ــ[57]ــ
ويجب الاستخبار مع الإمكان((1))، نعم في وجوب الإخبار على المتبوع إشكال وإن كان الظاهر عدم الوجوب (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا محالة قاصد للثمانية منجّزاً بطبيعة الحال . فلا مناص من التقصير .
وهذا بخلاف التابع ، فانّه لا يقصـد الثمانية إلاّ على تقـدير كونها مقصودة للمتبوع ، فليس له قصد فعلي تنجيزي ثابت على كلّ تقدير كما كان كذلك في مورد التنظير .
وعلى الجملة : مقتضى فرض التبعية إناطة القصد بالقصد وتعليقه عليه فيقول التابع الخارج مع متبـوعه عن النجف ـ مثلاً ـ جاهلاً بمقصده : إنّ متبوعي إن كان قاصداً للكوفة فقد قصدتها ، وإن قصد ذا الكفل فكذلك ، وإن قصد الحلّة فكذلك . فكلّ ذلك تقدير وتعليق على قصده ، وإلاّ فهو فاقد للقصد الفعلي بتاتاً . فبالنتيجة لا يكون قصده للمسافة إلاّ على تقدير قصد المتبوع لها .
فالمقام أشبه شيء بطالب الضالة أو الصيد أو الغريم ، أو الخارج لاستقبال الحاجّ ونحو ذلك ممّن لا يقصد المسافة إلاّ على تقدير دون تقدير ، فهو يخرج لطلب الصيد مثلاً مهما وجده ، إمّا على رأس الفرسخين أو الثمانية ، فيسير في مساحة واقعية حاوية لمقصده مردّدة بين المسافة وغيرها، فكما يجب التمام هناك بلا كلام فكذا في المقام بمناط واحد .
(1) ينبغي التكلّم في جهات :
الاُولى : هل يجب على التابع الجاهل بمقصد متبوعه الاستخبار لدى التمكّن منه ؟ حكم (قدس سره) بالوجوب ، والظاهر العدم ، فانّ الوجوب مبني على أمرين :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب .
ــ[58]ــ
أحدهما : دعوى كون الوظيفة الواقعية الثابتة في حقّ التابع هي القصر لو كان متبوعه قاصداً للمسافة وإن كان التابع جاهلاً بها ، كما أنّ وظيفته التمام لو لم يقصدها . وعليه لا مناص من الفحص والسؤال تحقيقاً للامتثال والإتيان بالوظيفة الواقعية على وجهها .
ثانيهما : وجوب الفحص في طائفة من الشبهات الموضوعية، وهي التي يؤدّي ترك الفحص فيها إلى الوقـوع في مخالفة الواقع غالباً كما في باب الاستطاعة وبلوغ المال حدّ النصاب ونحوهما ، ومنه المقام أعني التحقيق عن المسافة كما تقدّم (1) .
ولكن شيئاً منهما لا يتم .
أمّا الأوّل : فلما عرفت من دوران القصر مدار القصد الفعلي التنجيزي الثابت على كلّ تقدير ، وهو مفقود بالإضافة إلى التابع بالوجدان ، لكونه معلّقاً على قصد المتبوع ، وهو مشكوك حسب الفرض ، ومعه لا قصد فلا قصر .
فالوظيفة المقرّرة في حقّ التابع حتّى في صقع الواقع إنّما هي التمام ، فانّها وظيفة كلّ من لم يكن قاصداً للمسـافة فعلاً ، والتابع من أبرز مصـاديقه كما لا يخفى . فليس هناك واقع مردّد مجهول ليلزم الفحص عنه مقدّمة للامتثال .
نعم ، بالفحص يتبدّل الموضوع الموجب لتبدّل الحكم ، فينقلب غير القاصد إلى القاصد لو انكشف صدور القصد من المتبوع ، فيحدث عندئذ وجوب القصر ، لا أ نّه ينكشف به واقع مجهول ليلزم الفحص عنه ، إذ لا جهالة في الحكم الواقعي الثابت في حقّه فعلاً الذي هو التمام كما عرفت . ومن المعلوم عدم الدليل على لزوم هذا التبديل وقلب الموضوع وتغييره كما هو ظاهر جدّاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 33 .
