ــ[177]ــ
ولا فرق في الحكم المزبور بين المكاري والملاّح والساعي ((1)) وغيرهم ممّن عمله السفر (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعدما عاد من السفرة الاُولى إلى وطنه حكم عليه بالتمام بلا كلام ، وبعدما خرج منه إلى السفرة الثانية يشكّ في انقلابه إلى القصر فيستصحب .
وفيه أوّلاً : أ نّه من الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، ولا نقول به .
وثانياً : أنّ هذا من قبيل القسم الثالث من اسـتصحاب الكلّي ، فانّ التمام الثابت آنذاك إنّما هو بعنوان كونه في الوطن ، وهذا الفرد من كلّي وجوب التمام قد زال وارتفع بالخروج إلى السفرة الثانية قطعاً ، ولو ثبت الوجوب بعدئذ فهو بعنوان كونه مكارياً ، الذي هو تخصيص في أدلّة وجوب القصر ، وهذا فرد آخر من التمام مغاير لما كان ثابتاً سابقاً ، يشكّ في حدوثه مقارناً لارتفاع الفرد السابق .
فذاك الفرد المتيقّن معلوم الارتفاع ، وهذا الفرد مشكوك الحدوث ، والكلِّي الجامع بينهما غير قابل للاستصحاب ، لما عرفت من كونه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي ، والمقرّر في محلّه عدم جريانه (2) .
فتحصّل : أنّ الأظهر هو الاختصاص بالسفرة الاُولى ، ووجوب التمام فيما عداها لا للاستصحاب ، بل للدليل اللفظي حسبما عرفت .
(1) لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق في الأدلّة الأوّلية وجوب التقصير على كلّ مسافر ، خرجنا عن ذلك في المكاري ونحوه ممّن شغله السفر بمقتضى النصوص الدالّة على وجوب التمام عليهم كما سبق ، فكان هذا تخصيصاً في الدليل الأوّلي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأظهر اختصاص الحكم بالمكاري دون غيره .
(2) مصباح الاُصول 3 : 114 .
ــ[178]ــ
وقد ورد على هذا المخصّص مخصّص آخر في خصوص المكاري ، وأ نّه إذا سافر بعد إقامة عشرة أيام وجب عليه القصر والإفطار ، فانّ هذا من التخصيص دون التخصّص ، لوضوح عدم خروج المكاري باقامة العشرة عن كونه مكارياً ، ولا سيما في الأزمنة السابقة التي كانت تطول فيها مدّة الأسفار فكان المكاري يسافر من العراق إلى خراسان مدّة شهرين تقريباً ، وبعد عوده إلى بلده يبقى لعلّه شهراً ثمّ يأخذ في السفرة الاُخرى وهكذا .
وعلى الجملة : دليل انقطاع عملية السفر باقامة العشرة ـ وهي صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة ـ ليس إلاّ تخصيصاً في دليل وجوب التمام كما عرفت .
وبما أنّ مورده المكاري بخصوصه فمقتضى الجمود على مورد النص الاقتصار عليه في الحكم بالتقصير ، دون التعدّي إلى مطلق من عمله السفر كالملاح والساعي ونحوهما ، بل اللازم في مثل ذلك التمام وإن أقاموا عشرة أيام ، إلاّ أن يكون هناك إجماع على الملازمة بين المكاري وغيره كما ادّعي، وأنّ كلّ من كان عمله السفر وظيفته التقصير بعد إقامة عشرة أيام ، وإنّما ذكر المكاري في النصّ من باب المثال دون خصوصية فيه .
لكن الشأن في إثبات الإجماع وإن ادّعاه صاحب الجواهر (1) وغيره ، فانّ المسألة لم تكن محرّرة في كلمات القدمـاء ، وإنّما تعرّض لها المتأخّرون . فالقول بالاختصاص بالمكاري الذي حكاه المحقّق في الشرائع(2) وإن لم يعرف قائله هو الأوفق بالجمود على مقتضى ظاهر النص .
ومع التنزّل فلا أقلّ من إجمال النصّ وتردّده بين أن يكون المراد خصوص المكاري أو مطلق من عمله السفر ، ومن المعلوم لزوم الاقتصـار في المخصّص
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 14 : 283 .
