ــ[146]ــ
[ 2144 ] المسألة الحادية عشرة : إذا شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة فلا إشكال في أ نّه يجب عليه أن يبني على الثلاث، لكن هل عليه أن يتشهّد أم لا؟ وجهان ، لا يبعد عدم الوجوب ، بل وجوب قضائه بعد الفراغ إمّا لأ نّه مقتضى البناء على الثلاث ((1)) وإمّا لأ نّه لا يعلم بقاء محل التشهّد من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية وكونه فيها مشكوك ، بل محكوم بالعدم . وأمّا لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيـان بالتشهّد في الثانية فحـكمه المضيّ والقضاء بعد السلام ، لأنّ الشك بعد تجاوز محلّه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك لكـفاية صدق المضي وعدم لزوم إحراز الفراغ جرت هنا أيضاً لعين المناط وإلاّ لم تجر في شيء منهما .
فالتفكيك غير ظاهر الوجه (2) . وقد عرفت أنّ الأظهر الكفاية ، فتجري في كلا المقامين .
فتحصّل : أنّ الأظهر صحّة المغرب بقاعدة الفراغ ، وليس عليه إلاّ استئناف العشاء كما عرفت .
(1) إذا شكّ في عدد الركعـات مع علمه بعـدم الإتيـان بالتشهّد في هذه الصلاة ، فقد ذكر في المتن أنّ هذا قد يكون في حال الجلوس ، واُخرى في حال القيام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الوجه هو الصحيح ، وهو المرجع في الفرض الآتي أيضاً .
(2) ومن المعلوم أ نّه (قدس سره) [ كما في كتاب الصلاة 3 : 135 ـ 136 ] لا يرى جريان حديث لا تعاد في من تذكّر نسيان السلام بعد الدخول في المنافيات ليتوهّم أ نّه الفارق بين المقامين .
ــ[147]ــ
ففي الأوّل : كما لو شكّ وهو جالس بعد إكمال السجدتين بين الثنتين والثلاث فمن حيث البناء على الأكثر لا إشكال في وجوبه ، لإطلاق دليله الشامل للفرض كما هو واضح ، وأمّا من حيث التشهّد المقطوع بعدم إتيانه المحكوم بالقضاء لو كانت الركعة ثالثة ، وبالإتيان لو كانت ثانية لبقاء محلّه فهل يجب الإتيان به فعلاً ؟ ذكر (قدس سره) أ نّه لا يبعد عدم الوجـوب ، وأ نّه يقضي بعد الفراغ واستدلّ له بأحد وجهين :
الأوّل : أنّ هذا هو مقتضى البناء على الثلاث ، لظهور دليله في أ نّه يعامل مع هذه الركعة معاملة الركعة الثالثة من جميع الجهات حتّى من حيث عدم اشتمالها على التشهّد ، وفوات محلّ تداركه بالدخول فيها .
الثاني : عدم إحراز بقاء المحلّ ، فانّ محلّ التشهّد الركعة الثانية ، وكونه فيها مشكوك فيه ، بل محكوم بالعدم كما لا يخفى .
وأمّا في الثاني : كما لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع ، والمفروض علمه بعدم الإتيـان بالتشهّد في هذه الصلاة ، فذكر (قدس سره) أنّ حكـمه المضي والقضاء بعد السلام ، لأنّ الشكّ في التشهّد باعتبار عروضه بعد الدخول في القيام شكّ بعد تجاوز المحلّ فلا يعتنى به بمقتضى قاعدة التجاوز .
فكأ نّه (قدس سره) يرى أنّ الأمر في هذا الفرع أوضح من سابقه ، نظراً إلى اختصاصه بقاعدة التجاوز غير الجارية في الفرع السابق ، لعدم إحراز التجاوز ثمة .
أقول : أمّا في الفرع الأخير فربما يورد عليه بأنّ المفروض في المسألة العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة ، ومعه كيف يتمسّك بقاعدة التجاوز التي موردها الشك لا غير .
