قصد الإقامة بتخيّل قصد رفقائه الإقامة فينكشف الخلاف 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5200


ــ[333]ــ

   [ 2336 ] مسألة 35 : إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثمّ تبيّن أ نّهم لم يقصدوا ، فهل يبقي على التمام أو لا (1) ؟ فيه صورتان :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزيادة والنقصان في ركعاتها كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «ألا اُعلّمك ... » إلخ (1) ـ فالعدول حينئذ واقع قبل إحراز الأربع الذي هو في حكم العدول في الأثناء .

   ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : يبني على الأكثر (2) أو على الأربع (3) ، إذ المراد به البناء العملي ، أي يعامل معها هذا العمل ، لا أنّ هذه هي الركعة الرابعة واقعاً . فالعدول حينئذ يؤثّر ، ومعه يرجع إلى القصر ، وقد تقدّم في محلّه (4) أنّ هذا المبنى هو الأظهر .

   وأمّا إذا بنينا على أ نّها واجب مستقل بحيث لا يضرّ الحدث بين الصلاتين فمرجعه إلى أنّ الشـارع قد حكم بأنّ الركعة المشـكوكة ركعـة رابعة وصـلاة الاحتياط عمل أجنبي ، وليس بجزء شرع لتدارك النقص كما في النوافل التي شرعت لتدارك الفرائض ، فانّ من المعلوم أنّ النافلة ليست جزءاً من الفريضة . فعلى هذا يكون قد فرغ من الصلاة ، فلا يؤثّر العدول ، ويبقى على التمام .

   (1) فصّل (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان ارتباط قصده بقصدهم على سبيل التقييد ، وبين ما إذا كان بنحو الداعي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 213 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3 .

(2) الوسائل 8 : 213 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 8 ح 3 [ والمذكـور فيه : «إذا سهوت فابن على الأكثر » ] .

(3) الوسائل 8 : 216 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ، 11 ، 13 [ حيث يستفاد منها البناء على الأربع ] .

(4) شرح العروة 18 : 280 .

ــ[334]ــ

   إحداهما : أن يكون مقيّداً بقصدهم .

   الثانية : أن يكون اعتقاده داعياً له إلى القصد من غير أن يكون مقيّداً بقصدهم . ففي الاُولى يرجـع إلى التقصـير ((1)) ، وفي الثانية يبقي على التمام والأحوط الجمع في الصورتين .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ففي الصورة الاُولى يرجع إلى القصر ، لانكشاف عدم تحقّق القصد من الأوّل وفي الثاني يبقى على التمام لكونه من قبيل تخلّف الداعي غير القادح في تحقّق قصد الإقامة ، واحتاط بالجمع في كلتا الصورتين .

   أقول :  أمّا البقاء على التمام في الصورة الثانية فمما لا ينبغي الإشكال فيه لوضوح عدم قدح تخلّف الداعي كما ذكر ، فانّه يتحقّق في كثير من موارد قصد الإقامة ، كما لو قصدها بداعي شراء دار أو تزويج أو تجارة ونحوها ثمّ تخلّف وانصرف ، بل لا يكون العدول غالباً إلاّ من باب التخلّف في الداعي ، وإلاّ فما الموجب له إلى العدول ، ولماذا يرجع عن نيّته ، ليس ذلك طبعاً إلاّ لأجل أ نّه ينكشف له لاحقاً ما لم يكن منكشفاً سابقاً فيتخلّف الداعي قهراً ، ومثله غير قادح جزماً كما عرفت ، وهذا ظاهر لا سترة فيه ، ولا وجه صحيح هنا للاحتياط الذي ذكره في المتن إلاّ من باب أ نّه حسن على كلّ حال .

