ــ[108]ــ
[ 2262 ] مسألة 31 : إذا سافر للصيد فان كان لقوته وقوت عياله قصّر بل وكذا لو كان للتجارة ، وإن كان الأحـوط فيه الجمع ، وإن كان لهواً كما يستعمله أبناء الدُّنيا وجب عليه التمام (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قسّم (قدس سره) سفر الصيد إلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن يسافر للصيد لينتفع بثمنه ، ويعبّر عنه بالصيد للتجارة .
الثاني : أن يسافر للصيد لقوت نفسه وعياله وضيوفه .
الثالث : أن تكون الغاية من سفر الصيد التلهِّي، لا الانتفاع بالثمن ولا التقوّت به ، وإنّما يقصد الترف والاُنس كما هو شأن الملوك والاُمراء وغيرهم من أبناء الدنيا ، ويسمّى بصيد اللّهو .
أمّا في القسم الأخير : فلا خلاف كما لا إشكال في عدم التقصير ، ولم ينسب الخلاف إلى أحد إلاّ على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى (1) .
وإنّما الكلام في أ نّه حرام أيضاً ولأجله يتمّ ، أو أ نّه تعبّد محض ؟ نسب إلى المشهور كما عن السرائر الحرمة (2) .
وخالف المقدّس البغدادي فأنكر الحرمة ، لعدم الدليل على حرمة اللّهو إلاّ في موارد خاصّة من اللعب اللهوي كالقمار واستعمال النرد والشطرنج والمزمار ونحو ذلك من الموارد المنصوصة ، وأمّا غير ذلك ومنه صيد اللّهو فلا دليل على حرمته .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 119 وما بعدها .
(2) [ لاحظ السرائر 1 : 327 ، حيث لم يحكِ الحرمة عن المشهور ] .
ــ[109]ــ
وجعل (قدس سره) ذلك بمثابة التنزّه في البساتين والتفرّج بالمناظر الجميلة وغيرها ممّا قضت السيرة القطعية باباحتها ، فكما أنّ اللّهو في غير الصيد مباح فكذا في الصيد .
وقد نقل صاحب الجواهر كلام المقدّس بطوله لكي يظهر أ نّه بفتواه خالف النصّ والفتوى ، بل قال (قدس سره) : كأ نّه اجتهاد في مقابلة النص (1) .
وادّعى المحقّق الهمداني (قدس سره) (2) أنّ مقالة المقدس إنّما تخالف الفتاوى دون النصوص ، إذ النصوص إنّما دلّت على وجوب التمام فقط ، ولا ملازمة بينه وبين حرمة السفر .
وبعبارة اُخرى : ليس في الأخبار ما يدل على التحريم عدا الإشعار في بعضها ، وهي صحيحة حماد الآتية ، لمكان اقتران الباغي بالسارق ، الكاشف عن الحرمة بمقتضى وحدة السياق .
ولا بدّ لنا من عرض الأخبار لنرى مدى دلالتها .
فمنها : ما رواه الكليني باسناده عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في قول الله عزّ وجلّ : (فَمَن اضطُرّ غَير بَاغ وَلا عَاد ) قال : الباغي باغي الصيد ، والعادي السارق ، وليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها ، هي عليهما حرام ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما أن يقصِّرا في الصلاة» (3) .
وسند الرواية معتبر وإن اشتمل على معلّى بن محمد، لوجوده في أسناد كامل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 14 : 264 .
(2) مصباح الفقيه (الصلاة) : 743 السطر 33 .
(3) الوسائل 8 : 476 / أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 2 ، الكافي 3 : 438 / 7 .
ــ[110]ــ
الزيارات ، نعم عبّر عنه النجاشي بأ نّه مضطرب الحديث والمذهب (1) .
ولكن اضطراب المذهب لا يضرّ بوثاقة الرجل كما لا يخفى ، وأمّا اضطراب الحديث فقد فسّره علماء الرجال بعدم الاستقامة ، وعدم كون الأحاديث على نسق واحد ، بل بعضها معروفة وبعضها منكرة غير مقبولة ، فهو يحدّث بكلّ ما سمع وعن أيّ شخص كان . وهذا لا يقتضي طعناً في وثاقة الرجل بنفسه بوجه كما هو ظاهر . إذن فتوثيق ابن قولويه سليم عن المعارض .
ومع الغضّ عن ذلك فهذه الرواية بعينها ينقلها الشيخ في التهذيب في أبواب الأطعمة المحرّمة بسند صحيح لا إشكال فيه (2) .
