ثانيهما : أن يكون بين الشكّين قدر مشترك يجمعهما ، بأن يكون أحد طرفي الشك من أحـدهما بعينه طرفاً للشك من الآخر ، كما لو شكّ أحـدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، أو أحدهما بين الثلاث والأربع والآخر بين الأربع والخمس ، فانّ الثلاث في المثال الأوّل والأربع في المثال الثاني طرف لكلّ من الشكّين .
وقد احتمل في المتن رجـوع كلّ منهما حينئذ إلى ذلك القدر المشـترك ، بل نُسب ذلك إلى المشـهور ، نظراً إلى أنّ كلاً منهما ناف للطرف الآخر من شكّ الآخر .
وذلك لأنّ الشك الحاصل لكلّ منهما ينحلّ إلى الشك من جهة وإلى الجزم من جهة اُخرى ، فانّ الشاك بين الثنتين والثلاث في المثال الأوّل شاك في الثالثة وجازم بعدم الرابعة ، كما أنّ الشاك بين الثلاث والأربع شاك في الرابعة وجازم بوجود الثالثة ، فيرجع كلّ منهما في مورد شكّه إلى جزم الآخر وحفظه ، تمسّكاً باطلاق صحيحة حفص المتقدّمة (1) فينفي الأوّل شكّه في الثالثة بجزم الثاني بوجودها ، كما ينفي الثاني شكّه في الرابعة بجزم الأوّل بعدم وقوعها . ونتيجة ذلك بنائهما معاً على الثلاث وإتمام الصلاة عليه .
وهكذا الحـال في المثال الثاني ، أعني شكّ أحدهما بين الثلاث والأربع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 33 .
ــ[54]ــ
والآخر بين الأربع والخمس ، فيبنيان معاً على الأربع ، المستنتج من رجوع كلّ منهما في مورد الشك إلى حفظ الآخر كما لا يخفى .
وهذا الاحتمال هو الأقوى ، عملاً باطلاق الصحيح كما عرفت ، ولا تعتريه شائبة الإشكال عدا ما يتوهّم من انصراف الصحيح وغيره من أدلّة المقام عن مثل ذلك ، بدعوى أ نّها ناظرة إلى ما إذا كان الآخر حافظاً بقول مطلق ، فلا تعمّ ما لو كان حفظه مختـصّاً بجهة مع كونه ساهياً من الجهة الاُخرى كما في المقام ، فانّ هذا الفرض خارج عن منصرف النصوص، ومعه يشكل رفع اليد عن عمومات أدلّة الشكوك الصحيحة أو الباطلة .
ولكنّه كما ترى انصراف بدوي غير مبني على أساس صحيح ، ولم يعرف له وجه سوى ندرة الوقوع خارجاً ، التي لا تصلح منشأ للانصراف كما هو مقرّر في محلّه (1) .
فلا مانع من التمسّك بالاطلاق سيما بعد موافقته مع الارتكاز العرفي ومناسبة الحكم والموضـوع ، القاضية بابتناء الحكم على إرادة نفي السهو عن كلّ من الإمام والمأموم فيما حفظ عليه الآخر مطلقاً . فكأنّ الصلاة الصادرة منهما صلاة واحدة وإن صدرت عن شخصين وكان المباشر لها اثنين . فالحفظ من كلّ منهما في أيّ جهة كان يعدّ حفظاً من الآخر بعد فرض اعتبارها صلاة واحدة .
ومن هنا لا ينبغي التشكيك في أنّ أحدهما لو كان شاكّاً في الأفعال حافظاً للركعات ، والآخر بالعكس رجع الشاك إلى ما يحفظه الآخر بناءً على شمول الرجوع للشك في الأفعال ، وليس الوجه إلاّ ما عرفت من كفاية الحفظ من جهة في صحّة الرجوع ، أخذاً باطلاق النصوص .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 373 .
ــ[55]ــ
لكن الأحوط إعادة الصلاة ((1)) بعد إتمامها (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى أنّ هذا الاحتـياط لا يستقيم على إطلاقه ، إذ قد لا يستوجب الرجوع إلى القدر المشترك بطلان الصلاة بوجه، حتّى لو لم يكن الرجوع صحيحاً كي يحتاط بالإعادة ، وإنّما يتّجه فيما لو كان الرجوع مستلزماً للبطلان لولا صحّة الرجوع .
ففي المثال المذكور في المتن لا وجه للإعادة بالنسبة إلى الشاك بين الثنتين والثلاث ، الباني على الثلاث بمقتضى رجوعه إلى القدر المشترك ، فانّ الرجوع لو كان صحيحاً بحسب الواقع لكونه مشمولاً لإطلاق الصحيح فقد أتى بوظيفته وإن لم يكن صحيحاً لأجل انصراف النص عنه فوظيفته هو البناء على الثلاث أيضاً ، غايته أ نّه يلزم عليه الإتيـان بركعة الاحـتياط بعد الصلاة . فرعايتـه للاحتياط لا تستدعي أكثر من الإتيان بهذه الركعة المفصولة ، لا إعادة الصلاة من أصلها كما هو ظاهر المتن .
نعم ، الإعادة هو مقتضى الاحتياط بالنسبة إلى الشاك بين الثلاث والأربع إذ لو لم يصح الرجوع إلى القدر المشترك لانصراف النص عنه فهو مأمور واقعاً بالبناء على الأربع والإتيان بركعة مفصولة ، فالبناء على الثلاث والإتيان بالركعة الموصولة يستلزم زيادة الركعة المستوجبة للبطلان . فلا يتحقّق الاحتياط هنا إلاّ باعادة الصلاة .
ولو فرضنا أنّ أحـدهما شاك بين الثلاث والأربع ، والآخر بين الأربع والخمس لا مقتضي حينئذ للإعادة في شيء منهما ، لأنّ وظيفتهما معاً هو البناء على الأربع على كلّ حال، أي سواء شملهما النص وقلنا بصحّة الرجوع إلى القدر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا بأس بتركه لقوّة الاحتمال المزبور .
|