدارك كما عرفت .
وعلى ضوء هذا البيان نقول في المقام أيضاً : إنّ المستفاد من الأدلّة وجوب الذكر في السجدتين اللّتين يتعـقّبهما التشهّد أعني السجدة الاُولى وكذا الثانية بعنوانهما ، وقد فات هذا المحلّ بتحقّق السجدتين خارجاً ، فلو أعاد فقد وقع الذكر في سجود آخر مغاير مع المأمور به ، وقد عرفت عدم وجوب الذكر في طبيعي السجود، بل في خصوص السجدتين المرغمتين المفروض تحقّقهما خارجاً غير الممكن للتدارك ، لامتنـاع انقلاب الشيء عمّا وقع عليه . فالأقوى عدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يترك .
(2) في ص 104 .
ــ[407]ــ
وجوب الإعادة ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
تذييل : لم يتعرّض الماتن (قدس سره) لبيان محلّ السجدتين ، ويجدر بنا البحث عن ذلك تتميماً للفائدة فنقول :
قال المحقّق (قدس سره) في الشرائع(1) : ومحلّهما بعد التسليم. وهذا هو المعروف المشهور بين أصحابنا شهرة كادت تكون إجماعاً، قال (قدس سره) : وقيل قبله . ولكنّ هذا القائل غير معلوم من أصحابنا ، بل صرّح غير واحد بعدم العثور عليه ، نعم هو منسوب إلى بعض العامّة كالشافعي وغيره (2) ، لكن المحقّق غير ناظر إليه كما هو ظاهر .
ثمّ نقل (قدس سره) قولاً آخر ، قال : وقيل بالتفصيل . أي بين ما تسبّب عن النقص فالمحلّ قبل السلام ، وما كان لأجل الزيادة فالمحلّ بعده ، وقد نسبه العلاّمة في المختلف إلى ابن الجنيد(3) ، ولكنّ الشهيد في الذكرى أنكر هذه النسبة(4) كما نقل عنه في الحدائق(5) وأنّ عبارته خالية عن التصريح بهذا التفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة (6) ومالك(7) من العامّة .
واستظهر صاحب الحدائق أن يكون منشأ النسبة الصادرة من العلاّمة اشتهار
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 1 : 141 .
(2) المغني 1 : 710 ، الشرح الكبير 1 : 734 ، الاُم 1 : 130 .
(3) المختلف 2 : 426 المسألة 299 .
(4) الذكرى 4 : 93 .
(5) الحدائق 9 : 329 .
(6) [ لاحظ المجموع 4 : 155 ، فتح العزيز 4 : 181 ، المحلّى 4 : 171 ، فانّ المحكي عنه إما تعينه بعد السلام مطلقاً أو كونه الأولى ] .
(7) المغني 1 : 710 ، الشرح الكبير 1 : 734 ، المحلى 4 : 171 .
ــ[408]ــ
النقل المزبور عن ابن الجنيد ، لا الوقوف عليه في كتابه .
وكيف ما كان ، فالمتّبع هو الدليل ، فقد وردت روايات مسـتفيضة وفيها الصحاح دلّت على أنّ موضع السجدتين بعد التسليم كصحيحة عبدالله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلّم بعدهما» (1) ، ونحوها صحيحة أبي بصير وصحيحة الحلبي(2) وصحيحة القدّاح : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام»(3) .
وأوضح من الكلّ صحيحة ابن الحجّاج الواردة في نفس هذا الموضوع سؤالاً وجواباً ، قال «قلت له : سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد ؟ قال : بعد» (4) إلى غير ذلك من الأخبار .
وبازائها روايتان : إحداهما رواية أبي الجارود، قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : متى أسجد سجدتي السهو ؟ قال : قبل التسليم ، فانّك إذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك» (5) .
ولكنّها كما ترى لا تصلح للمقاومة مع تلك النصوص المستفيضة المشهورة رواية وعملاً . على أنّ السند ضعيف ، ولا أقلّ من أجل ابن سـنان الذي هو محمّد بن سنان بقرينة رواية أحمد بن محمّد عنه ، فلا يعتمد عليها . وعلى فرض الصدور واقعاً فهي محمولة على التقية ، لموافقتها مع فتوى جماعة من العامّة كما مرّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) الوسائل 8 : 224 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1 ، 3 ، 4 .
(3) الوسائل 8 : 208 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 3 .
(4) الوسائل 8 : 207 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 1 .
(5) الوسائل 8 : 208 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5 .
ــ[409]ــ
الثانية : صحيحة سعد بن سعد الأشـعري المشتملة على التفصيل المطابق لفتوى مالك ، قال «قال الرضا (عليه السلام) : في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (1) .
أقول : لو كنّا نحن وهذه الصحيحة لكان مقتضى الصناعة ـ مع الغضّ عن الإعراض أو الحمل على التقيّة ـ ارتكاب التقييد في خصوص ما تضمّن الإطلاق من حيث الزيادة والنقصان من النصوص المتقدّمة لا جميعها ، جمعاً بينها وبين هذه الصحيحة .
فانّ جملة منها وردت في الشكّ بين الأربع والخمس (2) ، وبعضها في الدوران بين الزيادة والنقصان بنحو العلم الإجمالي كما في صحيحة الحلبي (3) ، وكلاهما خارجان عن الموضوع الذي تعرّضت له الصحيحة من سجود السهو لنفس الزيادة أو النقيصة كالسلام الزائد أو السجدة الناقصة مثلاً .
وأمّا البعض الآخر المتضمّن للإطلاق من هذه الجهة كصحيحة ابن الحجاج ونحوها فهو قابل للتقييد بهذه الصحيحة، بمقتضى الجمع العرفي وصناعة الإطلاق والتقييد .
ولكنّه لا يتمّ ، لورود الروايات الكثيرة في نسيان التشهّد الذي مورده النقص والتصريح فيها بالسجود بعد التسليم، ولا مجال لارتكاب التخصيص في الصحيحة والالتزام بالقبلية في النقص الناشئ ممّا عدا نسيان التشهّد ، فانّه مقطوع البطلان إذ لا قائل بالتفصيل بين التشهّد المنسي وبين غيره من سائر موارد النقص . فان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 208 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 4 .
(2) الوسائل 8 : 224 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1 ، 3 .
(3) الوسائل 8 : 224 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4 .
ــ[410]ــ
ثبتت القبلية ففي الكلّ ، وإلاّ ففي الكلّ أيضاً . فالتبعيض بين موارد النقص خرق للإجماع المركّب .
وعلى الجملة : فهذه الصحيحة معارضة لجميع النصوص الواردة في نسيان التشهّد، فتسقط عن الحجّية، لوضوح عدم صلوحها للمقاومة مع تلك النصوص الكثيرة المشهورة قديماً وحديثاً رواية وعملاً . وقد حملها الشيخ على التقية (1) ولا بأس به ، لمطابقتها مع فتوى مالك وأبي حنيفة كما مرّ .
إذن فالصحيح ما عليه المشهور من تأخّر محلّ السجدتين عن التسليم ، من غير فرق بين ما تسبّب عن الزيادة أو النقصان .
وبهذا ينتهي ما أردنا إيراده في هذا الجزء ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .
ويليه الجزء السابع في فصل : (الشكوك التي لا اعتبار بها) إن شاء الله تعالى .
وكان الفراغ في يوم الثلاثاء الخامس من شهر صفر من السنة الثانية والتسعين بعد الألف والثلاثمـائة من الهجرة النبويّة في جوار القبّة العلوية على صاحبهما أفضل الصلاة وأزكى التحيّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 2 : 195 / ذيل ح 770 .
|