الأجزاء المبانة من الحي 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6911


    الأجزاء المبانة من الحي

   (1) قد عرفت أن الميتة نجسة في الشريعة المقدسة بمختلف أدلتها من غير فرق في ذلك بين اتصال أجزائها وانفصالها ، كما أنها محرمة بمقتضى الآيات والروايات ، وعلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روى الحسين بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال «الشعر والصوف والريش وكل نابت لا يكون ميتاً» كما تقدّم في ص 423 .

(2) الوسائل 1 : 170 / أبواب الماء المطلق ب 14 ح 2 .

(3) تقدّم في ص 128 .

ــ[434]ــ

الجملة للميتة حكمان ضروريان في الفقه وعليه فاذا فرضنا أن الشارع نزّل شيئاً منزلة الميتة يترتب عليه كلا الحكمين المتقدمين ، لأنهما من الآثار الظاهرة للميتة وليسا من الآثار النادرة أو الأحكام الخفية في الشرع .

   هذا وقد يقال : إن الميتة عبارة عن كل ما ذهب عنه روحه من دون فرق في ذلك بين نفس الحيوان وأجزائه ، فكما يقال : هذا حيوان ميت كذلك يصح أن يقال : هذه يد ميتة أو رجل كذلك . فلو تمت هذه الدعوى شملت أحكام الميتة للأجزاء المبانة من الحي لصدق أنها ميتة .

   ولكنها بعيدة عن الأنظار العرفية وإن كانت موافقة للذوق وصحيحة بالنظر العقلي أيضاً ، إلاّ أن أجزاء الميتة ليست عند العرف كنفسها بل الميتة بنظرهم هو الحيوان الذي ذهب عنه روحه ، فشمول الميتة في مثل قوله «سألته عن البئر يقع فيها الميتة فقال ...» (1) وقوله (عليه السلام) «لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة» (2) للأجزاء المبانة من الحي في غاية الإشكال ، فهذا الوجه غير تام .

   والصحيح أن يقال : إن الأخبار الواردة في الصيد (3) وفي قطع إليات الغنم (4) قد دلّت على تنزيل الأجزاء المبانة من الحي منزلة الميتة ، ولا سيما بملاحظة تعليل الحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «عن البئر يقع فيها الميتة فقال : إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً وإذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء» . المروية في الوسائل 1 : 195 / أبواب الماء المطلق ب 22 ح 2 .

(2) صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن آنية أهل الكتاب فقال : لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير» المروية في الوسائل 24 : 211 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 54 ح 6 .

(3) كصحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت ...» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 23 : 376 / أبواب الصيد ب 24 ح 2 ، 3 .

(4) كما رواه الصدوق باسناده الصحيح عن عبدالله بن يحيى الكاهلي قال : «سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن قطع إليات الغنم ؟ فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي (عليه السلام) أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل 24 : 71 / أبواب الذبائح ب 30 ح 1 ، 2 ، 3 .

ــ[435]ــ

إلاّ الأجزاء الصغار كالثالول والبثور ، وكالجلدة التي تنفصل من الشفة أو من بدن الأجرب عند الحك ونحو ذلك (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بنجاستها بأنها ميتة كما ورد في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فانّه ميت ...» (1) بل وفي نفس إسناد الحكم إلى علي (عليه السلام) تلويح إلى ذلك ، لأن الأجزاء المبانة لو كانت ميتة حقيقة وبالنظر العرفي كميتة الحيوان لم يكن وجه لاسناد كونها كذلك إلى علي (عليه السلام) إذا الميتة ميتة عند الجميع ، فمن ذلك يظهر أنها ليست ميتة بنظر العرف وإنما نزّلها علي (عليه السلام) منزلتها ، وبهذا يحكم بنجاستها وحرمتها لأنهما من الآثار الظاهرة للمنزّل عليه .

   بل الأخبار الواردة في قطع إليات الغنم كالصريحة في نجاستها كقوله (عليه السلام) «أمّا تعلم أنها تصيب اليد والثوب وهو حرام» (2) لوضوح أن المراد بالحرمة فيها هي النجاسة للقطع بعدم حرمة إصابة النجس للثوب واليد .

