الخامس : أن لا يكون السفر حراماً 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4628


   الخامس من الشروط :  أن لا يكون السفر حراماً ، وإلاّ لم يقصّر(1) سواء كان نفسه حراماً كالفرار من الزحف ، وإباق العبد

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوطن ينقطع سفره ويكون حكمه التمام واقعاً ، لفقد استمرار القصد ، وحينئذ يحتاج التقصير إلى قصد مسافة جديدة ، والمفروض أنّ الباقي ليس بمسافة ، فلا مناص من بقائه على التمام حسبما عرفت .

   (1) ذكر الفقهاء من غير خلاف بينهم أنّ سفر المعصية لا تقصير فيه ، وقد تسالموا عليه ، وادّعي الإجماع في كلمات غير واحد ، وهو على قسمين :

   الأوّل :  أن يكون السفر بنفسه حراماً كسفر الزوجة بدون إذن زوجها في غير الواجب فيما إذا كان منافياً لحقّ الزوج ، وكالفرار من الزحف ، ونحوهما ممّا كان نفس السفر والابتعاد عن الوطن مبغوضاً للشارع ومحكوماً بالحرمة .

   الثاني :  أن يكون السـفر بنفسه مباحاً إلاّ أ نّه مقدّمة لغاية محـرّمة ، كما لو سافر لأجل سرقة أو شراء خمر أو قتل نفس محترمة أو زنا أو إعانة ظالم ونحو ذلك .

 ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى شمول الحكم لكلا القسمين ، إلاّ أنّ المنسوب إلى الشهيد الثاني في الروض (2) أ نّه استشكل في القسم الأوّل ، بدعـوى قصور

ـــــــــــ
(2) الروض : 388 السطر 8 .

ــ[95]ــ

الروايات عن الشمول له ، إلاّ أن يتمسّك بالأولوية .

   ولكن الظاهر أنّ ذلك مستفاد من نفس الروايات من غير حاجة إلى التمسّك بالأولوية أو دعوى التسالم ، فانّها وافية لإثبات الحكم في كلا القسمين بنطاق واحد .

   فمنها :  ما رواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : من سافر قصّر وأفطر إلاّ أن يكون رجلاً سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسول لمن يعصي الله ، أو في طلب عدوّ ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين» (1) .

   هكذا في الوسائل والفقيه ، ولكن في الحدائق «رسـولاً» بالنصب (2) وهو الصحيح . وكيف ما كان ، فيقع الكلام تارة في سند الرواية ، واُخرى في دلالتها .

   أمّا السند :  فقد عبّر عنها في الحدائق بالصحيح عن عمار بن مروان ، المشعر بضعف الرجل، وكأ نّه من أجل تردّده بين اليشكري الثقة الذي وثّقة النجاشي(3) وغيره ، وهو معروف وله كتاب يرويه محمد بن سنان ، وبين الكلبي الذي ذكره الصدوق في المشيخة حيث قال : وما كان فيه عن عمار بن مروان الكلبي فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله) عن عبدالله بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 476 /  أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3 ، الفقيه 2 : 92 / 409 [ والمذكور في الفقيه : رسولاً ] .

(2) الحدائق 11 : 380 .

(3) رجال النجاشي : 291 / 780 .

ــ[96]ــ

الخزاز عن عمار بن مروان (1) .

   فإن كان الكلبي هو اليشكري فلا كلام ، وإن كان غيره ـ وقد روى عن كلّ منهما الخزاز ، إذ لا شهادة في ذلك على الاتحاد بوجه ، لجواز أن يروي شخص عن شخصين أو أشخاص كلّهم مسمّون باسم واحد كما هو ظاهر ـ فهو مجهول الحال لم يذكر في شيء من كتب الرجال ، ولم يقع في أسناد كامل الزيارات ليشمله التوثيق العام . وحيث لم يثبت الاتحـاد فلا جرم كان الرجل محتمل الاشتراك بين الموثّق وغيره ، فلم يبق وثوق بصحّة الرواية .