وأمّا الدلالة فالظاهر أ نّها قاصرة ، لأنّ الباغي إن كان من البغي بمعنى الظلم فهو مفسّر في بعض الروايات بالخروج على الإمام ، فيخرج من محلّ الكلام ولا يمكن إرادته في المقام ، إذ لا معنى لظالم الصيد ، فلا بدّ وأن يكون من البغية بمعنى الطلب ، أي طالب الصيد ، ولكنّه لا يدلّ على الحرمة .
ووقوعه في سياق السارق المحكوم بحرمة عمله لا يقتضيها نظراً إلى الحكم عليهما ـ الباغي والعادي ـ بمنع أكل الميتة حتّى حال الاضطرار . ومعلوم أنّ ذلك ليس بمناط التحريم ليدّعى اشـتراكهما فيه بمقتضى وحدة السياق ، وإلاّ فمن البديهي أنّ القاتل أعظم إثماً من السارق ، وشارب الخمر أشدّ فسقاً من طالب الصيد، وهكذا من يرتكب سائر المحرّمات في السفر أو الحضر ، ومع ذلك لا يمنع من أكل الميتة لدى الاضطرار بلا خلاف فيه ولا إشكال .
فيعلم من ذلك بوضـوح أنّ هذا حكم تعبّدي خاص بهذين الموردين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 418 / 1117 .
(2) الوسائل 24 : 215 / أبواب الأطعمة المحرّمة ب 56 ح 2 ، التهذيب 9 : 78 / 334 .
ــ[111]ــ
ـ طالب الصيد والسارق ـ فلا تدلّ على الحرمة بوجه ، بل لا إشعار فضلاً عن الدلالة كما لا يخفى .
ومنها : رواية ابن بكير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة أيقصّر الصـلاة ؟ قال : لا ، إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، فان التصيّد (الصيد) مسير باطل لا تقصّر الصلاة فيه ، وقال : يقصّر إذا شيّع أخاه» (1) .
دلّت على أنّ عدم قصر الصلاة ليس حكماً تعبّدياً ، بل من أجل أ نّه باطل وظاهر البطلان الحرمة، وإلاّ فالبطلان في الفعل الخارجي لا معنى له بعد وضوح عدم إرادة البطلان في باب العقود والإيقاعات . فالمسير الباطل أي ليس بحقّ المساوق لقولنا : ليس بجائز ، وهو معنى الحرمة . فهي من حيث الدلالة تامّة لكن السند سقيم بسهل بن زياد ، فلا تصلح للاستناد .
ومنها : موثّقة عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصّر أو يتم ؟ قال : يتم ، لأ نّه ليس بمسير حقّ» (2) .
ولا نقاش في سندها ، كما لا ينبغي التأمّل في دلالتها ، حيث دلّت على أنّ الإتمام ليس لعنوان الصيد ، بل من أجل أ نّه ليس بحقّ ، المساوق لكونه معصية .
ولا أدري كيف عبّر المحقّق الهمداني عن مفادها بالإشعار (3) بعد وضوح دلالتها بصراحة التعليل ـ كما عرفت ـ في أنّ عدم التقصير ليس لموضوعية للصيد، بل من أجل عدم كونه مسير الحقّ ، أي ليس بسائغ مرخّص فيه فيكون حراماً بطبيعة الحال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 480 / أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7 .
(2) الوسائل 8 : 479 / أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4 .
(3) مصباح الفقيه (الصلاة) : 743 السطر 33 .
ــ[112]ــ
ولا بعد في الالتزام بذلك كما أشار إليه في الجواهر حيث قال : إنّ البغدادي استبعد ما لا بعد فيه ، إذ أيّ مانع من الالتزام بالتفكيك بين الصيد وغيره من سائر أقسام اللّهو ممّا قام الإجماع والسيرة بل الضرورة على جوازه بعد مساعدة النصّ ، فيبنى على استثناء هذا الفرد من سائر أقسامه (1) .
ولا يبعد أن يكون السبب أنّ قتل الحيوان غير المؤذي جزافاً وبلا سبب سدّ لباب الانتفاع به للآخرين في مجال القوت أو الاتجار ، ففيه نوع من التبذير والتضييع ، فلا يقاس بسائر أنواع اللهو .
وكيف ما كان ، فما ذكره المشهور من حرمة صيد اللهو ودخوله في سفر المعصية هو الصحيح . ـــــــــــــــ
(1) الجواهر 4 : 264 .
|