ــ[59]ــ
وأمّا الثاني : فلما تقدّم من منع استلزام ترك الفحص للوقوع في خلاف الواقع غالباً حتّى في أمثال هذه الموارد ، فانّ الشكّ في المسـافة أو في قصد المتبـوع وكذا الاسـتطاعة والنصاب ونحو ذلك ليس ممّا يكثر الابتلاء به كي يوجب العلم إجمالاً بالمخالفة لو لم يفحص كما لا يخفى .
فشأن هذه الموارد شأن سائر موارد الشبهات الموضوعية في اشتراك الكلّ في عدم وجوب الفحص بمناط واحد ، ولا تمتاز عنها بشيء .
الجهة الثانية : لا يخفى أنّ الشك في المسافة يمتاز عن غيره من سائر موارد الشبهات الموضوعية في اختصاصه بعدم وجوب الفحص ، حتّى لو بنينا على ثبوت القصر واقعاً وسلّمنا وجوب الفحص فيما يوجب تركه الوقوع في مخالفة الواقع غالباً كما في الشكّ في الاستطاعة ، وبلوغ المال حدّ النصاب ونحو ذلك لاختصاص المقام بعدم احتمال الوقوع في خلاف الواقع بتاتاً .
ضرورة أنّ الشاك الباني على التمام استناداً إلى أصالة التمام لا يخلو إمّا أن ينكشف له الخلاف في الوقت ، أو في خارجه ، أو لا ينكشف رأساً ، ولا رابع .
فعلى الأوّل : يعيدها قصراً ، فلم يفته الواقع كما هو واضح .
وعلى الثاني : فهو محكوم بالإجزاء ، لصحيحة العيص بن قاسم الصريحة في عدم القضاء لو أتمّ في موضع التقصير جهلاً (1) كما سنتعرّض له في محلّه (2) إن شاء الله تعالى مفصّلاً ، فلم يفته الواقع أيضاً .
وعلى الثالث : فالإجزاء فيه بطريق أولى ، إذ مع القطع بالخلاف وحصول الانكشاف لم يجب القضاء ، فما ظنّك بالشك . فعلى جميع التقادير لا يحتمل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 505 / أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1 .
(2) في ص 360 وما بعدها .
ــ[60]ــ
الوقوع في مخالفة الواقع كي يجب الفحص عنه .
وعليه فلا مقتضي لسؤال التابع وفحصه عن مقصد متبوعه بوجه ، حتّى لو سلّمنا وجوب القصر عليه واقعاً إذا كان متبوعه قاصداً للمسافة واقعاً ، لعدم احتمال استلزام تركه الوقوع في محذور مخالفة الواقع على أيّ حال كما عرفت . فاحتمال وجوب الفحص هنا ساقط جزماً .
الجهة الثالثة : بناءً على وجوب الفحص والاستخبار هل يجب الإخبار على المتبوع ؟
الظاهر العدم كما ذكره في المتن ، إذ لا مقتضي له بوجه ، فانّ التسبيب إلى وقوع الغير في الحرام الواقعي وإن كان محرماً كمباشرته ، مثل ما لو قدّم طعاماً متنجّساً إلى الغير فاكله بزعم الطهارة ، لاستناد ارتكاب الحرام حينئذ إلى السبب كاستناده إلى المباشر لدى علمه بالحرمة ، ولا فرق بينهما في مناط التحريم كما حرّر في محلّه (1) .
إلاّ أنّ إيجاد المانع عن صدور الحرام الواقعي عمّن يفعله جاهلاً به غير لازم قطعاً ، فلا يجب الإعلام بنجاسة الطعام لمن يأكله من تلقاء نفسه جاهلاً بنجاسته ، إذ لا تسبيب حسب الفرض ، ولم يصدر منه منكر بعد اعتقاد الطهارة ليلزم ردعه من باب النهي عن المنكر . ومجرّد صدور الحرام الواقعي عن المعذور لا ضير فيه .
وعليه فلا بأس بترك الإخبار وعدم الإعلام في المقام بعد أن لم يكن المتبوع هو السبب في وقوع التابع في الحرام الواقعي .
هذا كلّه بناءً على وجوب القصر واقعاً على التابع الذي يكون متبوعه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح العروة 3 : 309 .
|