   وأمّا الرجوع إلى القصر في الصورة الاُولى فقد يقال في وجهه بأنّ نيّة الإقامة بعد أن كانت مقيّدة بقصد الرفقة ومنوطة به على سبيل الشرط والمشروط ـ كما هو المفروض ـ فانكشاف عدم قصدهم كاشف عن عدم قصده أيضاً من الأوّل بمقتضى ما بينهما من فرض الارتباط والاشتراط ، غايته أ نّه كان مشتبهاً لجهله بفقد المعلّق عليه ، فاذا انكشف الخلاف وجب الرجوع إلى القصر لا محالة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يبقى على التمام ، وقد تقدّم نظيره في قصد المسافة ، ولا أثر للتقييد في أمثال المقام .

ــ[335]ــ

   ويندفع بما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من امتناع التقييد في أمثال المقام ممّا هو جزئي حقيقي لا سعة فيه ليضيّق كالنيّة فيما نحن فيه ، التي هي من الاُمور الوجدانية وفعل اختياري دائر بين الوجود والعدم ، ويستحيل فيه التعليق على تقدير دون تقدير ، إذ ليس له معنى معقول أبداً .

   نظير أن يشرب مائعاً ويجعل شربه مقيّداً بأن يكون ماءً وإلاّ لم يكن شارباً فانّ هذا ممّا يضحك الثكلى ، ضرورة أنّ الشرب فعل جزئي قد تحقّق خارجاً على كلّ تقدير ، كان المائع ماءً أم لم يكن ، ولا يكاد يقبل التعليق بوجه ، نعم يمكن أن يكون الشرب بداعي كونه ماءً ، فاذا تخلّف يكون من تخلّف الداعي .

   ومن هنا ذكرنا في مبحث الجماعة (1) أنّ الاقتداء خلف الإمام الحاضر على تقدير أ نّه زيد لا معنى له ، فانّ الاقتداء فعل اختياري إمّا يوجد أو لا يوجد . فلا وجه للتفصيل بين الداعي والتقييد المنسوب إلى المشهور .

   كما وذكرنا أيضاً في باب العقود من المكاسب (2) أنّ التعليق في الإنشاء المحكوم بالبطلان مرجعه إلى التعليق في المنشأ ، وإلاّ فالإنشاء أمر وجداني وفعل نفساني اختياري إمّا أن يكون أو لا يكون ، ولا واسطة بينهما ، ولا يعقل فيه التعليق والإناطة بتقدير دون تقدير .

   وعلى الجملة : فلا يتصوّر التعليق في الأفعال التكوينية الوجدانية ، فانّها دائرة بين الوجود والعدم ، وكلّ ما ذكر فهو من قبيل التخلّف في الداعي ، ولا يتصوّر التقييد في أمثال المقام .

   نعم، التقييد في المقصود أو في المنشأ أمر معقول، فينشئ بانشائه الفعلي المحقّق الملكية مثلاً المعلّقة على شيء والمقيدة بتقدير خاص ككون اليوم يوم الجمعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 17 : 65 .

(2) مصباح الفقاهة 3 : 66 .

ــ[336]ــ

مثلاً، بداهة أ نّه كما يمكن إنشاء الملكية المطلقة يمكن إنشاء الملكية المقيّدة، فيكون الإنشاء بنفسه في كليهما فعلياً منجّزاً ، غاية الأمر أنّ المنشأ قد يكون معلّقاً واُخرى مطلقاً .

   وهذا هو التعليق في العقود الذي قام الإجماع على بطلانه ، وإلاّ فالتعليق في نفس الإنشاء أمر غير معقول ، لا أ نّه معقول باطل بسبب الإجماع . ففي الإنشاء لا يمكن وفي المنشأ يمكن، إلاّ أ نّه باطل فيما عدا الوصية ، لقيام الدليل بالخصوص على صحّتها وجواز إنشاء الملكية دبر الوفاة .

   وهكذا الحال في باب النيّة وقصد الإقامة ، فانّه قد يقصد الإقامة عشرة أيام مطلقاً ، واُخرى يقصدها على تقدير أن لا يضطرّ إلى الخروج لأمر من والده أو حاجة لصديقه ونحو ذلك ، فهو إذن غير قاصد للإقامة على كلّ تقدير ، بل على تقدير خاص .