   ومن هنا استشكلنا في المال المخلوط بالحرام الذي حكم المشهور بتخميسه إذ ليس لهم مستند معتدّ به عدا رواية عمار بن مروان الناطقة بذلك ، وذكرنا أنّ الأحوط الدفع بنيّة الأعم من الخمس
والمظالم (2).

   ولكن الظاهر اختصـاص الإشكال بتلك الرواية ونحوها ممّا اشتمل على السند المتقدّم عن المشيخة ، لما عرفت من التردّد بين الموثّق وبين من هو مجهول تمام الجهالة .

   وأمّا هذه الرواية المبحوث عنها في المقام فلم يروها الصدوق عن عمار بن مروان ابتداءً ليشمله السند المتقدّم كي يتوجّه عليه الإشكال المزبور ، بل رواها عن ابن محبوب عن الخزاز عن ابن مروان . ولا إشكال أنّ عمار بن مروان لدى الإطلاق ينصرف إلى المعروف الذي له كتاب ، وهو اليشكري الثقة، دون الكلبي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 4 (المشيخة) : 98 .

(2) كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في تعليقته الأنيقة المطبوعة سنة 1380 ، ولكنّه (دام ظلّه) عدل عن ذلك في الطبعة الأخيرة ووافق المشهور في وجوب التخميس . وإن شئت التوضيح فراجع ما ضبطناه عنه في كتاب الخمس من مستند العروة الوثقى : الخامس ممّا يجب فيه الخمس [ بعد المسألة 2903 ] .

ــ[97]ــ

المجهول المذكور في سند آخر .

   وممّا يؤكِّد ذلك أنّ طريق الصدوق إلى الكلبي المتقدّم عن المشيخة يختلف عن طريقه إلى هذه الرواية ، فانّ في الأوّل محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وهو الراوي عن الحسن بن محبوب، وفي هذه سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد ابن عيسى عن ابن محبوب(1) ، فالراوي عنه غير ذلك الراوي ، وإن اشتركا في بعض من وقع في الطريقين كمحمد بن موسى بن المتوكل والحسن بن محبوب .

   وكيف ما كان ، فالظاهر أنّ عمار بن مروان في هذه الرواية لا يراد  به إلاّ اليشكري الثقة . فهي صحيحة لا ينبغي النقاش في سندها ، هذا .

   والموجود في الكافي في طبعتيه محمد بن مروان (2) بدل عمار بن مروان ، ولا يبعد أ نّه الذهلي البصري ، فنسـخة الكافي تغاير الفقيه ، وكلـتاهما تنتهي إلى الحسن بن محبوب عن أبي أيوب .

 وفي هامش الوافي أنّ في بعض نسخ الكافي محمد بن مروان (3) فيعلم من ذلك أنّ هذا من اختلاف النسخ لا اختلاف الرواية . والظاهر أنّ في نسخة الكافي تحريفاً (4) والصواب هو عمار بن مروان كما في الفقيه والتهذيب ، فانّ الشيخ روى نفس هذه الرواية في التهذيب عن الكليني(5) ، وكذا صاحب الحدائق(6)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ كما يتّضح من مراجعة الفقيه 4 (المشيخة) : 49 ] .

(2) الكافي 4 : 129 / 3 .

(3) الوافي 7 : 173 .

(4) وان استظهر (دام ظلّه) خلافه في معجم رجال الحديث 13 : 272 / 8654 وأنّ التحريف في المشيخة لا في الكافي .

(5) التهذيب 4 : 219 / 640 .

(6) كما تقدّم آنفاً .

ــ[98]ــ

فيعلم أنّ النسخة التي كانت عندهما كانت مطابقة للفقيه .

   ولو فرضنا أنّ جميع نسخ الكافي كانت عن محمد بن مروان فليس بالإمكان أن ترفع اليد بها عن رواية الفقيه ، لأنّ في طريق الكافي سهل بن زياد وهو ضعيف ، فلا يعارض بها الرواية الصحيحة .