ويندفع بأنّ مراده (قدس سره) إجراء القاعدة بالإضافة إلى الركعة التي قام
ــ[148]ــ
عنها بخصوصها ، وأ نّه هل أتى بوظيفته المقرّرة فيها أم لا ، فانّها إن كانت الثانية فقد أخلّ ، وإلاّ لم يخل . ولا منافاة بين هذا الشك وبين العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة .
وبعبارة اُخرى : العلم المزبور يحدث الشك في خروجه عن عهدة الركعة التي قام عنها وأ نّه هل بقي عليه شيء منها أم لا ، فانّها إن كانت الثانية فقد بقي عليه التشهّد ، لبقاء محلّ تداركه بعد أن لم يكن داخلاً في الركن ، وإن كانت الثالثة لم يبق عليه شيء منها ، وإنّما عليه قضاء ما فات عن الثانية الّذي لا يمكن تداركه . وبما أنّ هذا الشك قد طرأ بعد الدخول في القيام الّذي به تحقّق التجاوز عن محلّ التشهّد على تقدير وجوبه في هذه الركعة ، فلا مانع من التمسّك بقاعدة التجاوز لنفيه وعدم الاعتناء به .
نعم ، يرد عليه ما ذكرناه في محلّه (1) من أنّ القاعدة لا تعمّ موارد المصادفات الواقعية ، فانّ مورد تشريعها ما إذا شكّ المكلّف بعد علمه بثبوت الأمر في تحقّق الامتثال وانطباق المأمور به على المأتي به ، من أجل احتمال غفلته عن بعض الخصوصيات التي يذهل عنها غالباً بعد التجاوز والانتهاء عن العمل ، ولا تكون الصورة محفوظة ، فانّه لا يعتني بهذا الاحتمال ، لكونه أذكر حين العمل وأقرب إلى الحق كما علّل بذلك في بعض نصوص الباب (2) .
وأمّا إذا لم تحتمل الغفلة لانحـفاظ صورة العمل ، وكانت حالته بعد العمل كحالته حينه ، للقطع فعلاً بما صدر عنه سابقاً وعدم كونه آنذاك أذكر ، وإنّما الشك في الصحّة لمجرّد احتمال المصادفة الاتفاقية والمطابقة مع الواقع ، الخارجة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 306 .
(2) الوسائل 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 7 ، 8 : 246 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 3 .
ــ[149]ــ
عن تحت الاختيار كما لو فرغ عن صلاته فشكّ في أنّ هذه الجهة المعيّنة التي صلّى إليها هل هي قبلة أم لا ، أو فرغ عن وضوئه فشكّ في أنّ هذا المائع الخاص الّذي توضّأ به هل هو ماء أم لا ، فاحتمل الصحّة لمحض الصدفة ، ففي أمثال ذلك لا تجري القاعدة بوجه ، لعدم تكفّلها لإثبات الصحّة المستندة إلى الاتفاق البحت .
والمقام من هذا القبيل، فانّه يعلم بعدم تشهّده في الركعة التي قام عنها فصورة العمل محفوظة ، وإنّما يحتمل الصحّة لمجرّد الصدفة ، وأن تكون هي الركعة الثالثة واقعاً التي لا أمر بالتشهّد فيها . فشـكّه في الخروج عن عهدة تلك الركعـة والإتيان بالوظيفة المقرّرة لا يستند إلى احتمال الغفلة ، بل يرتبط بالمصادفات الواقعية ، وقد عرفت عدم جريان القاعدة في أمثال المقام .
فحال هذا الفرع حال الفرع السابق ، وحكم القـيام حكم الجلوس بعينه ولا يزيد عليه بشيء ، والمسألتان من واد واحد ، فيجري فيه ما نذكره فيه .
