وهل هناك قسم آخر من الوطن كلّما دخل فيه المسافر أتم ، ولا ينافيه الإعراض ، أو أ نّه منحصر في الأولين ولا ثالث ؟
نسب إلى المشهور أنّ هناك قسماً ثالثاً أسموه بالوطن الشرعي ، وهو ما إذا كان له في بلد أو قرية ملك قد سكن فيه ـ بعد أن اتخذه وطناً له دائماً ـ ستّة أشهر ، ففي مثله يتم كلّما دخل فيه وإن أعرض عنه إلى أن يزول ملكه . هكذا نسب إلى المشهور ، صحّت النسبة أم لم تصح .
ولا بدّ لنا من مراجعة الأخبار والنظر في الروايات الواردة في المقام لنرى مدى دلالتها وما هو المستفاد منها ، فنقول ومنه الاستعانة :
الروايات الواردة في المقام كثيرة ومختلفة غاية الاختلاف ، فقد تضمّنت جملة منها وفيها الصحاح أنّ من كانت له ضيعة أو قرية يتم الصلاة متى دخلها وإن لم يستوطنها ، فجعل فيها مجرّد الملك مناطاً للإتمام .
وهذه الروايات على كثرتها إن كانت قابلة للتقـييد بما دلّ على اعتبـار الاستيطان باقامة ستّة أشهر فهو، وإلاّ ـ كما هو كذلك في بعضها ـ فهي معارضة بطائفة اُخرى دلّت على لزوم التقصير في موردها كما ستعرف ، فلا بدّ من حملها على التقيّة ، لموافقتها مع العامّة (1) كما قيل ، أو طرحها لمخالفتها مع إطلاقات التقصـير التي هي روايات متواترة وسالمة عمّا يصلح للتخصيص بعد ابتلاء المخصّص بالمعارض ، فيكون المرجع تلك الإطلاقات ، وتكون هذه الروايات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغني 2 : 135 ، حلية العلماء 2 : 234 ، فتح العزيز 4 : 444 .
ــ[240]ــ
ساقطة إمّا للتقيّة أو لمخالفتها للسنة القطعية . وإليك بعض هذه الروايات :
فمنها : صحيحة إسماعيل بن الفضل قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض ، وإنّما ينزل قراه وضيعته ، قال : إذا نزلت قراك وأرضك فأتمّ الصلاة ، وإذا كنت في غير أرضك فقصّر» (1) . دلّت على أنّ مجرّد كون الأرض قريته وضيعته كاف في وجوب التمام ،
ومنها : صحيحة عبدالرحمـن بن الحجاج قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض فيخرج فيطوف فيها أيتم أم يقصّر ؟ قال : يتم» (2) .
رواها المشايخ الثلاثة (3) غير أنّ نسخة الكافي تفترق عن الفقيه والتهذيب في أنّ المذكور فيها بدل «فيطوف» «فيقيم» وحينئذ لا بدّ وأن يكون المراد الإقامة في مجموع تلك الضياع ، بأن يقيم ليلة هنا وليلة هناك مثلاً ، لا الإقامة عشرة أيام في ضيعة واحدة ، لوضوح وجوب التمام حينئذ من غير فرق بين الضيعة وغيرها . فالسؤال غير ناظر إلى ذلك قطعاً ، لعدم خفائه على أحد سيما بعد كون السائل مثل ابن الحجاج الذي هو من الأعاظم . وعليه فقد دلّت على أنّ مجرّد ملك الضيعة كاف في وجوب التمام وإن لم يقم فيها ستّة أشهر بمقتضى الإطلاق .
ومنها : صحيحة عمران بن محمد قال «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ ، فربّما خرجت إليها فاُقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فاتمّ الصلاة أو اُقصّر ؟ فقال : قصّر في الطريق وأتم في الضيعة» (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 8 : 492 / أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2 .
(2) الوسائل 8 : 495 / أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 12 .
(3) الكافي 3 : 438 / 6 ، الفقيه 1 : 282 / 1281 ، التهذيب 3 : 213 / 522 .
(4) الوسائل 8 : 496 / أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 14 .
ــ[241]ــ
وهي كما ترى صريحة في أنّ مجرّد كون الضيعة ملكاً له موجب للإتمام متى دخلها . ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها .
|