شك الإمام واختلاف المأمومين اعتقاداً - شك الإمام واختلاف المأمومين اعتقاداً وشكاً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4230


ــ[46]ــ

   [ 2122 ] مسألة 7: إذا  كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين في الاعتقاد(1) لم يرجع إليهم إلاّ إذا حصل له الظن من الرجوع إلى إحدى الفرقتين .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعليه فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة وقطعنا النظر عن أيّة قرينة داخلية أو خارجية لحكـمنا بشـمولها حتّى لما إذا كان الإمام والمأموم كلاهما شـاكّين والتزمنا حينئذ بخروجهما عن إطلاق أدلّة الشكوك ، فلكلّ منهما البناء على ما يشاء .

   إلاّ أنّ هذه الصورة خارجة بالضرورة ، لما مرّ من القرينة الداخلية فضلاً عن الخارجية ، لظهورها في نفسها في اختصاص كلّ واحد منهما بالشكّ منفرداً عن الآخر ، ولذا اُورد النفي على كلّ منهما بحياله فقال (عليه السلام) : «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو» فلو كان شاملاً حتّى لهذه الصورة كان الأولى تبديل التعبير بعبارة أخصر بأن يقال : ليس في الجماعة سهو . فاطلاق النص منصرف عن هذا الفرض في حدّ ذاته .

   وأمّا إذا اختصّ أحدهما بالشك وكان الآخر ظانّاً ـ الّذي هو محلّ الكلام ـ فلا قصور للإطلاق في شموله للشاك منهما بعد عدم صلاحيّته للشمول للظان لعـدم صحّة إطلاق السهو على الظن كما مرّ ، فلا يعتني الشاك منهما بشكّه بمقتضى الإطلاق المزبور ، ولا معنى لعدم الاعتناء حينئذ إلاّ الرجوع إلى ظنّ الآخر ، لعدم احتمال وظيفة اُخرى ما عدا ذلك كما هو ظاهر جدّاً .

   فاتّضح أنّ التفصيل المذكور في المتن لا يمكن المسـاعدة عليه بوجه ، بل الصحيح هو التفصيل على عكس ما ذكره حسبما بيّناه ، فيرجع الشاك إلى الظان ولا يرجع الظان إلى المتيقّن ، سواء حصل الظن للشاك أم لا .

   (1) كما لو انحصر المأموم في شخصين مثلاً واعتقد أحدهما أنّ الركعة ثالثة

ــ[47]ــ

   [ 2123 ] مسألة 8 : إذا كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين بأن يكون بعضهم شاكّاً وبعضهم متيقّناً (1) رجع الإمام إلى المتيقّن منهم ، ورجع الشاك منهم إلى الإمام ((1)) لكن الأحوط إعادتهم الصلاة إذا لم يحصل لهم الظن وإن حصل للإمام .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واعتقد الآخر أ نّها الرابعة والإمـام شاك بينهما ، ولا ينبغي الإشـكال في عدم رجوع الإمام حينئذ ، لا للتقييد بالاتفاق في مرسل يونس(2) ، أو التصريح في ذيله بالمنع عن الرجوع إذا اختلف على الإمام مَن خلفه ، فانّه من أجل الإرسال غير صالح للاستدلال كما مرّ .

   بل لتعارض الحجّتين وتساقطهما ، فانّ دليل حجّية اعتقاد المأموم الحافظ بالإضافة إلى الإمام الشاك لا يمكن أن يشمل الفرقتين المختلفتين لامتناع التعبّد بالمتناقضين ، ولا إحداهما معيّنةً فانّه ترجيح بلا مرجح ، ولا غير معيّنة إذ لا وجود لها في الخارج وراء كلّ منهما بخصـوصه . وبعد التسـاقط كان المرجع إطلاق أدلّة الشكوك السليمة عما يصلح للتقييد .

   هذا كلّه فيما إذا لم يحصل للإمام الظن من الرجوع ، وإلاّ كان هو الحجّة لا قولهم كما نبّه عليه في المتن ، وهو واضح .

   (1) لا ينبغي الإشـكال حينئذ في جواز رجوع الإمام إلى المتيقّن منهم ، عملاً باطلاق صحيحة حفص ، لعدم اعتبار الاتفاق في اليقين في جواز الرجوع وإن تضمّنته مرسلة يونس ، فانّ المراد ـ على تقدير اعتبارها ـ أن لا يكون المأمومون مخـتلفين في اليقـين . فلا مانع من شمولها لما إذا كان بعضهم متيقّناً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال إذا لم يحصل الظن للإمام .