   ولو تنزّلنا وفرضنا أنّ الصحيح محمد بن مروان فهو أيضاً موثّق عندنا لوقوعه في أسناد كامل الزيارات .

   وعلى جميع التقادير فما في مصباح الفقيه للهمداني (قدس سره) من ضبط حماد بن مـروان (1) فهو غلط جزماً ، فانّه إمّا عمار أو محمد حسبما عرفت . فتحصّل : أنّ السند ممّا لا إشكال فيه .

   وأمّا الدلالة : فقد سبق أنّ الشهيد (قدس سره) ناقش في شمولها للقسم الأوّل من قسمي سفر المعصية ، أعني ما لو كان السفر بنفسه حراماً ، ولكنّه لا وجه له كما مرّ ، فانّ قوله (عليه السلام) : «أو في معصية الله» غير قاصر الشمول له لانطباق هذا العنوان على السفر الحرام انطباق الكلّي على مصداقه ، وقد شاع إطلاق مثل هذا الاستعمال لبيان إدخال الفرد في الكلّي ، كما يقال : زيد في العلماء أي أ نّه أحد مصاديقهم .

   وقد ورد أ نّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2) ، أي في عمل هو بنفسه مصداق لمعصية الخالق . فالسفر في معصية الله يعمّ ما كان السفر بنفسه حراماً وداخلاً في كبرى معصية الله ومصداقاً لها .

   بل يمكن قلب الدعوى بأن يقال : إنّ الرواية ظاهرة في خصوص ما كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 740 السطر 15 .

(2) الوسائل 27 : 129 /  أبواب صفات القاضي ب 10 ح 17 .

ــ[99]ــ

السفر بنفسه حراماً ، إذ هو الذي يكون مصـداقاً لمعصية الله ، دون ما كانت غايته محرّمة ، فانّ هذا القسم داخل فيما ذكره فيما بعد قوله : «أو في معصية الله» إذ الأمثـلة التي يذكرها بعد ذلك كلّها من قبيل القسم الثاني ، أعني ما كانت الغاية محرّمة ، فذاك القسم مذكور فيما بعد ، فلا وجه لإدراجه في قوله (عليه السلام) : «أو في معصية الله» .

   وكيف ما كان ، فلو لم تكن العبارة ظاهرة فيما نقول فلا أقل من الشمول فالتشكيك في ذلك في غير محلّه جزماً .

   ولو أغمضنا عن هذه الرواية فتكفينا في الدلالة على التعميم ما رواه الصدوق بنفس هذا السند المعتبر عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلاّ في سبيل حق»(1) فانّ من الضروري أنّ السفر الحرام ليس في سبيل حقّ ، فلا إفطار فيه بمقتضى الحصر .

   وهذه الرواية وإن رواها الكلـيني عن ابن أبي عمير مرسـلاً (2) ، ولا نعمل بالمراسـيل ، إلاّ أنّ الصدوق (قدس سره) رواها في ذيل الرواية المتقـدِّمة عن عمار بن مروان ، فهي جزء من تلك الصحيحة .

 ولكن صاحب الوسائل تخيّل أنّ الذيل من كلام الصدوق فجعلها رواية مستقلّة مرسلة . وليس كذلك، بل هي تتمّة لما سبق، وجملة: وقال (عليه السلام) من كلام عمار بن مروان ، لا من كلام الصدوق نفسه ، إذ لم يعهد في مراسيله مثل هذا التعبير ، ولو أراد ذلك لعبّر هكذا : وقال الصادق (عليه السلام) ، أو وقال رسول الله، ونحو ذلك. كما عبّر بمثله في الرواية اللاّحقة(3). فالظاهر أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 476 /  أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 1 ، الفقيه 2 : 92 / 410 .

(2) الكافي 4 : 128 / 2 .

(3) أي ما رواه في الفقيه 2 : 92 / 411 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net