ــ[165]ــ
[ 2276 ] مسألة 45 : إذا سافر المكاري ونحوه ممّن شغله السفر سفراً ليس من عمله كما إذا سافر للحجّ أو للزيارة يقصّر (1) ، نعم لو حجّ أو زار لكن من حيث إنّه عمله كما إذا كرى دابته للحجّ أو الزيارة وحجّ أو زار بالتبع أتمّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا معارضة بين الطائفتين بوجه .
ونتيجة ذلك : عدم اعتبار صدق الاختلاف والتردّد بانياً عليه ، والاكتفاء بمجرّد صدق كون السفر شغله وعملاً له عرفاً ولو كان ذلك في سفرة واحدة أو في سفرات من غير نيّة الاستمرار ليصدق الاختلاف، كما لو اتّفق أ نّه كارى دابته أو سيارته بقصد مرّة واحدة من دون تكرار فاتّفق مرّة اُخرى واتّفق ثالثة وفي كلٍّ لا ينوي الاستمرار إلاّ أ نّه صادف مصادفة ، فانّ هذا يصدق عليه طبعاً أنّ شـغله السفر ، بحيث لو سئل عن عمله لأجاب بأ نّه المكاراة ، وإن لم يكن بانياً عليها .
وهكذا لو لم يختلف ولم يتردّد ، بل كان ذلك في سفر واحد ولم يعد إليه أبداً كما لو كارى دابته أو سيارته لسفر طويل يستوعب سنة مثلاً وليس قصده إلاّ هذه المرّة ، فانّه يصدق عليه أنّ شغله في هذه السنة المكاراة ، وإن لم يشتمل على العود والتردّد والذهاب والإياب ليصدق الاختلاف .
فالعبرة إذن بالصدق العرفي بكون السفر عملاً له ومهنة، لا بالاختلاف وعدمه حسبما عرفت .
(1) قد ظهر حال هذه المسألة من مطاوي ما سبق ، وعرفت أ نّه في مجال السفر الجديد الخارج عن مهنته لايصدق عليه كون هذا السفر عملاً له، فيكون المرجع إذن إطلاقات القصر لكلّ مسافر .
ــ[166]ــ
[ 2277 ] مسألة 46 : الظاهر((1)) وجوب القصر على الحملدارية الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحج ، بخلاف من كان متّخذاً ذلك عملاً له في تمام السنة ، كالّذين يكرون دوابّهم من الأمكنة البعيدة ذهاباً وإياباً على وجه يستغرق ذلك تمام السنة أو معظمها فانّه يتمّ حينئذ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قد عرفت(2) أنّ المدار في الحكم بالتمام على صدق عنوان عمله السفر الذي قد يتحقّق بمرّة واُخرى بمرّات حسب اختلاف الموارد ، وأ نّه ليس المناط السفر الرابع كما عن الشهيد الثاني، أو السفر الثالث كما عن العلاّمة في المختلف(3) .
وعليه ففي المكاري إذا كانت الفترات بين سـفراته يسيرة كيومين أو ثلاثة مثلاً لم تضرّ بصدق العـنوان ، وأمّا إذا كانت كثـيرة أو طويلة فربما يقدح في الصدق ، فيختلف الصدق باختلاف الفترات طولاً وقصراً قلّة وكثرة .
ومنه تعرف حكم الحملدارية ، وهي اصطلاح تطلق على اُولئك الأشخاص الذين يرافقون الحجّاج الكرام لبيت الله الحرام لتعليمهم مناسك حجّهم وإرشادهم في سفرهم بكلّ ما يحتاجون إليه ، فانّ المدّة التي يستوعبها الحملدار في سفره على نحوين :
فتارة : تكون قصيرة كما في زماننا هذا ، حيث لا يتجاوز العشرين يوماً أو ما قارب ، ولا يصدق على مثل ذلك كون السفر عملاً له قطعاً ، ولذا يتعيّن عليه القصر بلا إشكال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا فيما إذا كان زمان سفرهم قليلاً كما هو الغالب في مَن يسافر جوّاً ، وإلاّ ففي وجوبه إشكال ، والاحتياط بالجمع لا يترك .
(2) في ص 163 .
(3) وقد تقدّم في ص 162 ، 163 .
ــ[167]ــ
واُخرى : تطول المدّة ، ولربما استمرت إلى شهور عديدة كما في الأزمنة السابقة ويتكرّر منه العمل في كلّ سنة، وحينئذ فيصدق على مثل هذا الحملدار أنّ عمله في السفر فيجب عليه التمام . إذن فيختلف هذا العنوان تبعاً لقلّة المدّة وكثرتها .
فإن علمنا بالحال وأحرزنا الصدق أو عدمه فلا كلام ، وأمّا لو شكّ في ذلك فقد تكون الشبهة موضوعية واُخرى حكمية مفهومية .
أمّا في الموضوعية ـ وهي فرض نادر ـ كما لو شكّ في كيفية خروجه في هذه السـفرة وأ نّه هل خرج مكارياً أو حاجاً ؟ فلا شكّ في وجوب القصر لعدم إحراز انطباق عنوان المخصّص عليه ، والأصل عدمه ، فيدخل تحت عنوان كلّي المسافر المحكوم عليه بالقصر ، وهذا واضح .
وأمّا في الحكمية المستندة إلى الجهل بسعة المفهوم وضيقه ، المستوجب للشكّ في صدق عنوان عمله السفر كما في الحملدارية التي تستوعب من كلّ سنة ثلاثة أشهر مثلاً ، التي كانت تتّفق في الأزمنة السابقة من العراق إلى مكّة . فيحتمل أن يكون الحكم حينئذ هو القصر ، نظراً إلى الشكّ في التخصيص الزائد في أدلّة وجوب القصر الثابت لكلّ مسافر، فانّ الخارج منها من كان عمله السفر، ويشكّ في دائرة هذا العنوان سعة وضيقاً ، فيقتصر على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العام .
ويحتمل التمـام ، ووجهـه أنّ الخارج عن إطلاقات القصر عـناوين خاصّة كالمكاري والجمال والملاح ونحوها، وهذه العناوين المقيّدة في أنفسها مطلقة أيضاً غاية الأمر أ نّها قيّدت بعـنوان عمله السفر بمقتضى التعليل الوارد في صحيح زرارة (1) كما مرّ (2) ، لأنّ العلّة تضيّق كما أ نّها توسّع حسبما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتقدّم في ص 151 .
(2) في ص 163 ، 153 .
|