إشتراط الذُكر في جواز البقاء على تقليد الميِّت 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9022


   وثانيهما : أن البقاء على تقليد الميت هل يشترط في جوازه أو وجوبه أن يكون المقلّد ذاكراً لفتواه بعد موته ، بحيث لو نسيها حينئذ بعدما أخذها وتعلّمها لم يجب أو لم يجز له البقاء ، أو أن الذكر كالعمل غير معتبر في جواز البقاء أو وجوبه ؟ الصحيح إعتبار الذكر في البقاء ، وذلك لأن بالنسيان ينعدم أخذه السابق ورجوعه إلى الميت قبل موته لأنه لا يترتّب معه أثر عليهما ، فإن المقلّد حينئذ إنما يعلم أن الميت أفتى في مسألة العصير مثلاً إما بنجاسته ـ على تقدير غليانه ـ أو بطهارته ، وهو كالعلم الاجمالي بأن الحكم الواقعي إمّا هو الحرمة أو الاباحة ليس بمورد للأثر بل يحتاج إلى رجوع جديد ، وجواز الرجوع إلى الميت حينئذ يحتاج إلى دليل لأنه تقليد إبتدائي من

ــ[88]ــ

الميت ، ولا فرق بين الرجوع إليه وبين الرجوع إلى غيره من المجتهدين الأموات من الإبتداء ، حيث إن كليهما رجوع إلى المجتهد بعد الموت وهو المعبّر عنه بالتقليد الابتدائي ، وقد تقدم عدم جوازه . ومعه يشترط في جواز البقاء على تقليد الميت أو وجوبه أن لا يكون المقلّد ناسياً لفتوى الميت ، هذا كلّه في الصورة الاُولى .

   وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا علمنا بالمخالفة بين المجتهد الميت والحي الّذي يسوغ الرجوع إليه في الفتوى ، فلا شبهة في أن العمل بما هو الموافق منهما للاحتياط مؤمّن من العقاب سواء أ كان فتوى الميت أم الحي ، كما إذا أفتى أحدهما بالوجوب والآخر بالاباحة . وأمّا إذا فرضنا أن كلتا الفتويين على خلاف الاحتياط أو أن كلتيهما على وفق الاحتياط من جهة وعلى خلافه من جهة اُخرى ، فلا يخلو إما أن لا يعلم أعلمية أحدهما ـ علم تساويهما أيضاً أم لم يعلم ـ وإمّا أن يعلم أعلمية الميت من الحي أو العكس :

   أمّا الصورة الاُولى : أعني ما إذا لم يعلم أعلمية أحدهما مع العلم بمخالفتهما في الفتوى ، فلا يكاد أن يشك في أن الفتـويين سـاقطتان حينئذ عن الاعـتبار لأن الاطلاقات كما مرّ غير شاملة للمتعارضين ، فلا حجية لفتوى الميت ولا الحي ومعه يتعيّن على المكلف الاحتياط ، لأن الأحكام الواقعية متنجزة في حقه ولا يمكنه الخروج عن عهدتها إلاّ بالاحتياط ، هذا إذا تمكن من الاحتياط .

   وأمّا إذا لم يتمكّن من الاحتياط إما لدوران الأمر بين المحذورين وإمّا لعدم سعة الوقت للاحتياط ، كما إذا أفتى أحد المجتهدين بوجوب القصر في مورد وأفتى الآخر بوجوب التمام فيه ولم يسع الوقت للجمع بين القصر والتمام ، فهل حينئذ يجب الرجوع إلى أحدهما المعيّن لحجية نظره في حقه ، أو أن كلتا الفتويين ساقطتان عن الحجية كما في الصورة المتقدمة والوظيفة هو الامتثال الاحتمالي وهو العمل على طبق إحداهما مخيّراً لأن المكلف إذا لم يتمكن من الامتثال الجزمي في مورد تنزّل العقل إلى الامتثال الاحتمالي ؟

   الأخير هو الصحيح ، لعدم دلالة الدليل على حجية إحداهما المعيّنة بعد سقوط الاطلاقات عن الحجية بالمعارضة ، ومعه يتنزل العقل إلى الامتثال الاحتمالى لأنه

ــ[89]ــ

الميسور للمكلف ، وهذا هو التخيير في مقام الامتثال لا أنه من التخيير في المسألة الأصولية لمكان حجية إحداهما شرعاً .

   وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا علمنا أعلمية أحدهما ، فالمتعين هو الرجوع إلى أعلمهما سواء كان هو الميت أم الحي ، وذلك لأن الاطلاقات وإن لم تشمل شيئاً من فتواهما للمعارضة ، إلاّ أن السيرة العقلائية قد جرت على الرجوع إلى الأعلم من المتعارضين بلا فرق في ذلك بين اعلم الحي والميت ، ولم يردع عنها فى الشريعة المقدّسة . إذن لا مناص في المقام من التفصيل بين ما إذا كان الميت أعلم من الحي فيجب البقاء على تقليده ، وما إذا كان الأعلم هو الحي فلا يجوز البقاء على تقليد الميت .

   هذا إذا لم تجر سيرة العقلاء على العمل بالاحتياط عند العلم بأعلمية أحد المجتهدين المتخالفين في الفتوى ، أو لم نحرز سيرتهم وإلاّ فالمتعين هو العمل على طبق الاحتياط ، هذا إذا علمت المخالفة بينهما أو لم تعلم .

   وأما لو علمنا بموافقة المجتهد الميت مع الحى فلا يترتب أثر عملى على البحث عن جواز البقاء على تقليد الميت ، لوضوح أن العمل الصادر على طبق الفتويين محكوم بالصحة مطلقاً ، قلنا بجواز البقاء على تقليد الميت أم لم نقل . أللّهم إلاّ على القول بوجوب الاستناد إلى الحجة في مقام الامتثال ، كما ذهب إليه شيخنا الاستاذ (قدّس سرّه) حيث ذكر أن الحجج لا يكاد تتصف بالحجية بوجودها الخارجي وإنما تكون الحجة حجة فيما إذا استند إليها المكلف فى عمله(1) . وعليه لو قلنا بجواز البقاء على تقليد الميت جاز الاستناد إلى فتواه لا محالة ، بحيث لو استندنا إليها وكان الحكم الواقعي على خلافها لم نستحق العقاب على مخالفته لاستنادنا إلى الحجة على الفرض كما إذا لم نقل بجواز البقاء لم يجز الاستناد إلى فتوى الميت لعدم ككونها معذّرة وحجة على الفرض وعلى ذلك ينبغى التكلم في موردين :

   1 ـ جواز البقاء على تقليد الميت عند العلم بموافقته مع الحي .

   2 ـ أن الاستناد إلى الحجة أمر لازم أو لا دليل على لزومه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 2 : 70 .

ــ[90]ــ

   أمّا المورد الأول : فقد اتضح مما سردناه فى المقام جواز البقاء على تقليد الميت عند العلم بموافقته مع الحي ، لأن الاطلاقات تشمل حينئذ فتوى كل من الحي والميت كما أنها تشمل كل حجتين متوافقتين كالبينتين الموافقتين في المفاد أو الروايتين المتحدتين في المدلول ، وإنما منعنا عن شمولها لهما عند العلم بمخالفتهما فى الفتوى للتعارض المفروض عدمه فى المقام ، ومع شمول أدلة الاعتبار فتوى كليهما لا موجب للمنع عن جواز البقاء على تقليد الميت بوجه .

   وأمّا المورد الثاني : فالتحقيق أن الحجة لا دليل على لزوم الاستناد إليها في مقام الامتثال والوجه فيه أن الأثر المترتب على الحجية أمران :

   أحدهما : تنجيز الواقع .

ثانيهما : التعذير عن مخالفته .

