اعتبار حدّ الترخّص في غير الوطن حال الإياب - الشك في بلوغ حدّ الترخّص 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5193


   وأمّا المقام الثاني :  أعني الرجوع والدخول فيه فأظهر حالاً ، إذ لا دليل


ــ[216]ــ

على اعتبار حدّ الترخّص في الرجوع إلاّ صحيحة ابن سنان، وهي خاصّة بالوطن كما عرفت ، ولا سيما بملاحظة ذيلها ، فلو التزمنا بالاعتبار في الخروج من محلّ الإقامة استناداً إلى بعض الوجوه المتقدّمة لا نلتزم في الرجوع ، لانحصار دليله فيما يختص بالوطن فقط .

   نعم ، لو تمّ عموم التنزيل حتّى قبل الإقامة أمكن دعوى الاعتبار حينئذ ولكنّه واضح الفساد ، ضرورة أنّ عموم المنزلة على القول به يختص بمن قدم البلد واتصف بعنوان المقيم ، فيدّعى أ نّه ما دام مقيماً فهو بمنزلة المتوطّن ، لا من لم يدخل بعد ويريد الدخول والإقامة بعدما دخل أو رجع ، فانّه غير مشمول للتنزيل بالضرورة . فحتّى على تقدير العمل بصحيحة زرارة والالتزام بعموم المنزلة لا نقول به في المقام ، لاختصاصه بالمحلّ الذي أقام فيه ، لا المحلّ الذي يريد الإقامة فيه .

   فتحصّل :  أ نّا لو التزمنا باعتبار حدّ الترخّص في محلّ الإقامة ذهاباً لا نلتزم به إياباً البتة . هذا كلّه حكم محلّ الإقامة .

   وأمّا المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً فهل يعتبر فيه حدّ الترخّص أو لا ؟ أمّا الإياب فلا يمكن فرضه هنا ، إذ لا معنى للدخول في بلد يعلم ببقائه فيه ثلاثين يوماً متردِّداً كما هو ظاهر، فيختصّ محلّ البحث بالذهاب . وقد ظهر من جميع ما تقدّم أ نّه لا موجب لاعتباره هنا أيضاً ، لعدم الدليل عليه بوجه .

 نعم ، ورد في الصحيحة (1) هذا المضمـون : أنّ من بقي شهراً في مكّة فهو بمنزلة أهلها (2) . فربّما يدّعى أنّ مقتضى عموم التنزيل جريان أحكام الأهل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ الظاهر كونها موثقة ، لأنّ إسحاق بن عمار فطحي بتصريح الشيخ كما حكاه في معجم رجال الحديث 3 : 223 / 1165 ] .

(2) الوسائل 8 : 472 /  أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 6 .

ــ[217]ــ

   [ 2297 ] مسألة 66 : إذا شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه فيبقى على التمام في الذهاب وعلى القصر في الإياب (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بتمامها التي منها اعتبار حدّ الترخّص .

   ويندفع أوّلاً :  أنّ المتبادر من التنزيل أن يكون بلحاظ أظهر الآثار ، وهو في المقام إتمام الصلاة ، فلا يشمل غيره ، ولا سيما مثل حدّ الترخّص الذي ربما لا يعرفه أكثر الناس .

   وثانياً :  أنّ الموضوع في النص مَن بقي ، وظاهره اعتبار الوصف العنواني في التنزيل ، وأنّ الباقي ما دام باقياً فهو بمنزلة الأهل ، فمع خروجه من مكّة يزول العنوان، فلا موضوع حتّى يشمله عموم المنزلة كي يحكم باعتبار حدّ الترخّص . وبعبارة اُخرى: ليس التنزيل بلحاظ ذات الباقي، بل بوصف أ نّه باق، فلا يشمل ما بعد الخروج وزوال العنوان .

   وثالثاً : مع الغض عن كلّ ذلك فلعلّ هذا من مختصّات مكّة كسائر خصائصها فلا مقتضي للتعدّي من مورد النص من غير دليل ظاهر .

   فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الأظهر اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالوطن ، فلا يعم غيره من محلّ الإقامة أو المكان الذي أقام فيه ثلاثين يوماً ومع ذلك كلّه فالاحتياط بالجمع أو تأخير الصلاة ممّا لا ينبغي تركه .

   (1) إذا كان حدّ الترخّص معلوماً فيما يعتبر فيه الحد ذهاباً أو إياباً فلا إشكال وأمّا لو شكّ في ذلك لجهة من الجهات المانعة عن الإحراز من ظلمة أو عمى أو عدم كونه وقت الأذان ونحو ذلك فلا ريب أنّ الشبهة موضوعية ، يجرى فيها الاستصحاب ، أعني أصالة عدم بلوغ البعد المقرّر شرعاً ، فيتم في الذهاب كما أ نّه يقصّر في الإياب، عملاً بالاستصحاب، فكلّ منهما في حدِّ نفسه مورد للأصل.

ــ[218]ــ

   ولكن قد يكون هناك علم إجمالي يمنع عن الرجوع إليه من أجل المعارضة وهذا أمر آخر لا ربط له بجريان الاستصحاب في حدّ نفسه ، كما هو الحال في سائر الشبهات الموضوعية التي يجرى فيها الاستصحاب لولا الابتلاء بالعلم الإجمالي الموجب لسقوطه من جهة المعارضة .

   فعليه لو فرض حصول العلم الإجمالي في المقام ، كما لو اتفق عروض الشك بعينه في الإياب عندما وصل إلى نفس المكان الذي شكّ فيه في الذهاب ففي مثله لا يمكن الجمع بين الاستصحابين ، للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع .

   فانّ هذا المكان إن كان بالغاً البعد المقرّر شرعاً وكان مصداقاً لحدّ الترخّص واقعاً فالاستصحاب الجاري في الذهاب المترتّب عليه التمام مخالف للواقع ، وإلاّ بأن كان دون حدّ الترخّص فالاستصحاب في الإياب المترتّب عليه القصر ساقط فيعلم إجمالاً بالمخالفة في أحد الاستصحابين المترتّب عليه العلم الإجمالي بفساد إحدى الصلاتين بطبيعة الحال ، فماذا تقضيه القاعدة وما هي الوظيفة حينئذ ؟ فنقول :

   قد يفرض حصول العلم الإجمـالي من أوّل الأمر كما لو علم عند شكّه في الذهاب بابتلائه بنفس هذا الشكّ في الإياب ، واُخرى يفرض حصوله متأخّراً .

   أمّا في الأوّل : فلا شبهة في تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، بناءً على ما هو الصحيح من عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين الدفعي والتدريجي وأنّ العبرة بفعلية الحكم ولو في ظرفه ، فلا مناص حينئذ من أحد الأمرين إمّا الجمع أو تأخير الصلاة إلى بلوغ الحدّ الجزمي ، رعاية للعلم الإجمالي المزبور بعد سقوط الاستصحابين بالمعارضة .

   وأمّا في الثاني : كما لو شكّ في الذهاب ومن باب الاتـفاق حصل له نفس ذلك الشكّ في الإياب من دون علم به من الأوّل ، فهو على قسمين : إذ قد

ــ[219]ــ

يفرض الكلام مع بقاء الوقت ، واُخرى مع فواته .

   أمّا الأوّل :  كما لو صلّى الظهر في ذهابه تماماً ويريد أن يصلّي العصر في إيابه قصراً عملاً بالاستصحاب في كلٍّ منهما، فلا ريب حينئذ في سقوط الاستصحابين بالمعارضة .

   ولا مجال لتصحيح الظهر بقاعـدة التجاوز ، لوضوح اختصاصها بالشكّ في الصحّة المستند إلى فعل المكلّف من احتمال ترك جزء أو شرط أو الإتيان بمانع دون ما هو خارج عن اختياره كما في المقام ، فانّ صحّة الظهر الصادرة تماماً وفسادها مسـتند إلى كون ذلك المحلّ مصداقاً لحدِّ الترخّص وعدمه ، الذي لا مساس له بفعل المكلّف بوجه .