فنقول : قد عرفت أنّ الماتن ذكر وجهين لعدم وجوب التشهّد في المقام .
أمّا الوجه الأوّل أعني استظهار ذلك من نفس أدلّة البناء على الأكثر ، فحق لا محيص عن الالتزام به ، فانّ الظاهر من تلك الأدلّة المعاملة مع الركعة المشكوكة معاملة الركعة الثالثة الواقعية ، لا من حيث العدد فقط ، بل من جميع الجهات التي منها أ نّه لا تشهّد فيها .
ويؤيِّده بل يدلّ عليه أنّ هذا الشك ـ أعني الشك بين الثنتين والثلاث ـ يعرض غالباً حال الجلوس وقبل الشروع في التشهّد أو قبل استكماله ، وقلّما يتّفق بعد الانتهاء عنه ، ولم يرد ولا في رواية ضعيفة كما لم يفت فقيه بوجوب الإتيان بالتشهّد أو استكماله بعد البناء على الثلاث ، وليس ذلك إلاّ لما عرفت من لزوم ترتيب جميع آثار الركعة الثالثة الواقعية على الركعة البنائية .
ــ[150]ــ
ويعضده أيضاً أنّ النظر فيها لو كان مقصوراً على حيثية العدد فقط لكان اللاّزم الإتيان بالتشهّد بمقتضى قاعدة الاشتغال في من شكّ بين الثنتين والثلاث وعلم أ نّه على تقدير الثلاث قد أتى بالتشهّد في الركعة الثانية ، وهو كما ترى .
وعلى الجملة : فهذا الوجه هو الوجه الصحيح الّذي نعتمد عليه ، ولأجله نحكم بمضي محلّ التشهّد بمقتضى البناء على أنّ ما بيده ثالثة ، فلا يأتي به حينئذ ، بل يقضيه خارج الصلاة إن قلنا بلزوم قضاء التشهّد المنسي ، وإلاّ ـ كما هو الصحيح ـ فليس عليه إلاّ سجود السهو لنسيانه .
وأمّا الوجه الثاني وهو عدم العلم ببقاء المحلّ فلا يمكن المسـاعدة عليه بوجه ، فانّا لو أغمضنا عن الوجه الأوّل وبنينا على أنّ النظر في تلك الأدلّة مقصور على حيثية العدد فقط ، فيمكننا إحراز بقاء المحل بالاسـتصحاب بأن يقال : إنّ محلّ التشهّد كان محفوظاً حين رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الثانية يقيناً ، ويشكّ في الانتقال من تلك الحالة إلى حالة اُخرى باعتبار الشكّ في أنّ ما بيده هل هي الثانية أم الثالثة ، ومقتضى الاستصحاب البقاء على ما كان .
ونتيجة ذلك لزوم الإتيان بالتشهّد إن كان جالساً ، ولزوم هدم القيام والإتيان به إن كان قائماً وشاكّاً بين الثلاث والأربع ، فانّه أيضاً مجرى للاستصحاب ، باعتبار الشك في الخروج عن المحلّ الذكري للتشهّد ، المقطوع ثبوته سابقاً فيبني على ما كان .
وتوهّم معارضته بأصالة عدم كون الركعة الثانية هي التي بيده على سبيل اسـتصحاب العدم الأزلي ، مدفوع بانتقـاض العدم الأزلي باليقـين بالوجـود المفروض في مورد الاستصحاب الأوّل ، ولا حاجة إلى إثبات أنّ ما بيده هي الثانية كما لا يخفى ، فليتأمّل .
ــ[151]ــ
والحاصل : أ نّه يبني على الثلاث أو الأربع بمقتضى أدلّة البناء ، المفروض قصر النظر فيها على العدد ، وفي عين الحال يلزمه الإتيان بالتشهّد بمقتضى الاستصحاب ، فيجمع بين الأمرين عملاً بكلّ من الدليلين من غير تناف في البين .
