وأمّا إذا شكّ في ذلك فقد تكون الشبهة موضوعية كما لو قصد الإقامة في محلّتين ولم يعلم أنّ إحداهما منفصلة عن الاُخرى أو متصلة ، واُخرى حكمية كما لو علم بالانفصال في المثال ولكنّه كان قليلاً كعشر الفرسخ مثلاً ، بحيث يشكّ أنّ هذا المقدار موجب للإخلال وقادح في صدق الوحدة المكانية أم لا .
والمتعيّن في كلتا الصورتين ـ اللتين يجمعها الشك في أنّ هذه الإقامة هل هي مصداق لإقامة عشرة أيام في مكان واحد ، التي هي الموضوع لانقلاب الحكم
ــ[267]ــ
ولو كان البلد خارجاً عن المتعارَف في الكبر(1) فاللازم قصد الإقامة في المحلّة منه إذا كانت المحلاّت منفصـلة ، بخلاف ما إذا كانت متّصلة ، إلاّ إذا كان كبيراً جدّاً ((1)) بحيث لايصدق وحدة المحلّ وكان كنيّة الإقامة في رستاق مشتمل على القرى مثل قسطنطينية ونحوها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من القصر إلى التمام أو لا ـ هو القصر .
أمّا في الاُولى فواضح ، لأنّ هذا الموضوع عنوان حادث مسـبوق بالعـدم فيستصحب عدمه .
وأمّا في الثانية : فللزوم الرجوع حينئذ إلى إطلاقات القصر على كلّ مسافر بعد وجوب الاقتصار في المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن الذي يقطع معه بصدق الإقامة عشرة أيام ، وحيث إنّه مشكوك فيه في المقام فالمرجع عموم أدلّة القصر كما عرفت ما لم يحرز الصدق .
(1) فصّل (قدس سره) في البلاد الخارجـة عن المتعارف في الكـبر بين ما كانت المحلات منفصلة فاللازم قصد الإقامة في المحلّة منها ، وبين ما إذا كانت متصلة فأجرى عليها حكم سائر البلاد إلاّ إذا كانت كبيرة جداً، بحيث لايصدق وحدة المحلّ كالقسطنطينية ونحوها .
أقول : لا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) فانّ العبرة في وحدة المحلّ بالصـدق العرفي كما عرفت ، وهو حاصل في المقـام وإن خرج البلد عن المتعارف في الكبر ، نعم في موارد الشكّ يرجع إلى الإطلاق أو الاستصحاب كما مرّ ، إلاّ أنّ المقـام ليس من موارد الشكّ ، إذ لا قصـور في إطلاق الأدلّـة عن الشمول لمثل ذلك ، فانّ الحكم بالتمام قد علّق فيها على الإقامة في البلد أو الضيعة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاعتبار إنّما هو بوحدة البلد ، وكبره لا ينافيها كما تقدّم .
ــ[268]ــ
ونحو ذلك ، والضـياع وإن كانت صغيرة غالـباً إلاّ أنّ البـلاد تشـمل الصغيرة والكبيرة بمقتضى الإطلاق .
وقد كانت البـلاد الكبيرة الخارجة عن المتعارف في الكبر غير عزيزة في عصرهم (عليهم السلام) كبغداد والكوفة ونحوهما ، بل كانت مساحة الكوفة أربعة فراسخ في أربعة كما يحدّثنا التاريخ ، فلا يضرّ ذلك بصدق الإقامة في مكان واحد أو بلدة واحدة بعدما عرفت من عدم إرادة الإقامة في منزل شخصي قطعاً .
نعم ، لو فرضنا بلوغ سعة البلد مقداراً خارقاً للعادة جدّاً كما لو فرض بلد طوله مائة فرسخ مثلاً أو خمسين ـ الذي هو مجرّد فرض لا وقوع له خارجاً لحدّ الآن ـ ففي مثله لا ينبغي الشكّ في عدم صدق الإقامة في مكان واحد ، بل لو انتقل من جانب إلى جانب آخر فهو مسافر يجب عليه التقصير لو كان سيره بمقدار المسافة الشرعية، فيعتبر حينئذ الإقامة في محلّة خاصّة ، ولا تكفي الإقامة في المحلاّت وإن كانت متّصلة ، إذ لا يصدق عليه المقيم في مكان أو أرض واحدة وإن كان البلد واحداً حسب الفرض .
وأمّا فيما لم يبلغ هذا المقدار من السعة وإن كان كبره خارجاً عن المتعارف ـ كما هو محلّ الكلام ـ مثل ما لو كان طوله ثلاثة فراسخ أو أربعة كالقسطنطينية ونحوها ، فالظاهر أنّ ذلك غير قادح في صدق الإقامة في مكان واحد .
وملخّص الكلام : أنّ العبرة في وحدة محلّ الإقـامة بالصدق العرفي ، وهو حاصل في أمثال هذه الموارد ، سواء أكانت المحلات متصلة أم منفصلة ، فيصحّ أن يُقال إنّ زيداً أقام في القسطنطينية مثلاً عشرة أيام وإن لم يكن مُستقرّاً في مكان واحد ، بل كان ينتقل من مكان إلى مكان ومن جانب إلى آخر ، فانّ هذا لم يكن انتقالاً سفرياً بل انتقال في ضمن سفره . فلا دخل للكبر والصغر في هذا الحكم بوجه بعد إطلاق الدليل وتحقّق الصدق العرفي .
|