الانتفاع بالبول والغائط :
(1) هذه هي المسألة الثالثة ، والمعروف فيها بين الأصحاب حرمة الانتـفاع بالأعيان النجسة إلاّ في موارد استثنوها في كلماتهم ، ويظهر من ملاحظتها أن منعهم عن الانتفاع يشمل المتنجسات أيضاً ـ كما في الدهن المتنجس ـ حيث رخصوا في الانتفاع به بالاستصباح مطلقاً أو مقيداً بكونه تحت السماء كما اعتبره بعضهم . ولكن الأظهر وفاقاً لشيخنا الأنصاري (قدس سره) عدم حرمة الانتفاع بالمتنجسات ولا بالأعيان النجسة ، ولا ملازمة بين نجاسة الشيء وحرمة الانتفاع به (1) .
أمّا في المتنجسات : فلأنه لم يدل دليل على حرمة الانتفاع بها ، وما استدلّ به على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة ـ على تقدير تماميته ـ يختص بها كقوله عزّ من قائل (والرّجز فاهجر )(2) بدعوى أن المراد بالرجز هو الرجس وهو يشمل المتنجس أيضاً ، وإطلاق الأمر بهجره يقتضي الاجتناب عن مطلق الانتفاع به . والوجه في اختصاصه بالعين النجسة أن الرجس بمعنى الدنيء «پليد» وهو لا يطلق على النجس بالعرض كالفاكهة المتنجسة ، هذا .
والصحـيح أنّ الآية أجنبيّة عن الدلالة على حرمة الانتفاع بشيء من الأعـيان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المكاسب 2 : 82 .
(2) المدثر 74 : 5 .
ــ[404]ــ
[ 163 ] مسألة 3 : إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنه مأكول اللحم أو لا لا يحكم بنجاسة بوله وروثه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجسة أو المتنجسة ، وذلك لأن المراد بالرجز في الآية المباركة إنما هو الفعل القبيح أو أنه بمعنى العذاب ، لأن إسناد الأمر بالهجر إليه بأحد هذين المعنيين إسناد إلى ما هو له من غير حاجة فيه إلى إضمار وتقدير ، وهذا بخلاف ما إذا اُريد به الأعيان القذرة ، لأنه إسناد إلى غير ما هو له ويحتاج فيه إلى الاضمار ، هذا على أن هجر الشيء عبارة عن اجتناب ما يناسبه من الآثار الظاهرة فلا يعم مطلق الانتفاع به وتفصيل الكلام في الجواب عن الاستدلال بالآية المباركة موكول إلى محلّه (1) .
وأمّا النجاسات : فهي أيضاً كالمتنجسات لم يقم دليل على حرمة الانتفاع بها إلاّ في موارد خاصة كما في الانتفاع بالميتة بأكلها ، وفي الخمر بشربه أو بغيره من الانتفاعات ، وأمّا حرمة الانتفاع من النجس بعنوان أنه نجس فلم تثبت بدليل ، ومعه يبقى تحت أصالة الحل لا محالة .
وأحسن ما يستدل به على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة رواية تحف العقول لاشتمالها على النهي عن بيع وجوه النجس معللاً بعدم جواز الانتفاع به (2) ويدفعه : أنها ضعيفة وغير قابلة للاعتماد . وقد يستدل على ذلك بغير ما ذكرناه من الوجوه إلاّ أنها ضعيفة لا ينبغي تضييع الوقت الثمين بالتصدي لنقلها ودفعها .
|