بقي شيء وهو أ نّه لو قصد المسافة وفي الأثناء عدل أو تردّد ، ومع ذلك سار شيئاً فشيئاً متردِّداً إلى أن بلغ المسافة فكانت قطعة من سيره فاقدة للعزم
ــ[73]ــ
والجزم، فهل يقصّر حينئذ نظراً إلى أ نّه قصد المسافة وقد قطعها خارجاً فيشملها إطلاقات الأدلّة الدالّة على إناطة التقصير بقصد الثمانية وطيّها ؟
الظاهر هو الحكم بالتمام ، لأجل قوله (عليه السلام) في موثقة عمار المتقدّمة : « ... لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» (1) .
فانّ التعبير بصيغة المضـارع في قوله : «حتّى يسير» يعـطينا لزوم التلبّـس الفعلي بكون سـيره من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، وهذا لا يكون إلاّ مع استمرار القصد ، بأن يكون القصد المزبور محفوظاً من لدن خروجه من المنزل وحتّى النهاية ، وإلاّ ففي حال الرجوع عن عزمه أو التردّد لا يصدق أ نّه متلبّس فعلاً بالسير من منزله أو قريته إلى ثمانية فراسخ .
فتحقيقاً للتلبّس الفعلي المستفاد من التعبير بالمضارع لا بدّ من مراعاة القصد المزبور في جميع آنات السير ، بأن يكون متّصفاً بهذا العنوان ـ أي عنوان أ نّه يسير من منزله إلى ثمانية فراسخ ـ في جميع الحالات وحتّى نهاية المسافة ، فكما يعتبر القصد من الأوّل يعتبر في الأثناء أيضاً ، فلو تردّد لم يصدق أ نّه سار من منزله إلى ثمانية فراسخ ، بل يصدق أ نّه سار من منزله إلى فرسخين مثلاً ثمّ سار الباقي متردّداً .
وبالجملة : مورد القصد ـ أي العلم ـ لا يقبل عروض الشكّ ، ومبدأ هذا العلم من منزله ، ومنتهاه نهاية الثمانية فراسخ ، فمتى تحقّق يقصّر ، وإلاّ لم يكن مسافراً، بل يندرج تحت عمومات وجوب التمام على كل مكلّف حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 469 / أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 3 .
|