ــ[18]ــ
ودعوى وجوب الجمع بين الإتمام والإعادة ، للعلم الإجمالي بأحدهما ، إذ لدى ترك المشكوك فيه يجب الإتمام إن كان كثير الشك وإلاّ فالإعادة ، وينعكس لدى الإتيان به كما لا يخفى ،
مدفوعة بأنّ وجوب الإتمام على القول به مختصّ بما إذا أمكن إتمام الصلاة صحيحة والاكتفاء بها في مقام الامتثال ، وإلاّ فلا يجب ولا يحرم قطع الفريضة حينئذ جزماً ، لانصراف الدليل ـ على فرض وجوده ـ عن مثل ذلك ، وحيث لا يتيسّر الإتمام على صفة الصحّة في المقام فلا مانع من رفع اليد والاقتصار على الإعادة كما عرفت .
فتحصّل : أنّ في هذه الصورة بقسميها لا مجال للتشبّث بقاعدة الاشتغال والإتيان بالمشكوك فيه بعنوان الجزئية ، بل لا بدّ من الاحتياط فيما أمكن والإعادة فيما لا يمكن حسبما فصّلناه .
وأمّا الصورة الثانية : أعني الشك في وجود المانع ـ كزيادة الركوع أو السجدتين ـ فلا يترتّب أثر على كثرة الشك وعدمها حينئذ ، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الحكم كي نحتاج إلى تأسيس الأصل لدى التردّد بينهما لأصالة عدم تحقّق الزيادة ، سواء أكان من كثير الشك أم قليله ، كان الشك في المحل أم في خارجه .
فهذا الشك محكوم بعدم الاعتناء على كلّ تقدير ، ولا يختصّ ذلك بكثير الشك ليمتاز عن غيره في هذا الحكم فيبحث عن تعيين المرجع لدى الشك في الكثرة .
وأمّا الصورة الثالثة : أعني الشك المتعلّق بالركعات فهو على قسمين ، إذ قد يكون من الشكوك الباطلة واُخرى من الصحيحة .
أمّا في القسم الأوّل : كما لو شكّ بين الواحدة والثنتين ولم يدر أ نّه من كثير
ــ[19]ــ
الشك ليمضي في صلاته أو من غيره لتبطل ، فقد عرفت أ نّه لا مجال للرجوع حينئذ إلى إطلاقات أدلّة الشكوك ليحكم هنا بالبطلان ، إذ قد خصّصت بغير كثير الشك . فالشبهة بالإضافة إليها مصداقية .
كما لا مجال أيضاً للرجوع إلى الإطلاق في دليل كثرة الشك ليحكم بالصحّة لعدم إحراز الموضوع حسب الفرض ، فالشبهة مصداقية بالإضافة إليه أيضاً . فلا سبيل للتمسّك بالإطلاقات اللّفظية والأدلّة الشرعية . فلا جرم تنتهي النوبة إلى مراجعة حكم العقل القاضي بالإعادة ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، من غير حاجة إلى الإتمام بعد عدم إمكان تصحيحها بوجه ، وقد عرفت أنّ دليل حرمة القطع لو تمّ منصرف عن مثل ذلك .
ومنه يظهر الجواب عن دعوى العلم الإجمالي بوجوب الإتمام أو الإعادة كما مرّ آنفاً . فيرفع اليد عنها ويعيدها .
وأمّا القسم الثاني : أعني الشكوك الصحيحة فهي على نوعين ، إذ الشك قد يكون مستتبعاً لركعة الاحتياط كما في الشك بين الثلاث والأربع ، واُخرى لسجود السهو كالشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين .
أمّا في النوع الأوّل : فلا ريب في لزوم البناء على الأكثر ، لوجوبه على كلّ من تقديري كثرة الشك وعدمها ، فهو ثابت على كلّ حال ، ولا أثر للشك من هذه الجهة ، وإنّما يختلفان في الحاجة إلى ركعة الاحتياط وعدمها .
والظاهر وجوب الإتيان بها بناءً على ما هو الصحيح ـ كما مرّ في محلّه (1) ـ من كون الركعة جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، وأ نّه يؤتي بها بالعنوان الجامع بين الجزئية على هذا التقدير والنفل على التقدير الآخر كما هو معنى الاحتياط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 18 : 277 ـ 278 .
ــ[20]ــ
وليست بصلاة مسـتقلّة ، وعليه فلا مناص من الإتيـان بها ، عملاً بقاعدة الاشتغال بعد احتمال الحاجة إليها واقعاً وعدم كونه من كثير الشك من غير مؤمّن يدفع الاحتمال المزبور .
وبعبارة اُخرى : لم يتعلّق التكليف بشخص هذه الصلاة المقرونة بالشك، وإنّما متعلّقه الطبيعي الجامع القابل للانطباق على ما بين الحدّين من الأفراد . فمتعلّق التكليف معلوم لا إجمال فيه ، وإنّما التردّد في انطباقه على هذا الفرد المقترن بالشك ، ولا يكاد يحرز الانطباق إلاّ بعد انضمام ركعة الاحتياط الجابرة للنقص المحتمل بتعبّد من الشرع وحكمه باغتفار التسليم والتكبير المتخلّلين في البين كما نطقت به موثّقة عمار : «ألا اُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أ نّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء ... » إلخ (1) .
فخروجاً عن عهدة التكليف المعلوم وقضاءً لقاعدة الشغل المقتضية للفراغ المقطوع لا مناص من الإتيان بركعة الاحتياط ، ومعه لا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة كما هو ظاهر ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 213 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح3 [ الظاهر كونها ضعيفة السند فلاحظ ] .
|