   كما هو الحال في باب الأفعال الخارجية ، مثلاً يرغب في شراء متاع لكن على تقدير أن تكون قيمته كذا ، وأمّا لو كانت أكثر فلا يرغب .

   ففي المقام يمكن أن ينوي الإقامة لا مطلقاً ، بل على تقدير خاص وهي الإقامة المقترنة المرتبطة باقامة رفقائه ، فهذا ممكن وقابل للتقييد .

   وحينئذ فان كان متردّداً في إقامتهم ولا يدري أ نّهم قصدوها أم لا فبطبيعة الحال لا يعلم هو ببقـائه عشرة أيام ، وحكمه القصر حينئذ حتى وإن كانت الرفقة قد قصدوا العشرة، لأ نّه وإن علّق قصده على تقدير وذاك التقدير حاصل واقعاً ، إلاّ أنّ هذا الشخص لا يدري به ، والقيد المعلّق عليه مشكوك فيه لديه فلا جرم تكون الإقامة مشكوكة عنده ، بحيث لو سئل هل تبقى عشرة أيام يقول لا أدري لأ نّي تابع لمن معي . فلا قصد له بتاتاً ، ومثله محكوم بالقصر .

   وأمّا لو كان معتقداً ببقائهم عشرة أيام وجب حينئذ عليه التمام وإن كان

ــ[337]ــ

مخطئاً في اعتقاده ، إذ بالأخرة هو قاصد فعلاً للعشرة ، والخطأ إنّما هو في مقدّمة هذا القصد وهو الاعتقاد المزبور ، لا في القصد نفسه ، بحيث لو سُـئل عنه كم تبقى لأجاب عشرة أيام، بلا كلام ، التي هي الموضوع لوجوب التمام . فهو جازم ببقاء واقع العشرة لا مجرّد عنوانها ، غاية الأمر أنّ الجزم نشأ عن اعتقاد مخالف للواقع ، ولا ضير فيه .

   والحاصل : أنّ التقييد لنفس النيّة لا يمكن، وأمّا المنوي فممكن، ولكن المفروض أنّ القيد محرز وإن كان مخطئاً . فهو ناو حقيقة، ومعه لا مناص من الحكم بالتمام .

   ولا ينتقض المقام بما لو قصد البقاء إلى يوم الجمعة الآتية مثلاً معتقداً أنّ هذا اليوم يوم الأربعاء ، وأنّ المجموع عشرة فبان أ نّه يوم الخميس والمجموع تسعة .

   لوضوح أنّ هناك من قبيل الاشتباه في التطبيق ، إذ لم يقصد في الواقع إلاّ البقاء مدّة تخيّل أ نّها عشرة أيام ، فلم يقصد واقع العشرة بوجه ، بخلاف المقام لتعلّق القصد هنا بواقع العشرة كما عرفت ، وإن كان مستنداً إلى ما لا واقع له وهو اعتقاد أنّ رفقاءه قصدوها .

   وقد ذكرنا في محلّه (1) أنّ الاعتبار في قصد الإقامة وكذا في المسافة بواقعهما لا بما تخيّله من العنوان، فلو قصد الحركة من النجف إلى الحلّة معتقداً أنّ المسافة بينهما خمسة فراسخ ، أو إلى الكوفة معـتقداً أ نّها ثمانية قصّر في الأوّل وأتمّ في الثاني ، وإن تخيّل ما تخيّل وقصد المسافة في الثاني دون الأوّل ، فانّ المناط واقع المسافة لا تخيّلها ، كما أنّ العبرة في قصد الإقامة أيضاً بواقع العشرة لا بخيالها والواقع منفي في مورد النقض متحقّق فيما نحن فيه ، ولأجله كان القياس مع الفارق ، والنقض في غير محلّه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 279 ، 37 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net