عدا ما يتوهّم من أ نّه لو فعل ذلك لحصل له العلم الإجمالي إمّا بزيادة التشهّد لو كان ما بيده هي الركعة الثالثة واقعاً ، أو بنقصان الصلاة ركعة لو كانت ثانية ، إذ قد سلّم حينئذ على الثلاث وأتى بالركعة المشكوكة مفصولة بمقتضى أدلّة البناء ، مع أنّ اللاّزم الإتيان بها موصولة . ونتيجة ذلك ما عرفت من النقص .
وحينئذ فان قلنا بأنّ هذه الزيادة تعدّ من الزيادة العمدية فقد حصل له العلم الإجمالي ببطلان الصلاة إمّا لأجل الزيادة العمدية ، أو لأجل النقيصة كذلك .
وإن قلنا بأ نّها تعدّ من السهوية فهو يعلم إجمالاً إمّا بوجوب سجدتي السهو لزيادة التشهّد ، أو بنقصان الصلاة ركعة الموجب لإعادتها . ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الزيادة ، ضرورة أنّ الجمع بينها وبين العمل بقاعدة البناء على الأكثر موجب للمخالفة القطعية العملية للمعلوم بالإجمال . فلا يمكن إحراز صحّة الصلاة إلاّ باعادتها .
أقول : أمّا حديث الزيادة العمدية فساقط جزماً في أمثال المقام ممّا كانت الزيادة مستندة إلى أمر الشارع ولو أمراً ظاهرياً مستنداً إلى الاستصحاب .
ومن هنا لو شكّ وهو في المحلّ فأتى بالمشكوك فيه بقاعدة الشك في المحل المستندة إلى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، ثمّ انكشف الخلاف وأ نّه كان آتياً به فاتّصف المأتي به ثانياً بالزيادة لم يفت فقيه بالبطـلان في غير الجزء
ــ[152]ــ
الركني ، فيعلم من ذلك عدم الاندراج في عنوان الزيادة العمدية وإن قصد به الجزئية ، بعد أن كان الإتيان به مستنداً إلى الوظيفة الشرعية ولم يكن من تلقاء نفسه .
فالزيادة في أمثال المقام ملحقة بالزيادة السهوية بلا كلام ، فانّ المراد بها ما لا تكون عمدية ، لا خصوص المتّصف بالسهو والغفلة كما لا يخفى .
وحينئذ فان قلنا بأنّ زيادة التشهّد سهواً لا توجب سجود السهو لعدم القول بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة فالأمر ظاهر ، لانتفاء العلم الإجمالي حينئذ رأساً .
وأمّا إذا قلنا بالوجوب فالعلم الإجمالي بوجوب سجدتي السهو أو بنقصان الصلاة ركعة وإن كان حاصلاً إلاّ أ نّه لا أثر له في المقام ، إذ لا ضير في نقص الركعة حتّى واقعاً بعد أن كانت منجبرة بركعة الاحتياط وكانت الصلاة معها تامّة وموصوفة بالصحّة الواقعية كما نطقت به موثّقة عمار : «ألا اُعلِّمك شيئاً ... » إلخ(1).
ولذا ذكرنا في محلّه (2) أنّ الركعة المفصولة جزء حقيقي على تقدير النقص ، إذ لا يكون السلام مخرجاً في هذا الفرض ، للتخصيص في دليل المخرجية ، كما أنّ زيادة التكبير لا تكون قادحة على القول بقدحها في نفسها .
فلا يكون المطلوب من هذا الشخص حتّى في متن الواقع إلاّ الإتيان بالركعة المشـكوكة مفصـولة ما دام كونه شاكّاً وموضوعاً لدليل البـناء على الأكثر المتحقّق في المقام بالوجـدان ، ولا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي من وجود أثر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 213 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3 [ الظاهر كونها ضعيفة سنداً ] .
(2) شرح العروة 18 : 279 وما بعدها .
|