   بقي الكلام في شيء وهو أن الجزء إذا انقطع عنه روحه وأنتن إلاّ أنه لم ينفصل عن البدن فهل يحكم بنجاسته ؟

   الصحيح عدم نجاسته ، لعدم الدليل على ذلك ما لم ينفصل من البدن . أمّا الأدلة الواردة في نجاسة الميتة فقد عرفت عدم شمولها للأجزاء المبانة فضلاً عن الأجزاء المتصلة ، وأمّا روايات الصيد وقطع إليات الغنم فعدم شمولها للأجزاء المتصلة أوضح لاختصاصها بالأجزاء المنفصلة من الحيوان بآلة الصيد أو بالقطع .

    استثناء الأجزاء الصغار :

   (1) لعدم صدق الميتة على الأجزاء الكبيرة فضلاً عن الأجزاء الصغار كما لا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 23 : 376 / أبواب الصيد ب 24 ح 1 .

(2) المروية عن حسن بن علي الوشاء في الوسائل 24 : 71 / أبواب الذبائح ب 30 ح 2 . وكذا في الوسائل 24 : 178 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 1 .

ــ[436]ــ

تشملها روايات الصيد وقطع إليات الغنم لاختصاصها بالجزء الكبير فلا دليل على نجاستها .

   وقد يستدل على ذلك بصحيحة علي بن جعفر «عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال (عليه السلام) : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» (1) بتقريب أنه (عليه السلام) بصدد بيان عدم مانعية الفعل المذكور في الصلاة من جميع الجهات ، لأنه (عليه السلام) لو كان بصدد بيان عدم قادحية الفعل المذكور بما هو فعل يسير في الصلاة لم يكن وجه لاشتراطه بعدم سيلان الدم حينئذ ، لأن الفعل اليسير في الصلاة غير قادح لها سواء أسال منه الدم أم لم يسل وهذه قرينة على أنه (عليه السلام) كان بصدد نفي مانعية الفعل المذكور من جميع الجهات ، وعليه فالرواية تدل على طهارة الثالول ، لأنه قد يقطعه بيده وهو في الصلاة ثم يطرحه ، فلو كان الثالول ميتة كان حمله في الصلاة بأخذه بيده ولو آناً قليلاً مبطلاً للصلاة ، كما أن يده قد تلاقي الثالول وهي رطبة فلو كان ميتة لأوجب نجاسة يده ونجاسة البدن تبطل الصلاة ، مع أنه (عليه السلام) نفى البأس عنه مطلقاً من غير استفصال .

   هذا ولا يخفى أن الرواية وإن لم تكن خالية عن الإشعار بالمدعى إلاّ أنها عرية عن الدلالة عليه وإن أصرّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) على دلالتها (2) والوجه فيما ذكرناه أن الرواية ناظرة إلى عدم قادحية الفعل المذكور في الصلاة لأنه فعل يسير وليست ناظرة إلى عدم قادحيته من جميع الجهات . واشتراط عدم سيلان الدم مستند إلى أن نتف الثالول يستلزم سيلانه غالباً ، وكأنها دلت على أن الفعل المذكور غير مانع عن الصلاة في نفسه إلاّ أن له لازماً تبطل به الصلاة فلا بأس به إذا لم يكن مقارناً معه . وأمّا نتف الثالول فلا يلازم ملاقاته اليد رطبة لامكان إزالته بخرقة أو بقرطاس أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 504 / أبواب النجاسات ب 63 ح 1 وكذا في الوسائل 7 : 242 / أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 15 .

(2) كتاب الطهارة : 343 السطر 16 .

ــ[437]ــ

   [ 166 ] مسألة 2 : فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى وإن كان الأحوط الاجتناب عنها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأخذه باليد مع يبوستها ، ولو صدق عليه حمل الميتة ولو آناً ما أمكن أن يقال بعدم قدحه في الصلاة ، لأن بطلانها بحمل الميتة ليس من المسلمات ، وإنما المتيقن منه قدح لبس الميتة ولو في شسع . وأمّا حمل الميتة بما لا يتستر به فقدحه غير متسالم عليه . فالصحيح أن يستدل على طهارة الثالول وأشباهه بما ذكرناه وتجعل الصحيحة مؤيدة للمدعى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net