ــ[232]ــ
[ 2166 ] المسألة الثالثة والثلاثون : إذا شكّ في الركوع وهو قائم وجب عليه الإتيان به فلو نسي حتّى دخل في السجود فهل يجري عليه حكم الشك بعد تجاوز المحل أم لا ؟ الظاهر عدم الجريان ، لأنّ الشك السابق باق وكان قبل تجاوز المحل . وهكذا لو شكّ في السجود قبل أن يدخل في التشهّد ثمّ دخل فيه نسياناً وهكذا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وباحتمال ثبوت الأمر الواقعي فليس هو من التشريع في شيء .
ولا ريب في تطرّق هذا الاحتمال في المقام ، لجواز وقوع الزيادة في الصلاة الاُولى وجداناً ، الموجب لعدم سقوط الأمر واقعاً وإن سقط ظاهراً ، ومعه كان الاحتياط حسناً قطعاً ، ولذلك تجوز الإعادة رجاءً لو احتمل خللاً واقعياً في صلاته محكوماً بعدم الاعتناء في ظاهر الشرع . فكما تجوز الإعادة ابتداءً يجوز الإتمام في المقام رجاءً بمناط واحد . ولا مجال لاحتمال التشريع في شيء منهما .
(1) لو شكّ في الركوع حال القيام فلم يدر أنّ هذا قيام بعد الركوع أم قبله
ــ[233]ــ
فلا ريب في وجوب الإتيان به بمقتضى قاعدة الشك في المحل .
فلو ذهل عن ذلك وسجد نسياناً ثمّ تذكّر فهل يجري عليه حكم الشك بعد تجاوز المحل ، نظراً إلى زوال الشك السابق العارض في المحل وانعدامه بالنسيان وهذا شك جديد طارئ بعد التجاوز فلا يلتفت إليه . أو لا يجري باعتبار أنّ هذا هو الشك السابق بعينه وإن تخلّل بينهما النسيان ، وبما أ نّه كان قبل تجاوز المحل فيجب الاعتناء به ؟
تردّد الماتن (قدس سره) في ذلك ، ثمّ اختار الثاني . وهو الصحيح ، وذلك لأ نّه حينما شكّ كان محكوماً بالاعتناء بمقتضى كون شكّه في المحل ، فلم يكن مأموراً آنذاك بالسجود ، وإنّما نشأ الإتيان به من النسيان ، ومثله لا يكون محقّقاً للدخول في الغير المعتبر في جريان قاعدة التجاوز ، لعدم كونه من الغير المترتِّب على المشكوك فيه بعد عدم كونه مأموراً به . فلا يكون مشمولاً لدليل القاعدة . هذا أوّلاً .
وثانياً : مع الغض عن ذلك فلا ريب في انصراف الدليل عن مثل هذا الشك المسبوق بمثله في المحل والمتخلّل بينهما النسيان ، فلا يكون مشمولاً للإطلاق ، بل المرجع أصالة عدم الإتيان .
وبعبارة اُخرى : مقتضى الأصل الأوّلي وهو الاستصحاب لزوم الاعتناء بالشك ، خرجنا عن ذلك في موارد قاعدة التجاوز والفراغ ونحوهما من القواعد المصحّحة بمقتضى حكومة أدلّتها عليه ، فاذا لم تجر القاعدة في مورد من جهة الانصراف كما في المقام كان المرجع دليل الاستصحاب ، وكان بمجرّده كافياً في لزوم الاعتناء .
ويعضده ما ذكرناه في محلّه(1) من أنّ المستفاد من التعليل بالأذكرية والأقربية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 306 .
ــ[234]ــ
الوارد في نصوص هذه القاعدة (1) أ نّها لم تكن قاعدة تعبّدية محضة ، وإنّما اعتبارها من أجل الكاشفية النوعية ، حيث إنّ المتصدّي للامتثال ملتفت غالباً إلى الخصوصيات ، واحتمال الغفلة ملغى بأصالة العدم المتّبعة عند العقلاء وحينئذ فالخروج عن العمل والتجاوز عنه كاشف نوعي عن الإتيان به على وجهه ، ومن ثمّ بنينا على أنّ القاعدة محسوبة من الأمارات .
وهذا كما ترى غير منطبق على المقام ، لعدم كون الدخول في السجود كاشفاً عن الإتيان بالركوع المشكوك فيه بعد فرض كونه مبنياً على الغفلة وناشئاً عن محض النسـيان ، فلم يكن آنذاك أذكر ولا أقرب إلى الحق ، فمثله لا يكون مشمولاً لدليل القاعدة جزماً .
وثالثاً : لو تنازلنا عن هذا أيضاً فلا أقل من الشك في شمول الإطلاق للمـقام ، وهو بمجرّده كاف في لزوم الرجوع إلى دليل الاستصحاب المقتضى لوجوب الاعتناء بعد عدم نهوض ما يوجب الخروج عنه .
ورابعاً : أ نّا لو تنازلنا عن هذا أيضاً وسلّمنا شمول الإطلاق حتّى لمثل هذا الشك فكان محكوماً بعدم الاعتناء بمقتضى هذا الشك العارض بعد تجاوز المحل إلاّ أ نّه كان شاكّاً في المحل أيضاً حسب الفرض ، فيجب عليه الاعتناء بمقتضى ذاك الشك ، والمرجع بعد التعارض هو الاستصحاب .
وبعبارة اُخرى : له شكّان ، شك في المحل ومقتضاه الاعتناء بقاعدة الشك في المحل ، وشك في خارجه ومقتضاه عدم الاعتناء بقاعدة التجاوز ، وبعد تعارض القاعدتين وتساقطهما يرجع إلى أصالة عدم الإتيان .
وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم جريان قاعدة التجاوز في المقام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 7 ، 8 : 246 / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 3 .
|