(2) المتقدّمة في ص 31 .

ــ[48]ــ

والبعض الآخر شاكّاً ، وإلاّ لأشكل إحراز هذا الشرط كما لا يخفى .

   فالعبرة بحصول اليقين لطبيعي المأموم ، المتحقّق بيقين بعضهم كما هو الغالب المتعارف في الجماعات المنعقدة ولا سيما مع كثرة المأمومين من رجوع الإمام إلى اليقين الحاصل من بعضهم ، ولا يشترط حصوله من الكل .

   وبعبارة اُخرى : لو كان هذا المأموم المتيقّن وحده جاز رجوع الإمام إليه بلا إشكال ، فلا يحتمل أن يكون ضمّ الآخرين الشاكّين مانعاً عن هذا الرجوع كما لا يخفى .

   إنّما الكلام في أنّ الإمام بعد رجوعه إلى المتيقّن هل يرجع إليه الشاك من المأمومين ؟ حكم في المتن بجواز الرجوع .

   وهو كما ترى مشكل جدّاً ، لعدم الدليل عليه بعد أن لم يكن الإمام بنفسه مصداقاً للحافظ بمجرّد الرجوع إلى المتيقّن منهم ليرجع إليه الشاك . فشرط الرجوع وهو حفظ الإمام غير حاصل في المقام ، إلاّ إذا فرض حصول الظن للإمام .

   على أنّ هذا لا ينسـجم مع ما بنى (قدس سره) عليه فيما مرّ (1) من عدم رجوع الشاك إلى الظان ، فانّ غاية ما هناك حصول الظن للإمام من رجوعه إلى المأموم المتيقّن ، وإلاّ فليس هو متيقّناً في نفسه ، فكيف يرجع إليه المأموم الشاك مع فرض البناء على عدم رجوع الشاك إلى الظان .

   وبالجملة : إن كان شرط الرجوع حفظ الآخر ويقينه فهو غير حاصل في كلا الموردين ، وإن كان مطلق قيام الحجّـة فهو حاصل في الموردين معاً . فالتفكيك بين المسألتين صعب جدّاً ، لكونهما من واد واحد ، وارتضاعهما من ثدي فارد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ذيل الموضع السادس ممّا لا يلتفت إلى الشك فيه ، قبل المسألة [ 2122 ] .

ــ[49]ــ

   هكذا اُورد عليه (قدس سره) في المقام .

   أقول :  الظاهر أنّ المناط في إحدى المسألتين مغاير لما هو المناط في المسألة الاُخرى ، وليستا من واد واحد ، بل لا بدّ من التفكيك والتفصيل إمّا على النحو الّذي صنعه (قدس سره) من الالتزام بعدم الرجوع هناك والرجوع في المـقام أو على عكس ذلك ، وهو الصحيح كما ستعرف .

   أمّا وجه ما اختاره (قدس سره) من التفصيل فعدم رجوع الشاك إلى الظان الّذي ذكره في المسألة السـابقة مبني على أنّ الشرط في الرجوع كون الآخر حافظاً على ما نطقت به مرسلة يونس
المتقدّمة(1) ، والظان ليس بحافظ، بدعوى أنّ غاية ما يستفاد ممّا دلّ على حجّية الظنّ في الركعات لزوم البناء عليه في مقام العمل ، ومجرّد الجري على طبقه تعبّداً لخصوص من حصل له الظن لا غيره ، فلا يكون منزّلاً منزلة العلم في جميع الآثار ليصدق عليه عنوان الحافظ ولو تنزيلاً حتّى يرجع إليه الشاك في المقام .

   وهذه الدعوى وإن كانت مخدوشة  من جهات ، التي منها ضعف المرسلة وعدم صلاحيّتها للاستناد كما أسلفناه . إلاّ أنّ نظره الشريف مبني على ذلك .

   وأمّا حكمه (قدس سره) برجوع الشاك من المأمومين إلى الإمام فيما نحن فيه فالوجه فيه أنّ صحيحة حفص(2) تضمّنت نفي السهو عن الإمام ، المقيّد طبعاً بحفظ الآخر كما مرّ ، وهذا متحقّق في المقام عند ملاحظة الإمام مع المأموم المتيقّن ، فيشمله إطلاق الصحيح ويحكم بمقتضاه على الإمام بعدم كونه ساهياً لما عرفت من دلالة الصحيحة على نفي موضوع السهو في هذه الحالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 31 .

