ــ[70]ــ
الثالث : استمرار قصد المسافة ، فلو عدل عنه قبل بلوغ الأربعة أو تردّد أتمّ (1) ، وكذا إذا كان بعد بلوغ الأربعة لكن كان عازماً على عدم العود ، أو كان متردّداً في أصل العود وعدمه ، أو كان عازماً على العود لكن بعد نيّة الإقامة هناك عشرة أيام ، وأمّا إذا كان عازماً على العود من غير نيّة الإقامة عشرة أيام فيبقى على القصر وإن لم يرجع ليومه ، بل وإن بقي متردّداً إلى ثلاثين يوماً ، نعم بعد الثلاثين متردّداً يتم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد، فيعتبر القصد المزبور حدوثاً وبقاءً ، فلو عدل عنه في الأثنـاء قبل بلوغ الأربعة رجع إلى التمام ، وكذا بعده إلاّ إذا كان عازماً على العـود بحيث تتشكّل منه المسـافة التلفيقـية بدلاً عن الامتدادية .
ويدلّ على الحكم نفس الأدلّة الأوّلية المتكفّلة لإناطة التقصير بثمانية فراسخ إذ مقتضى هذا التحديد أ نّه لو قلّت المسافة عن الثمانية بأن عزمها ثمّ بدا له في الأثناء انتفى عنه حكم التقصير ورجع إلى التمام ، لانتفاء ما كان الاعتبار به في ثبوته أعني ثمانية فراسخ ولو ملفّقة .
نعم ، إنّ نفس هذه الروايات دلّتنا على وجوب التقصير بمجرّد التجاوز عن حدّ الترخّص من دون انتظار بلوغ الثمانية ، ولأجله ربّما يتراءى نوع تدافع بين الحكمين كما لا يخفى . إذن لابدّ من الالتزام بالشرط المتأخِّر، وأنّ الحكم بالتقصير لدى بلوغ حدّ الترخّص مشروط ببلوغ السير إلى نهاية الثمانية مستمرّاً ، فعدوله في الأثناء يكشف عن عدم ثبوت الحكم ، لانتفاء الموضوع واقعاً وإن كان به جاهلاً .
وهل يعيد حينئذ ما صلاه قصراً أو أ نّه يجزي كما لعلّه المشهور ؟ فيه كلام
ــ[71]ــ
وسنبحث عنه إن شاء الله تعالى عند تعرّض الماتن له في مسألة مستقلّة قريباً (1) .
وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ نفس الأدلّة الأوّلية وافية لإثبات هذا الاشتراط ، فالحكم مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى التماس نصّ خاص .
مضافاً إلى استفادته من صحيحة أبي ولاد ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّي كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء ، فسرت يومي ذلك اُقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في اللّيل الرجوع إلى الكوفة ، فلم أدر اُصلّي في رجوعي بتقصير أو بتمام ، وكيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير ، لأ نّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك ، قال : وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فانّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم (2) من مكانك ذلك ، لأ نّك لم تبلغ الموضـع الذي يجوز فيه التقصـير حتّى رجعت ، فوجب عليك قضاء ما قصّرت ، وعليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك» (3) .
وقد تضمّنت الصحيحة أحكاماً ثلاثة :
الأوّل : أن من عدل عن سفره قبل بلوغ الأربعة يتمّ صلاته .
الثاني : أ نّه يعيد ما صلاه قصراً تماماً ، لعدم تحقّق السفر منه .
الثالث : أ نّه إذا أراد الرجوع بعد بلوغ الأربعة قصّر ، وهذا الأخير أجنبي عن محلّ الكلام ، والأمران الأوّلان يعطيان اعتبار الاسـتمرار في القصد ، وأنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 83 وما بعدها .
(2) [ في التهذيب 3 : 298 / 909 : من قبل أن تريم ] .
(3) الوسائل 8 : 469 / أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1 .
ــ[72]ــ
القصد البدائي لا يكفي في ثبوت التقصير .
ولكن صحيحة زرارة تعارض هذه الصحيحة في الحكم الثاني ، حيث قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا، وانصرف بعضهم في حاجة ، فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين ؟ قال : تمّت صلاته ولا يعيد» (1) .
فدلّت على عدم إعادة ما صلاه قصراً على خلاف هذه الصحيحة ، ولا بدّ من التساقط في هذه الفقرة أو التقديم .
وكيف ما كان ، فهذا حكم آخر خارج عن نطاق هذا البحث ، وهذه غير متعرّضة لما دلّت عليه صحيحة أبي ولاد في حكمها الأوّل ، أعني الحكم بالتمام في من عدل قبل بلوغ المسافة ، فهي في هذا الحكم الذي هو محلّ الكلام سليمة عن المعارض ، وهي صريحة الدلالة على اعتبار الاستمرار في القصد كما عرفت .
ويعضدها رواية إسحاق بن عمار ، ورواية المروزي (2) المتقدّمتان (3) فلاحظ .
ولكنّهما ضعيفتا السند كما تقدّم ، فلا تصلحان إلاّ للتأييد ، وإن كانت الثانية معتبرة على مسلكنا ، لوقوع المروزي في أسناد كامل الزيارات ، والعمدة هي هذه الصحيحة . إذن يعتبر استمرار القصد ، فلا يكفي لو عدل ، بل وكذا لو تردّد للشكّ في تحقّق الشرط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 521 / أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1 .
(2) الوسائل 8 : 466 / أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10 ، 457 / ب 2 ح 4 .
(3) [ تقدّمت رواية عمار في ص 67 دون رواية المروزي ، نعم ستأتي في ص 85 ] .
|