   أمّا المنجزية ، فلم يناقش شيخنا الاستاذ (قدّس سرّه) ولا غيره في أن الواقع إنما يتنجز بوجود الحجة ، وكونها في معرض الوصول بحيث لو فحص عنها المكلف لظفر بها ، ولا يتوقف كونها منجزة بعلم المكلف بها فضلاً عن استناده إليها ، فإنها منجزة للواقع علم بها المكلف أم لم يعلم ، بحيث لو لم يعمل على طبقها إستحق العقاب على مخالفة التكليف المنجّز في حقه بقيام الحجة عليه ، ومن ثمة قلنا بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية لأن احتمال وجود الحجة في الواقع ـ على نحو لو فحص عنها ظفر بها ـ كاف في تنجز الواقع واستحقاق العقاب على مخالفته ، لوضوح أن العقاب مع كون الحجة في معرض الوصول ليس عقاباً بلا بيان وإنما هو من العقاب مع البيان .

   وأما التعذير فالأمر فيه أيضاً كسابقه ، لأنا إذا منعنا عن البقاء على تقليد الميت ووجب على العامّي أن يراجع الحي وكان فتواهما على إباحة فعل وهو واجب واقعاً وتركه المكلف لا عن استناد إلى فتوى الحي بالاباحة بل لاشتهاء نفسه ورغبته مع العلم بقيام الحجة على الاباحة ، فهل يصح عقابه على مخالفته الواقع أو أن العلم بقيام الحجة على الاباحة يكفي في جواز الارتكاب وإن لم يستند إليها في مقام العمل ؟

   لا ينبغي التردد في عدم صحة عقابه لأنه بلا بيان بل هو من العقاب مع بيان العدم وهو أقبح من العقاب من دون بيان ، نعم إذا لم يعلم بافتائهما على الاباحة وتركه

ــ[91]ــ

   [ 10 ] مسألة 10 : إذا عدل عن الميت إلى الحيّ لا يجوز له العود الى الميت(1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكلف لاشتهاء نفسه إستحق العقاب على مخالفة الواقع لمكان أنه منجز في حقه ولم يستند في مخالفته إلى مؤمّن فإن الأمن من العقاب إنما يحصل بالاستناد إلى الحجة أو العلم بقيامها على الاباحة، هذا كلّه فيما إذا كانت فتواهما أو فتاوى المجتهدين المتعددين على خلاف الاحتياط .

   وأمّا إذا كانت على وفق الاحتياط كما إذا أفتيا بوجوب السورة في الصلاة وأتى بها المكلف من باب الاحتياط لا الاستناد إلى فتواهما ، فلا إشكال في صحة عمله لأنه عمل بالاحتياط وموجب للقطع بالامتثال وإن لم يستند في عمله إلى شيء من الحجتين أو الحجج ، إلاّ أنه خارج عن محل الكلام إذا البحث إنما هو في لزوم الاستناد عند اتفاق فتوى الميت والحي أو الفتاوى ، فالعمل بالاحتياط أج نبي عمّا نحن بصدده .

   والمتحصل : أن الاستناد إلى الحجة لا دليل على لزومه ، سواء علمنا بالموافقة بين الحي والميت أو المجتهدين المتعددين أم لم نعلم بالوفاق أو علمنا بالخلاف .

   إذن لا أثر للبحث عن جواز البقاء على تقليد الميت عند العلم بموافقتهما . نعم ، لو قلنا بعدم جواز البقاء على تقليد الميت واستند المكلف في عمله إلى فتواه ، كان هذا تشريعاً محرّماً لأنه إسناد للحجية إلى ما لم يتعتبره الشارع حجة وقابلاً للاستناد إليه وهذا بخلاف ما إذا جوزنا البقاء إلاّ أنه أمر آخر غير راجع إلى التقليد في محل الكلام .

   ثمّ إن بما سردناه في تقليد الميت بحسب البقاء يظهر الحال في تقليده بحسب الابتداء عند العلم بموافقته مع الحي ، لأنه أيضاً لا يترتب عليه ثمرة إلاّ على القول بلزوم الاستناد إلى الحجة في مقام الامتثال وقد تقدم فساده .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net