(2) المتقدّمة في ص 33 .

ــ[50]ــ

   وبديهي أنّ نفي السهو ملازم للحفظ ، لعدم الواسطة بينهما ، فلا مانع عندئذ من رجوع المأموم الشاك إليه بعد صيرورة الإمام مصداقاً للحافظ ، وعدم كونه ساهياً في نظر الشارع ولو ببركة إطلاق الصحيح .

   فلأجل اختصاص المقام بهذا الدليل الحاكم تفترق هذه المسألة عن المسألة السابقة ، إذ لم يكن ثمّة ما يدلّ على أنّ الظان حافظ ليرجع إليه الشاك بعد فرض عدم كون الظنّ بمجرّده حفـظاً كما بنى عليه (قدس سره) فلا يشمله إطلاق الصحيح . وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فانّ الدليل هنا موجود ، وهو الإطلاق المزبور ، الّذي هو بلسان نفي السهو ، المستلزم للحفظ حسبما عرفت . فلم تكن المسألتان من واد واحد .

   ولكنّ الصحيح ـ كما عرفت ـ البـناء على عكس هذا التفصـيل ، فيرجع الشاك إلى الظان في المسألة السابقة ، ولا يرجع الشاك من المأمومين إلى الإمام في محلّ الكلام .

   أمّا الأوّل : فقد مرّ البحث حوله مستقصى(1) ولا نعيد . وعرفت أنّ الظن بمقتضى دليل اعتباره ملحق باليقـين ، فيشمله ما دلّ على رجوع الشاك إلى المتيقّن .

   وأمّا الثاني : فلقصور صحيحة حفص عن الشمول للمقـام ، أعني رجوع المأموم الشاك إلى الإمام الراجع إلى المتيقّن من المأمومين ، وذلك لأنّ الصحيحة إنّما تنظر إلى نفي أحكام السهو الثابتة بالأدلّة الأوّلية من البـناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتيـاط أو بسجود السهو ، أو الإتيان بالمشكوك فيه إن كان الشك في المحل بناءً على شمولها للشكّ في الأفعال كالركعـات ، ونحو ذلك من الآثار المترتّبة على الشكّ بمقتضى الجعل الأوّلي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 39  وما بعدها .

ــ[51]ــ

   وأمّا الحكم الثابت بمقتضى هذه الصحيحة نفسها والمجعول بنفس هذا الدليل أعني رجوع الشاك إلى الحافظ وفرض سهوه كلا سهو ، الّذي لم يكن ثابتاً من ذي قبل وإنّما تحقّق بنفس هذا الجعل ، فلا يمكن أن تشمله الصحيحة كي يحكم بمقتضاها برجوع المأموم الشاك إلى الإمام المنفي عنه السهو ، لأنّ نفي السهو عنه إنّما ثبت بنفس هذا الجعل فكيف يعمّ الجعل نفسه .

   وبعبارة اُخرى : هذه الصحيحة المتكفّلة لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع حاكمة على ما عداها من أدلّة الشكوك ، فلا بدّ وأن يفرض في مرتبة سابقة حكم متعلّق بموضوعه لتكون هذه الصحيحة ناظرة إليه ، وأمّا الحكم المتحصّل من هذه الصحيحة والمجعول بنفس هذا الجعل وهو فرض الساهي حافظاً لدى حفظ الآخر فلا يمكن أن تنظر إليه الصحيحة ، ليحكم من أجله بنفي السهو عن المأموم الشاك وجواز رجوعه إلى الإمام .

   لا أقول : إنّ هذا غير معقول ، كيف وقد بيّنا إمكانه بالوجوه المذكورة في محلّها (1) .

   بل أقول : إنّ هذا خلاف المتراءى من ظاهر الدليل ، ولا يكاد يساعده الفهم العرفي بوجه .

   فان قلت :  إنّ الصحيحة تنحلّ إلى حكمين وتشتمل على جعلين : أحدهما نفي السهو عن الإمام ، والآخر نفيه عن المأموم . فالسهو منفي عن الإمام الراجع إلى المأموم الحافظ بمقتضى الجعل الأوّل ، وهو منفي عن المأموم الشاك الراجع إلى الإمام الحافظ ـ المعتبر في حقّه الحفظ في الجعل الأوّل ـ بمقتضى الجعل الثاني ، فلا مانع من شمول الصحيحة للمقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّه ناظر إلى ما في مصباح الاُصول 2 : 175 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net