ــ[190]ــ
الثامن : الوصول إلى حدّ الترخّص(1) ، وهو المكان الذي يتوارى عنه جدران بيوت البلد ويخفى عنه أذانه ، ويكفي تحقّق أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقّق الآخر، وأمّا مع العلم بعدم تحقّقه فالأحوط اجتماعهما ، بل الأحوط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ وإن كان هذا مجرّد فرض لعلّه لا يكاد يتحقّق خارجاً إلاّ نادراً ـ كما لو شكّ بعد خروجه من كربلاء وقطعِه مقداراً من الطريق ـ كأن بلغ خان النخيلة مثلاً وهو يعلم بدخوله البلد يوماً قبل محرّم وأنّ هذا هو اليوم العاشر منه ـ في أنّ خروجه هل كان في هذا اليوم ليكون قد أكمل العشرة في كربلاء ، أو كان في اليوم السابق وقد بات الليلة الماضية في الخان المزبور لتكون إقامته تسعة أيام ففي مثله لا مانع من استصحاب البقاء في كربلاء إلى هذا اليوم ، فيحكم بتحقّق القاطع ولزوم القصر عليه في السفرة الاُولى .
لكن هذا مجرّد فرض بعيد التحقّق جداً ، لاستناد الشكّ المزبور إلى الترديد في مبدأ الدخـول غالباً كما عرفت . فاطلاق كلام المـاتن ـ المنزّل على ما هو المعهود المتعارف من الشكّ ـ في الحكم بالبقاء على التمام هو الصحيح .
هذا إذا لم نقل باعتبار النيّة في إقامة العشرة ، وأمّا لو قلنا بالاعتبار في غير بلده ـ كما هو الصحيح على ما تقدّم (1) ـ فشكّ في العشرة من أجل الشكّ في نيّتها كان المرجع حينئذ أصالة عدم النيّة بلا إشكال ، ويحكم بالبقاء على التمام قطعاً كما هو ظاهر جدّاً .
(1) المعروف والمشهور بل ادّعي الإجماع عليه في كلمات غير واحد أ نّه يعتبر في التقصير أن يبلغ المسافر حدّ الترخّص ، فلا يجوز له التقصير كما لا يجوز له الإفطار قبل ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 181 .
ــ[191]ــ
مراعاة اجتماعهما مطلقاً ، فلو تحقّق أحدهما دون الآخر إمّا يجمع بين القصر والتمام وإمّا يؤخر الصلاة إلى أن يتحقّق الآخر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونسب الخلاف إلى ابن بابويه والد الصدوق (قدس سره) وأ نّه يرى جواز التقصير حينما يخرج من منزله ، ولا يعتبر بلوغه الحدّ المزبور (1) .
والذي يمكن أن يكون دليلاً له ومدركاً لهذا الحكم روايات ثلاث :
إحداها : مرسلة حماد عن أبي عبدالله (عليه السلام): «في الرجل يخرج مسافراً قال : يقصّر إذا خرج من البيوت» (2) .
ثانيها : مرسلة ولده الصدوق قال : «روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه قال : إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه» (3) ، فانّ الصدوق قد وجدها في كتاب من الكتب بطبيعة الحال قبل أن يثبتها في الفقيه ، فيمكن أن يكون والده (قدس سره) أيضاً ظفر بها واستند إليها ، لا أ نّه استند إلى مرسلة ولده كما هو ظاهر .
ثالثها : ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) : «في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله ؟ قال : إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ... » إلخ (4) .
فهذه الروايات الثلاث يمكن أن تكون سنداً للقول المحكي عن ابن بابويه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه عنه في المختلف 2 : 534 المسألة 392 .
(2) الوسائل 8 : 473 / أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 9 .
(3) الوسائل 8 : 475 / أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5 ، الفقيه 1 : 279 / 1268 .
(4) الوسائل 10 : 187 / أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 10 ، التهذيب 4 : 228 / 669 .
ــ[192]ــ
والمنسوب إليه أ نّه (قدس سره) يرى جواز الإفطار والتقصير من حين الخروج من المنزل وإن لم يخرج بعد من البلد .
فان أراد (قدس سره) هذا المعنى فتدلّ عليه روايتان من الروايات الثلاث وهما مرسلة الصدوق ورواية ابن يقطين ، المصرّح فيهما بالخروج من المنزل .
ولكن الروايتين مضافاً إلى ضعف سند الاُولى منهما للإرسال مقطوعتا البطلان في حدّ أنفسهما ولو مع الغضّ عن السند ، ولعلّ ابن بابويه أيضاً لا يقول بذلك ضرورة أنّ الإفطار والتقصير من أحكام المسافر ، ومن لم يخرج من البلد لم يتلبّس بعد بالسفر ولم يتّصف بكونه مسافراً، فانّ السفر من السفور بمعنى البروز والخروج والظهور من البلد ، فالخارج من منزله ما لم يخرج من بلده لا يحتمل اتصافه بعنوان المسافر فكيف يشمله حكمه . فهذا الاحتمال مقطوع البطلان .
وإن أراد (قدس سره) جواز الإفطار والتقصير من حين الخروج من البلد فهذا ممكن في حدّ نفسه ، لصدق المسافر عليه بمجرّد ذلك ، وتدلّ عليه مرسلة حماد المتقدّمة ، لمكان التعبير بالخروج من البيوت ، المساوق للخروج من البلد .
ولكنّها من جهة إرسالها لا يمكن الاعتماد عليها في مقابل صحيحتي عبدالله ابن سنان ومحمد بن مسلم(1) وغيرهما من الروايات المعتبرة الدالّة على اعتبار حدّ الترخص . فامّا أن تلغى الرواية وتحمل على التقية كما نسب مضمونها إلى بعض العامّة(2) ، أو تقيّد بما إذا كان خروجه من البيوت بمقدار يبلغ الحدّ المزبور أي لا يسمع الأذان أو تخفى عليه الجدران كما تضمّنته تلك النصوص الدالّة على اعتبار حدّ الترخص .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآتيتين في ص 194 ، 205 .
(2) المغني 2 : 97 ـ 98 ، الشرح الكبير 2 : 98 ، المجموع 4 : 349 .
|