   فلا مؤمّن لصحّة الظهـر ، لانحصـاره في الاسـتصحاب المفروض سـقوطه بالمعارضة ، فلا مناص من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم إعادة الظهر قصراً والإتيان بالعصر قصراً وتماماً ، لعدم أصل يحرز به أحد الأمرين كما عرفت .

   وأمّا الثاني :  أعني فرض خروج الوقت كما لو كان رجوعه في اللّيل فكان شكّه بالنسبة إلى العشاءين ، والمفروض أ نّه صلّى الظهرين في ذهابه تماماً عملاً بالاستصحاب .

   فان بنينا على أنّ من أتمّ في موضع القصر لعذر من الأعذار من جهل أو نسيان متعلّق ببعض خصوصيات الحكم أو موضوعه مثل المقام ، ومثل ما لو أتم بزعم أنّ المسافة الكذائية لا تبلغ الثمانية فراسخ ونحو ذلك ، وجامعـه غير العالم العامد ، ثمّ انكشف الخلاف خارج الوقت لا يجب عليه القضاء كما لا يبعد الالتزام به ، فعلى هذا المبنى لا أثر للعلم الإجمالي المزبور ، للعلم بصحّة ما صلاه تماماً على كلّ حال ، سواء أكان ذلك الموضع حدّاً للترخّص أم لا ، فلا موقع

ــ[220]ــ

لذلك الاستصحاب ، إذ لا أثر له بعد العلم التفصيلي بصحّة التمام .

   فيبقى الاسـتصحاب بلحـاظ حال الإياب سـليماً عن المعـارض ، فيصلِّي العشاءين قصراً ولا شيء عليه ، إذ لا يحدث من ذلك العلمُ الإجمالي ببطلان التمام أو القصر ، لصحّة الأوّل على كلّ تقدير كما عرفت .

   وأمّا لو بنينا على وجـوب القضـاء لاختصاص دليل الاجـتزاء بالجاهل بأصل الحكم دون خصوصياته أو الجاهل بالموضوع ، فلا محالة يتحقّق العلم الإجمالي ببطلان أحد الاستصحابين، فانّ مقتضى الاستصحاب الأوّل صحّة التمام وعدم الحاجة إلى القضاء ، ومقتضى الثاني وجوب القصر وصحّته ، ولا يمكن الجمع ، وبعد سقوط الاستصحابين بالمعارضة تصل النوبة إلى الاُصول الاُخر .

   وقد عرفت أنّ قاعدة التجاوز لا مجرى لها بالإضافة إلى الصلاة السابقة لاختصاصها باحتمال الخلل المستند إلى الفعل الاختياري ، المفقود في المقام .

   كما لا مجال للرجوع إلى قاعدة الحيلولة ، لاختصاصها بالشكّ المتعلّق بأصل الإتيان بالصلاة ، دون من علم بأ نّه صلّى تماماً وشكّ في صحّتها كما في المقام فينتهي الأمر إلى الاُصول العملية، ومقتضاها البراءة عن قضاء السابقة والرجوع إلى قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الحاضرة .

   أمّا الأوّل: فلأنّ القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، ولم يحرز لا وجداناً لجواز صحّة السـابقة ووقوع التمام قبل بلوغ حدّ الترخّص واقعاً ، ولا تعـبّداً لعدم أصل يحرز به الفـوت ، فحيث إنّه مشكوك فيه فلا محالة يشك في تعلّق الأمر بالقضاء ، فيرجع إلى أصالة البراءة .

   وأمّا الثاني : فلأنّ الشك في الحـاضرة ـ أعني العشـاءين ـ شكّ في الوقت وهو مورد لقاعـدة الاشـتغال بعد عدم المؤمّن عن شيء من القصر والتمـام

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net