(2) الشرائع 1 : 160 .
ــ[179]ــ
أمّا إذا أقام أقل من عشرة أيام بقي على التمام(1)، وإن كان الأحوط مع إقامة الخمسة الجمع((1)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن الذي هو المكاري ، والرجوع فيما عداه إلى عموم وجـوب التمام على من شغله السـفر حسبما عرفت من أنّ النصّ المزبور مخصّص لذلك العموم ، وليس من التخصّص في شيء ، لوضوح عدم التنافي بين إقامة العشرة وبين كون شغله السفر .
(1) إذا أقام المكاري أو غيره ـ بناءً على تعـميم الحكم لمطلق من شغله السفر ـ أقل من عشرة أيّام فالمشهور وجوب التمام ، استناداً إلى عمومات التمام عليهم ، وخصوص صحيحة ابن سنان التي اُنيط التقصير فيها باقامة العشرة المستلزم لوجوب التمام لو أقام دونها .
وحكي عن الإسكافي أنّ إقامة الخمسة كالعشرة موجبة للتقصير والإفطار(2) وهذا لم يعرف له مستند أصلاً .
ونسب إلى الشيخ (3) وأتباعه وإلى الوسيلة (4) والنهاية (5) أ نّه لو أقام خمسة أيام قصّر في صلاته نهاراً دون صومه (6) وأتمّ ليلاً ، واسـتدلّ له بما في صدر صحيحة ابن سنان : «المكاري إذا لم يستقر في منزله إلاّ خمسة أيام أو أقل قصّر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مورد الاحتياط هي الصلاة النهارية، وأمّا اللّيلية فالحكم فيها وجوب التمام بلا إشكال .
(2) حكاه عنه في المهذّب البارع 1 : 486 .
(3) المبسوط 1 : 141 .
(4) الوسيلة : 108 .
(5) لاحظ نهاية الإحكام 2 : 179 .
(6) [ لم نعثر على تصريح باتمام الصوم ] .
ــ[180]ــ
في سفره بالنهار وأتمّ صلاة الليل ، وعليه صيام شهر رمضان ... » إلخ (1) .
وفيه : أنّ ظاهر الصحيحة جريان الحكم المزبور حتّى في إقامـة الأقل من خمسة أيام كثلاثة أو يومين ، ولم يقل به أحد من الأصحاب حتّى الشيخ نفسه فانّه اعتبر الخمسة ولم يكتف بالأقل . فما هو ظاهر الصحيحة لا قائل به ، وما يقول به الشيخ لا دليل عليه ، فلا بدّ من ردّ علم الصحيحة في هذه الفقرة إلى أهله لشذوذها ، بل ومخالفتها لما دلّ من النصوص الكثيرة على الملازمة بين التقصير والإفطار . فهي من هذه الناحية مجملة .
ويمكن حملها على التقية حيث نسب مضمونها إلى بعض العامّة(2) ، أو حملها على إرادة النوافل وأ نّه يقصّر في نوافل النهار ويتم في النوافل اللّيلية .
وكيف ما كان، فما اشتمل مضمونها من التفصيل بين الصوم والصلاة والتفصيل بين صلاة النهار واللّيل مطروح أو مأوّل، فلا تصلح للاستدلال في قبال عمومات التمام ، هذا .
وقد احتاط الماتن (قدس سره) بالجمع لدى إقامة الخمسة حذراً عن شبهة الخلاف المتقدّم، لكن كان الأولى والأحسن بل المتعيّن تخصيص الاحتياط المزبور بالصلوات النهارية ، أمّا الليلية فلا وجه للاحتياط فيها ، بل يتعيّن التمام كما هو صريح الصحيحة المتقدّمة .
وبالجملة : مورد الخلاف الموجب للاحتياط إنّما هي الصلوات النهارية التي يجب فيها التمام بمقتضى العمومات وعليه المشهور ، والقصر بمقتضى الصحيحة وعليه الشيخ وأتباعه، أمّا اللّيلية فالمتعيّن فيها التمام على كلّ حال ، سواء أخذنا بالصحيحة أم لا ، والشيخ أيضاً لا يقول بالقصر فيها ، فلا مقتضي للاحتياط
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 490 / أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6 .
(2) [ لم نعثر عليه ] .
|